• الاثنين 20 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :29 ابريل 2024 م


  • فوائد من كتاب الجواب الكافي ( 1 )


  •  

    2- ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال : ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء .

    وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ باذن الله .

    وفي مسند أحمد من حديث أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله .

    وفي لفظ : إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا . قالوا يا رسول الله : ما هو ؟ قال : الهرم .

    قال الترمذي هذا حديث صحيح، وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها .

    2- وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء.

    3- فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم في إزالة الداء من القرآن .

    3- ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيراً عجيباً في الشفاء ، وقد مكثتُ بمكة مدة تعتريني أدواء ولا أجد طبيباً ولا دواءً فكنتُ أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيراً عجيباً فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً وكان كثير منهم يبرأ سريعاً .

    ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يُستشفى بها ويُرقى بها هي في نفسها نافعة شافية ولكن تستدعي قبول المحل ، وقوة همّة الفاعل وتأثيره فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل ، أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء .

    3- وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان ، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً فإن السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً ، وإما لحصول المانع من الاجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها .

    4- وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات :

    أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .

    الثاني : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً .

    الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه .

    5- من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه : أن يستعجل العبد ويستبطئء الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء ، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله .

    وفى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يستجاب لاحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي .

    9- وقد دلّ العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين وطلب مرضاته والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير ، وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر فما استُجلبت نعم الله واستدفعت نقمة الله بمثل طاعته والتقرب إليه والإحسان إلى خلقه .

    11- العبد يعرف أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وآخرته ولا بد ، ولكن تُغالطه نفسه بالاتكال على عفو الله ومغفرته تارة ، وبالتسويف بالتوبة ، والاستغفار باللسان تارة ، وبفعل المندوبات تارة ، وبالاحتجاج بالقدر تارة ، وبالاحتجاج بالأشباه والنظراء تارة وبالاقتداء بالأكابر تارة .

    13- صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء إنما تُكفِّر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر ، فرمضان والجمعة الى الجمعة لا يقويا على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر.

    15- وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه وضيّعوا أمره ونهيه ونسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند .

    وقال بعض العلماء : من قطع عضواً منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا ، وقيل للحسن : نراك طويل البكاء ؟ فقال : أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي .

    16- في المسند من حديث أنس بن مالك قال قال صلى الله عليه وسلم : مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من هؤلاء ؟ قالوا : خطباء من أمتك من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم أفلا يعقلون .

    وفيه أيضا من حديثه قال صلى الله عليه وسلم: لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم .

    21- عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلى قوله عز وجل " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون " .

    وقال بعض السلف : إذا رأيتَ الله عز و جل يتابع عليك نعمة وأنت مقيم على معاصيه فاحذره فإنما هو استدراج .

    22-  الدنيا كلها من أولها الى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة كما في مسند أحمد والترمذي من حديث المستورد بن شداد قال قال صلى الله عليه وسلم : ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع.
    فإيثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل، وإذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها إلى الآخرة فما مقدار عمر الإنسان بالنسبة إلى الآخرة ، فأيما أولى بالعاقل إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة وحرمان الخير الدائم في الآخرة .

    24- من رجا شيئاً استلزم رجاؤه ثلاثة أمور :

    أحدها : محبته ما يرجوه .

    الثاني : خوفه من فواته .

    الثالث : سعيه في تحصيله بحسب الإمكان ، وأما رجاء لايقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني ، والرجاء شيء ، والأماني شيء آخر.

    25- من تأمّل أحوال الصحابة رضى الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ، ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن، فهذا أبو بكر الصديق كان يمسك بلسانه ويقول : هذا الذي أوردني الموارد ، وكان يبكى كثيراً ويقول : أبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ، وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز و جل .

    وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله " إن عذاب ربك لواقع " فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه وقال لابنه وهو في الموت : ويحك ضع خدي على الأرض لعله أن يرحمني ، ثم قال : ويل أمي إن لم يغفر الله لي ، وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخنقه فيبقى في البيت أياماً ويُعاد ويحسبونه مريضاً ، وكان في وجهه رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء .

    وهذا عثمان بن عفان كان إذا وقف على القبر يبكى حتى تبل لحيته ويقول : لو أنني بين الجنة والنار لا أدري الى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير .

    وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبكاؤه وخوفه ، وكان يشتد خوفه من اثنتين طول الأمل واتباع الهوى .

    قال : فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا وإن الدنيا قد ولّت مدبرة والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل و لا حساب وغداً حساب ولا عمل .

    وهذا عبد الله بن عباس كان أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع .

    وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية فلما أتى على هذه الآية " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات " جعل يرددها ويبكى حتى أصبح .

    قال البخاري في صحيحه : باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر ، وقال إبراهيم التيمي : ما عرضتُ قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً.

    وقال ابن أبي مليكة : أدركت ثلاثين من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل ، ويُذكر عن الحسن أنه قال : ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق.

    26- ضرر الذنوب في القلوب كضرر السموم في الأبدان على إختلاف درجاتها في الضرر .

    26- وهل في الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي ؟
    فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب ؟

    وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء ، وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال ؟

    وما الذي سلّط الريح العقيم على قوم عاد حتى القتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمّرت ديارهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ؟

    وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم ؟

    وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكم جميعاً ثم أتبعهم حجارة من سجيل ، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم ولإخوانهم أمثالها وما هي من الظالمين ببعيد ؟

    وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى ؟

    وما الذى أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالأجساد للغرق والأرواح للحرق ؟

    وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله ؟

    وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميراً ، إنها الذنوب والمعاصي ؟

    29- ذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال: أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين الفاً من خيارهم وستين ألفا من شرارهم .

    قال : يارب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار ؟

    قال : إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم .

    وذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي عمران قال : بعث الله عز وجل ملَكين إلى قرية أن دمّراها بمن فيها فوجدا فيها رجلاً قائماً يصلي في مسجد فقالا : يا رب إن فيها عبدك فلاناً يصلي فقال الله عز و جل : دمّراها ودمّراه معهم فإنه لم يتمعر وجهه فيّ قط .

    30- قولوا كما قال آدم وحواء " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لتكونن من الخاسرين " .

    وقولوا كما قال نوح " وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين " .

    وقولوا كما قال يونس " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " .

    32- في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ، وإن رسول الله ضرب لهن مثل كمثل القوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيئ بالعود حتى جمعوا سواداً وأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها .

    33- قال بلال بن سعد : لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت .

    وقال الفضيل بن عياض : بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله .

    34- كتبت عائشة الى معاوية : أما بعد فإن العبد إذا عمل بمعصية الله عاد حامده من الناس ذامّاً .

    34- عن أبي الدرداء قال : ليحذر امرأً أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ، ثم قال : أتدري مم هذا ؟ إن العبد يخلو بمعاصي الله فيُلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر .

    34- من عقوبات المعاصي :

    حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تطفيء ذلك النور .

    ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه ، فقال : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية .

    35- ومنها : حرمان الرزق ، وفي الحديث " إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه " ، وكما أن تقوى الله مجلبة للرزق ، فترك التقوى مجلبة للفقر ، فما استُجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي .

    35- ومنها : وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لايوازنها ولايقارنها لذة أصلاً ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة ، وهذا أمر لايحس به إلا من في قلبه حياة .

    فلو لم تُترك الذنوب إلا حذراً من وقوع تلك الوحشة لكان العاقل حرياً بتركها ، وقد شكى رجل إلى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه ، فقال له : إذا كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس .

    وليس على القلب أشد من وحشة الذنب على الذنب .

    35- ومنها : الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم فإنه يجد وحشة بينه وبينهم ، وكلما قويت تلك الوحشة ابتعد عنهم ومن مجالستهم ، وحُرم بركة الانتفاع بهم وقرُب من حزب الشيطان بقدر ما يبعد من حزب الرحمن .

    وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه ، وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشاً من نفسه .

    قال بعض السلف : إني لأعصي الله فأرى ذلك في خُلق دابتي وإمرأتي .

    35- ومن عقوبات الذنوب : تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا وجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه ، وهذا كما إن من اتقى الله جعل له من أمره يسراً، فمن عطّل التقوى جعل الله له من أمره عسراً .

    36- ومنها : ظلمته يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا أدلهم ، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره ، فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة ، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر ، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ، ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سواداً في الوجه حتى يراه كل أحد.

    قال عبد الله بن عباس : إن للحسنة ضياءً في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق .

    36-  ومنها : حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا إنه يصد عن الطاعة ، ويقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة، وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها ، وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضاً طويلاً فمنعه من عدة أكلات أطيب منها ، والله المستعان .

    36- ومنها : أن المعاصي تزرع أمثالها وتولّد بعضها بعضا حتى يصعب على العبد مفارقتها والخروج منها ، كما قال بعض السلف : إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها .

     37- ومنها : أنها تُضعف القلب عن إرادة الخير ، فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً الى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة .

    37-  ومنها : أنه ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه ، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها فيقول يا فلان عملت كذا وكذا ، وهذا النوع من الناس لا يعافون وتسد عليهم طريق التوبة وتغلق عنهم أبوابها في الغالب ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من الجهار أن يستر الله على العبد ثم يصبح يفضح نفسه ويقول يا فلان عملت يوم كذا وكذا وكذا فيهتك نفسه وقد بات يستره ربه .

    38- ومنها : أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه ، قال الحسن البصري : هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم .

    وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد كما قال الله تعالى " ومن يُهن الله فماله من مكرم " .

    38- ومنها : أن العبد لايزال يرتكب الذنوب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه ، وذلك علامة الهلاك فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله ، وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار.

    39- ومنها : أن المعصية تورث الذل ولا بد ، فإن العزّ كل العزّ في طاعة الله تعالى ، قال تعالى " من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً " أي فليطلبها بطاعة الله فإنه لا يجدها الا في طاعته، وكان من دعاء بعض السلف : اللهم أعزّني بطاعتك ولا تذّلني بمعصيتك .

    39- ومنها : أن الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين ، كما قال بعض السلف في قوله تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قال : هو الذنب بعد الذنب .

    40- ومنها : حرمان دعوة الملائكة ، فإن الله قال تعالى " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم . ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات " فهذا دعاء الملائكة للمؤمنين التابعين المتبعين لكتابه وسنة رسوله الذين لا سبيل لهم غيرهما فلا يطمع غير هؤلاء بإجابة هذه الدعوة إذا لم يتصف بصفات المدعو له .

    43- ومن عقوباتها : أنها تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن، وأشرف الناس وأعلاهم قدر وهمة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغير الخلق على الأمة والله سبحانه أشد غيرة منه .

    44- فالغيور قد وافق ربه سبحانه في صفة من صفاته ، ومن وافق الله في صفه من صفاته قادته تلك الصفة إليه بزمامه وأدخلته على ربه وأدنته منه وقربته من رحمته وصيرته محبوباً له ، فإنه سبحانه رحيم يحب الرحماء كريم يحب الكرماء عليم يحب العلماء قوى يحب المؤمن القوي وهو أحب اليه من المؤمن الضعيف ، ولو لم يكن في الذنوب والمعاصي إلا أنها توجب لصاحبها ضد هذه الصفات وتمنعه من الاتصاف بها لكفى بها عقوبة .

    46- ومن عقوباتها : أنها تُضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله في قلب العبد ، ولو تمكّن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرء على معاصيه .

    46- ومنها : أن الله يرفع مهابة صاحب المعصية من قلوب الخلق ويهون عليهم ويستخفون به ، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس ، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الناس ، وعلى قدر تعظيمه لله يعظمه الناس  .

    47- ومن عقوباتها : أنها سبب لنسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه ، وهنالك الهلاك الذي لا يُرجى معه نجاة ، قال الله"  يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون . ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون " ، فأمر بتقواه ونهى أن يتشبه عباده المؤمنون بمن نسيه بترك تقواه ، وأخبر أنه عاقب من ترك التقوى بأن أنساه نفسه أي أنساه مصالحها وما ينجيها من عذابه ، وما يوجب له الحياة الأبدية وكمال لذتها وسرورها ونعيمها ، فأنساه الله ذلك كله جزاءً لما نسيه من عظمته وخوفه والقيام بأمره .

    48- ومن فاته رفقة المؤمنين وخرج عن دائرة الايمان فاته حسن دفاع الله عن المؤمنين فإن الله يدافع عن الذين آمنوا .

    وفاته كل خير رتبه الله في كتابه على الإيمان وهو نحو مائة خصلة كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها .

    فمنها : الأجر العظيم " وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً " .

    ومنها : الدفع عنهم شرور الدنيا والآخرة " إن الله يدافع عن الذين آمنوا " .

    ومنها : استغفار حملة العرش لهم " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا " .

    ومنها : موالاة الله لهم ولا يذل من والاه الله قال الله تعالى " الله ولي الذين آمنوا " .

    ومنها : أمره ملائكته بتثبيتهم " إذ يوحي ربك الى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا " .

    ومنها : أن لهم الدرجات عند ربهم والمغفرة والرزق الكريم .

    ومنها : العزة " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " .

    ومنها : معية الله لأهل الايمان " وإن الله لمع المؤمنين " .

    ومنها : الرفعة في الدنيا والآخرة " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " .

    ومنها : إعطاءهم كفلين من رحمته ، وإعطاءهم نورا يمشون به ومغفرة ذنوبهم .

    ومنها : الود الذي يجعله سبحانه لهم وهو أنه يحبهم .

    ومنها : أمانهم من الخوف يوم يشتد الخوف " فمن آمن وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".

    ومنها : أنهم المُنعم عليهم الذين أمرنا أن نسأله أن يهدينا إلى صراطهم في كل يوم وليلة سبع عشرة مرة .

    ومنها : أن القرآن إنما هو هدى لهم وشفاء " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " .

    والمقصود أن الإيمان سبب جالب لكل خير ، وكل خير في الدنيا والآخرة فسببه الإيمان فكيف يهون على العبد أن يرتكب شيئا يخرجه من دائرة الإيمان ويحول بينه وبينه ، فإن استمر على الذنوب وأصر عليها خيف عليه أن يرين على قلبه فيخرج عن الإسلام بالكلية ، ومن هنا أشتد خوف السلف كما قال بعضهم : أنتم تخافون الذنوب وأنا أخاف الكفر.

    48- ومن عقوبات الذنوب : أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة ، أو تعوقه وتوقفه عن السير فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة ، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه ، فالذنب يحجب الواصل ويقطع السائر وينكس الطالب ، والقلب إنما يسير إلى الله بقوة قلبه ، فإذا مرض القلب بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيّره فإن زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعا يصعب تداركه .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    سورة الأعلى

    0:00

    من فضائل الدعوة

    0:00

    المرأة والتعاون

    0:00

    الإسلام دين الرحمة

    0:00

    ازرع الثقة فيمن حولك

    0:00



    عدد الزوار

    4169105

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة