• الخميس 19 جُمادى الأولى 1446 هـ ,الموافق :21 نوفمبر 2024 م


  • تحقيق العبودية في السرّاء والضرّاء






  • قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فإن الله لم يَبْتلِ عبده ليُهْلِكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديّته، فإن لله تعالى على العبد عبوديةً في الضراء، كما له عليه عبودية في السراء، وله عليه عبودية فيما يكره، كما له عليه عبودية فيما يُحِبّ، وأكثر الخلق يُعْطُون العبودية فيما يُحِبُّون، والشأنُ في إعطاء العبودية في المكاره، فَبِه تَفاوتَتْ  مراتبُ العباد، وبِحَسَبه 
    كانت منازلهم عند الله تعالى.

    فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية، ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها عبودية، ونفقته عليها وعلى نفسه وعياله عبودية، هذا والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية، وتركُ المعصية التي اشتدَّتْ دواعي نفسه إليها من غير خوف من الناس عبودية، ونفقته في الضراء عبودية، ولكنْ فرقٌ عظيم بين العبوديتَيْن.

    فمن كان عبدًا لله في الحالَيْن، قائمًا بحقه في المكروه والمحبوب، فذلك الذي يتناوله قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: ٣٦] وفي القراءة الأخرى (عباده) ، وهما سواء؛ لأن المفرد مضاف، فيعمُّ عموم الجمع.
    فالكفاية التامة مع العبودية التامة، والناقصة مع الناقصة، فمن وَجَد خيرًا فليحمد الله، ومن وَجَد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه.

    وهؤلاء هم عباده الذين ليس لعدوّه عليهم سلطان، قال الله تعالى: ﴿إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢].

    ولما علم عدوُّ الله إبليس أن الله تعالى لا يُسْلِم عباده إليه، ولا يُسَلِّطُه عليهم قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: ٨٢، ٨٣].

    قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ﴾ [سبأ: ٢٠، ٢١]، فلم يجعل لعدوه سلطانًا على عباده المؤمنين؛ فإنهم في حِرْزه وكلاءته، وحفظه، وتحت كَنَفِه، وإنْ اغتال عدوُّه أحدَهم كما يغتال اللصُّ الرجلَ الغافل، فهذا لابد منه؛ لأن العبد قد بُلِي بالغفلة والشهوة والغضب.

    ودخولُه على العبد من هذه الأبواب الثلاثة، ولو احترز العبد ما احترز، فلابد له من غفلة، ولابد له من شهوة، ولابد له من غضب، وقد كان آدم أبو البشر ﷺ من أحلم الخلق، وأرجحهم عقلًا، وأثبتهم ، ومع هذا فلم يزل به عدوُّ الله حتى أوقعه فيما أوقعه فيه، فما الظن بِفَراشَةِ الحِلْمِ ، ومَنْ عَقْلُه في جنب عقل أبيه كتفلةٍ في بحر؟!     الوابل الصيب ص 8 


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    نعمة العين

    0:00

    100بدعة منتشرة بين الناس

    0:00

    إلى كـم ذا التراخي

    0:00

    تلاوة من سورة النور 36-40

    0:00

    باب السترة في الصلاة من كتاب عمدة الاحكام( 6 )

    0:00



    عدد الزوار

    4970399

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1596 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة