• الخميس 19 جُمادى الأولى 1446 هـ ,الموافق :21 نوفمبر 2024 م


  • يسعى نورهم بين أيديهم




  • ما أعجب المشهد حينما يتقدم أهل الإيمان على الصراط المنصوب على متن جهنم ويسيرون عليه (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

    إنها لحظات الثبات على الصراط، والفرح بالمنهج الحق الذي كانوا عليه (يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ).

    نعم، هناك في أرض المحشر تأتي فوائد الإيمان والصالحات، وكأن تلك الأعمال التي كانت لهم نوراً في قلوبهم في الدنيا إذا بذلك النور يتحول هناك إلى شعاع خارجي لينفعهم ويضيء لهم.

    وتدبر قوله " يسعى نورهم " لأنهم كانوا في الدنيا يسابقون للصالحات، فالنتيجة أن نورهم الذي هو إيمانهم يسعى أيضاً بين أيديهم.

    نعم، فالصراط ظلام إلا على أهل الإيمان الذين أخذوا نور الإيمان في حياتهم الدنيا فوجدوه هناك في أرض المحشر، وما أجمل المشهد حينما ترى الأنوار مع تلك الفئة المؤمنة الصادقة.

    وبعد ذلك، ينتقل المشهد إلى أهل النفاق والإعراض عن الله تعالى (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ).

    يا الله، عجباً لكم يا أهل النفاق، الآن تريدون من أهل الإيمان أن ينتظروكم على الصراط لعلكم تسيروا على ما يصيبكم من أثر نورهم حتى لا تسقطوا من على الصراط.

    يا أهل النفاق ألم تحاربونهم في الدنيا لأنهم كانوا على الصراط المستقيم؟

    وها أنتم اليوم يا أهل النفاق عرفتم معنى " الإيمان والنور " فها أنتم تطلبون منهم بعض النور ولكن هيهات أنتم لا تستحقونه.

    ويستمر المشهد في التبكيت والإهانة (قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا).

    نعم، عودوا إلى دنياكم وابحثوا عن النور، عودوا إلى مناهجكم الباطلة واطلبوا منها النور.

    ثم ينتهي المشهد (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ).

    ولعل هذا السور يمنع الرؤية ولا يمنع وصول الصوت بينهما.

    ثم تأمل ما يجري هناك من نداءِ يصيح به أهل النفاق (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ).

    وكأن المعنى: يا أهل الإيمان ألم نسكن معكم في بلاد واحدة ألم نكن في عمل واحد ألم نشارككم الحياة؟

    فيجيب أهل الإيمان " بلى " أي: نعم كنتم معنا في ظاهر الأمر، كنتم معنا في المشاركة في الحياة الدنيا، ثم يأتي القول الفصل (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ).

    لقد كنتم يا أهل النفاق معنا ولكنكم فتنتم أنفسكم باتباع الهوى والإعراض عن الحق والغفلة عن العمل بالكتاب والسنة.

    لقد كنتم معنا ولكنكم تربصتم بنا ومارستم معنا ألوان الاعتداء والسخرية.

    لقد كنتم معنا ولكنكم كنتم في ريب وشك وتردد عن الاستقامة على دين الله تعالى.

    لقد كنتم معنا، ولكن غرتكم الدنيا بزخرفها ومناصبها وشهواتها حتى جاء الموت، وفاتكم وقت الرجوع وذهبت عنكم لحظات التوبة (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

    ففي هذا اليوم لن يؤخذ منكم مال لتفتدوا به من العذاب، وليس لكم نجاة من عذاب الله، بل جزاؤكم النار مع أهل الكفر الذين كنتم معهم في ولاء لهم ومحبة وتناصر.

    وبعد هذه الجولة في هذا المشهد الإيماني الغيبي:

    - أما آن لنا أن نجاهد أنفسنا معاشر المؤمنين على الاقتباس من نور الإيمان وصالح الأعمال في هذه الحياة ليكون لنا نور عند المرور على الصراط؟

    - أما آن لأهل النفاق ومن نحا نحوهم ورضي بمنهجهم أن يعودوا إلى ربهم ويلتمسوا النور المبين في اتباع المنهج الذي يرضي الله حتى لا يندموا هناك في أرض المحشر؟


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    التحذير من الغلو والتطرف

    0:00

    تلاوة من سورة الأنبياء 89-90

    0:00

    تلاوة من سورة البقرة

    0:00

    زكاة الفطر

    0:00

    شرح القواعد الأربع

    0:00



    عدد الزوار

    4970399

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1596 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة