• الثلاثاء 21 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :30 ابريل 2024 م


  • ليس هذا مكاني

  •  


    إن بعض مَن نرى ونشاهد يعيش في مكانٍ ليس له، والمفترض أن هذا أو هذه في مكان غير هذا حتى تُخرج الطاقات وتبرز الإبداعات.

    إن بعض الظروف التي تحيط بنا لن نستطيع تجاوزها بسبب الحال الذي نعيشه، ولكن - بلا ريب - بعض الظروف التي تحيط بنا يجب أن نتجاوزها ونكسرها بقوة الإرادة والطموح.

    إن لدينا رغبة في التميز، ولكن يجب تغيير المكان أو الأشخاص.

    أقسم بالله أن الواقع الذي نراه، وما فيه من نجاحات ليس إلا نزراً يسيراً من نتاج الطاقات الموجودة وإلا لو تحرك النائمون لعشنا في نشوة الإبداع وسماء التميز.

    إن تغيير مكانك من أسرار نجاحك وانتفاع العالَم بك؛ لأن حياتك هي فرصة إبداعك وإضافتك الجديد لمن حولك.

    إن إشارتي هذه قد تكون غامضة على البعض، ولكن المثال يزيل الغموض أو يخففه؛ فتأمل تدرك:

    - ذلك الشاب الذي يعيش في محيط شباب المدرسة، والحي الذي يسكن فيه قد أهمل طاقته وماتت مواهبه؛ ولذا كم نرى من شاب غير مكانه -أي غير- صحبته، فإذا بك تراه حافظًا لكتاب الله، أو مبدعًا في التقنية.

    - كم من فتاة كانت همومها بين تسريحة وسوق ومقهى؛ ولكنها لما غيرت مكانها، والتحقت بـ " دور التحفيظ " أو دورات التميز، وإذ بها تُخرج لنا أفكارًا تنير دروب نساء الجيل.

    - كم مِن طالبِ علمٍ يملك حباً كبيراً للعلم، ولكن بيئته لا تساهم في الارتقاء، فلما اقتنع بفكرتي وغيّر مكانه، والتحق بالعلماء إذا به يُحَصِّل علماً غزيراً وأدباً عزيزاً وذكاءً جديداً.

    - وفي ذلك المسجد إمام نائم متكاسل متأخرٌ عن البرامج الدعوية في مسجده؛ بسبب أوهام أملاها زملاء العُمر وأصدقاء الماضي، فلما جلس مع داعية ذا همةٍ عالية تغير تماماً، وانتفض من سُباته، وقام لله، وخرجت الطاقات، وظهرت المواهب، وانتفع الناس به، وهكذا يكون التغيير.

    - وهذا داعية مغمور في بلده، مهجور في حيِّه؛ فلما سافر إلى بعض البلاد ليمارس الدعوة اكتشف أنه مُتميز فيها، صبوراً على الأعباء، حكيمٌ في القرارات، وبين جنبيه نفساً تواقةً للمعالي.

    - وهذه قصة طالب لم تكن لديه هموم الدعوة؛ فلما تخرّج من الجامعة وتم تعيينه في إحدى المدن البعيدة اضطر صاحبنا أن يكون هو الإمام والشيخ والخطيب ومدير الحلقات القرآنية، وظهرت دلائل الصدق والهمة؛ لأنه قد تغيَّر مكانه، ولو أنه تعيَّن قرب بيته لما اكتشف ذاته، ولم ينتفع به سوى أهله، وهكذا يكون التغيير.

    - وكم مِن امرأةٍ عندها صناعة الحياة، ولكنها تعيش في أسرة تجيد صناعة التخذيل وتمتلك موهبة الإسقاط؛ فلما تزوجت تلك المرأة من رجلٍ صالح، وخرجت من بيئة الإحباط؛ تنفّست الهواء، وزاحت الجبال، وانطلقت الإرادة نحو الحياة، وتحقق النجاح، وسارت الهمة نحو القمة، وهكذا غيِّر مكانك.

    - كم مِن موظفٍ ذا راتبٍ قليل؛ لأن شهادته ضعيفة، فلما غيّر مكانه، وأكمل دراسته، وسارت سني عمره؛ وإذ بك تراه ممن يحمل وظيفة عالية أو لعله ممن فاز بلقب (د)، وقد رأيتُ بنفسي غير واحد من هؤلاء، فعجباً للتغيير؛ كيف يصنع بنا وبغيرنا؟

    وختاماً، هذه دعوة مني لكل راغب في التجديد، وصناعة الجديد، وإضافة المفيد، لابد أن تغير مكانك.

    والمقصود، أن تبحث عن بابٍ آخر فيه متنفسٌ لك لتُخرِج طاقتك، وتضعَ بصمتك، وليسَ المعنى أن تهرب من مُجتمعك أو تهجرُ أسرتك أو تُهمل وظيفتك لا؛ ولكنّ المراد هو تغيير المكان أو الصاحب أو الحال، الذي يؤثر على أكسجين الحياة، وحينما تُجرب سترى أنك " مشروع ولكنه متوقف " وستوقن أنك بناء لم يكتمل.

    إذن، آن الأوان لاكتمال مشروعك، وحان الوقت لتصنع الحياة عبر قاعدة " غيِّر مكانك ".


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    18دليل على فضل الدعوة والدعاة

    0:00

    ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ( 1 )

    0:00

    تلاوة من سورة النساء 66-70

    0:00

    دعاء لسوريا

    0:00

    التحذير من الغلو والتطرف

    0:00



    عدد الزوار

    4169937

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة