قال ابن القيم رحمه الله تعالى في المدارج ( 2 / 616 ) : وقد قُسِّم الحياء على عشرة أوجهٍ: حياء جنايةٍ، وحياء تقصيرٍ، وحياء جلالٍ، وحياء كرمٍ، وحياء حشمةٍ، وحياء استصغارٍ للنفس واحتقارٍ لها، وحياء محبَّةٍ، وحياء عبوديَّةٍ، وحياء شرفٍ وعزَّةٍ، وحياء المستحيي من نفسه.
1- فأمَّا حياء الجناية: فمنه حياء آدم لمَّا فرَّ هاربًا في الجنَّة، قال الله: أفرارًا منِّي يا آدم؟ قال: لا يا ربِّ، بل حياءً منك.
2- وحياء التقصير: كحياء الملائكة الذين يسبِّحون الليل والنهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حقَّ عبادتك.
3- وحياء الإجلال: هو حياء المعرفة، وعلى حسب معرفة العبد بربِّه يكون حياؤه منه.
4- وحياء الكرم: كحياء النبيِّ ﷺ من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب، وطوَّلوا عنده، فقام واستحيا أن يقول لهم: انصرفوا.
5- وحياء الحشمة: كحياء عليِّ بن أبي طالبٍ أن يسأل رسول الله ﷺ عن المذي لمكان ابنته منه.
6- وحياء الاستحقار واستصغار النفس: كحياء العبد من ربِّه حين يسأله حوائجه، احتقارًا لشأن نفسه واستصغارًا لها، وفي أثرٍ إسرائيليٍّ: إنَّ موسى قال: يا ربِّ، إنّه لتعرض لي الحاجة من الدُّنيا، فأستحيي أن أسألك يا ربِّ، فقال الله تعالى: سلني حتَّى ملح عجينك وعلف شاتك.
وقد يكون لهذا النوع من الحياء سببان.
أحدهما: استحقار السائل نفسه . والثاني: استعظامه مسؤولَه.
7- وأمَّا حياء المحبة: فهو حياء المحبِّ من محبوبه، حتَّى إنَّه إذا خطر على قلبه في حال غيبته هاج الحياء من قلبه، وأحسَّ به في وجهه، ولا يدري ما سببه.
وكذلك يعرض للمحبِّ عند ملاقاته محبوبه ومناجاته له روعةٌ شديدةٌ، ومنه قولهم: جمالٌ رائع، وسبب هذا الحياء والرَّوعة ممَّا لا يعرفه أكثر الناس.
8- وأمَّا حياء العبودية: فهو حياءٌ ممتزجٌ بين محبَّةٍ وخوفٍ، ومشاهدة عدم صلاح عبوديَّته لمعبوده، وأنَّ قدره أعلى وأجلُّ منها. فعبوديَّته له توجب استحياءه منه لا محالة.
9- وأمّا حياء الشرف والعزَّة: فحياء النفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذلٍ أو عطاءٍ وإحسانٍ فإنَّه يستحيي مع بذله حياءَ شرفِ نفسٍ وعزَّةٍ.
وهذا له سببان:
أحدهما هذا. والثاني: استحياؤه من الآخذ، حتَّى إنَّ بعض أهل الكرم لا تطاوعه نفسه بمواجهته لمن يعطيه حياءً منه، وهذا يدخل في حياء التكرُّم، لأنَّه يستحيي من خجلة الآخذ.
10- وأمَّا حياء المرء من نفسه: فهو حياء النُّفوس الشريفة العزيزة مِن رضاها لنفسها بالنقص وقَنَعِها بالدُّون، فيجد نفسه مستحييًا من نفسه، حتّى كأنَّ له نفسان ، يستحيي بإحداهما من الأخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء، فإنَّ العبد إذا استحيا من نفسه، فهو بأن يستحيي من غيره أجدر.
مواد آخرى من نفس القسم
مكتبة الصوتيات
باب السترة في الصلاة من كتاب عمدة الاحكام( 6 )
0:00
أحكام الاغتسال
0:00
ليس بينها وبينه حجاب
0:00
قصص مع القرآن
0:00
موعظة القلوب
0:00

عدد الزوار
6433335
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 38 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1680 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |