قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة 1 / 178 :
في قولُه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء "، هذا من أعظم المناقب لأهل العلم؛ فإنَّ الأنبياءَ خيرُ خلق الله، فورثتُهم خيرُ الخلق بعدهم، ولما كان كلُّ ينتقلُ ميراثُه إلى ورثته؛ إذ هم الذين يقومون مقامَه من بعده، ولم يكن بعد الرسل من يقومُ مقامَهم في تبليغ ما أُرسِلوا به إلا العلماء، كانوا أحقَّ الناس بميراثهم.
وفي هذا تنبيهٌ على أنهم أقربُ الناس إليهم؛ فإنَّ الميراثَ إنما يكونُ لأقرب الناس إلى الموروث، وهذا كما أنه ثابتٌ في ميراث الدِّينار والدِّرهم، فكذلك هو في ميراث النبوَّة، والله يختصُّ برحمته من يشاء.
وفيه ــ أيضًا ــ إرشادٌ وأمرٌ للأمَّة بطاعتهم واحترامهم وتعزيرهم وتوقيرهم وإجلالهم؛ فإنهم ورثةُ مَنْ هذه بعضُ حقوقهم على الأمَّة، وخلفاؤهم فيهم.
وفيه تنبيهٌ على أنَّ محبَّتهم من الدِّين، وبغضَهم منافٍ للدِّين، كما هو ثابتٌ لموروثهم، وكذلك معاداتُهم ومحاربتُهم معاداةٌ ومحاربةٌ لله كما هو في موروثهم.
قال عليٌّ: محبةُ العلماء دينٌ يُدانُ اللهُ به.
وقال ﷺ فيما يرويه عن ربِّه: " من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة "، وورثةُ الأنبياء ساداتُ أولياء الله.
وفيه تنبيهٌ للعلماء على سلوك هدي الأنبياء وطريقتهم في التبليغ؛ من الصَّبر، والاحتمال، ومقابلة إساءة الناس إليهم بالإحسان، والرِّفق بهم، واستجلابهم إلى الله بأحسن الطُّرق، وبذل ما يمكنُ من النصيحة لهم؛ فإنه بذلك يحصلُ لهم نصيبُهم من هذا الميراث العظيم قدرُه، الجليل خَطَرُه.
وفيه ــ أيضًا ــ تنبيهٌ لأهل العلم على تربية الأمَّة كما يربِّي الوالدُ وَلَدَه؛ فيربُّونهم بالتدريج والترقِّي من صغار العلم إلى كباره، وتحميلهم منه ما يطيقون، كما يفعلُ الأبُ بولده الطفل في إيصال الغذاءَ إليه؛ فإنَّ أرواحَ البشر بالنسبة إلى الأنبياء والرسل كالأطفال بالنسبة إلى آبائهم، بل دون هذه النسبة بكثير، ولهذا كلُّ روحٍ لم يربِّها الرسولُ لم تُفْلِح ولم تَصْلُح لصالحة.
مواد آخرى من نفس القسم
مكتبة الصوتيات
تلاوة من سورة القصص
0:00
في أول يوم من رمضان
0:00
معالم في الفتن
0:00
من وصايا لقمان
0:00
أيها الداعية تذكر
0:00

عدد الزوار
5433425
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 33 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1638 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |