الحمد لله الذي أنعم علينا بنعم كثيرة، الحمد لله القائل " وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها "، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد.
إنه مخلوق صغير، يشكل خطراً كبيراً على دين الناس ودنياهم، يؤثر كثيراً في مجتمعات الناس، هذا المخلوق ربما أوقع الفساد في المجتمعات، وربما جلب المزيد من الفوضى في حياة الناس.
هذا المخلوق حينما نعرف كيفية استغلاله فسوف نحقق الحب في المجتمع، وسوف نصنع الأمل في النفوس، ونفتح السعادة على قلوب الكثيرين.
حينما نعمره بالحسنات، سوف نجلب رضا الرحمن، ونفوز بدرجات عاليةٍ في الجنان.
إن هذا المخلوق هو " اللسان ".
هي نعمة لديك، بها تتحدث وتتكلم وتبيّن مافي نفسك، وربنا يقول " علّمه البيان " ويقول جل وعز " ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين ".
ومع عظيم نعمة الكلام والبيان إلا أن هناك مَن أهمل لسانه فسار به نحو الهاوية والآثام.
ولقد تكاثرت النصوص في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على وجوب العناية باللسان وضبطه عن المحرمات، ومِن تلك النصوص:
قال تعالى " ما يلفظ مِن قول إلا لديه رقيب عتيد ".
ومِن الأحاديث النبوية، قال النبي صلى الله عليه وسلم " وهل يكبُّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " رواه الترمذي بسند صحيح .
معاشر الكرام.
تعالوا معي لنقف على جملةٍ مِن آفات اللسان التي يقع فيها بعض الناس، نعرفها لنحذَر مِنها، ونُربي أولادنا وبناتنا على تجنبها لنكون في سلامةٍ من سوء عاقبتها.
فمِن آفات اللسان " الجرأة في الفتوى والكلام في التحليل والتحريم بلا علم ".
ألا تشاهد في بعض المجالس مَن يتحدث في مسألةٍ شرعية، فيبدأ عامةُ الناس في الكلام عليها بلا علم، وهذا مِن كبائر الذنوب، لأن التحليل والتحريم قضيةٌ كبرى لايجوز الإقدامُ عليها إلا لمن كان لديه علم.
قال تعالى " ولاتقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون ".
وحينما تتأمل في واقع السلف في تأخرهم عن الفتيا وبعدهم عنها تجد عجباً.
قال أحد التابعين: أدركت ١٢٠ مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما منهم مِن أحد يُسأل إلا ودَّ أن أخاه كفاه.
فيا عبدالله، لاتتكلم في الشريعة بلا علم، وتعلّم الصمت.
ومِن آفات اللسان " السخرية بالآخرين ".
للأسف أننا نسمع مِن بعض الناس هذه الآفة، فهذا يسخر بقبيلة الآخر، وهذا يسخر بجنسيته، وثالث يسخر بوظيفته، وربنا يؤدبنا ويقول " لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ".
ياعبدالله، إن مَوازين الرب ليست كموازيننا، إنَّ العبرة عند الله بالتقوى لا بالمظاهر ولا بالمناصب، فكم مِن شخص ربما ضحكتَ عليه أو سخرتَ به، وهو عند الله خير منك ومن ملايين البشر ممن هم مثلك.
أيها المحب، لاتسخر بغيرك فتخسر حسناتك، وتُسخط ربك، وتقع في أودية الآثام، وقبل أن تشتغل بعيب الآخرين والسخرية بهم، هلاّ نظرت إلى عيوبك فأصلحتها؟
ومن آفات اللسان " الاستهزاء بالدين أو الرسول ".
وهذا قد تلحظه في تغريدةٍ أو رسالة جوال أو قد يظهر مِن حروفٍ في مقال، وهؤلاء الذين يقعون في الاستهزاء بالدين قد وقعوا في إثمٍ كبير، إنه الكفر بالله تعالى، قال تعالى " قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ".
هذا يستهزئ بالصلاة، أو بالحجاب، أو بالقرآن، وهذا كاتب يستهزئ بحديث رسول الله.
مهلاً أيها المستهزئ رفقاً بنفسك.
ومِن زاوية أخرى نقول لمن يجلس في مواطن الاستهزاء، يجب عليك أن تنكر هذا المنكر الذي تشاهده أو تسمعه فإن لم تقدر فاخرج مِن ذلك المجلس.
قال تعالى " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ".
ومن آفات اللسان " الكذب ".
وهذه الآفة تجدها عند ذلك البائع الذي يحلفُ على بضاعته أنها بذاك السعر، وآخر يكذبُ في مواعيده واعتذاراته، ومنهم مَن يكذبُ في منامه ويزعمُ أنه رأى كذا وكذا وهو كاذب.
وهذا الوالد يكذبُ على ولده ويعدهُ بهديةٍ أو بشيء فيكذبُ في ذلك.
ياعبدالله، احذر من ويلات الكذب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الكذب يهدي للفجور وإن الفجور يهدي إلى النار . رواه البخاري.
ومنهم مَن يكذب في وظيفته فيتأخر عن الدوام، ويكذب في موعد وصوله وتوقيعه، ومنهم مَن يكذب ويحضر تقارير مِن المستشفى في غيابه.
ومِن آفات اللسان " الفُحش والسب واللعان ".
قال عبدالله بن عمرو رضي الله عنه: ماكان رسول الله فاحشاً ولامتفحشاً . رواه البخاري.
عجباً لبعض الناس، لاتسمع منهم إلا الكلمات السيئة التي تجلب العداوات.
ياعبدالله، إن جمالَ خلقك يجبُ أن يظهر من حروفك التي تنطق بها.
إن الكلمةَ الطيبة صدقة، وتجلبُ المحبة، وتغسلُ القلوب وتشرحُ الصدور.
معاشر الكرام ، اعلموا أن مِن آفات اللسان " الغيبة " وهي ذكرك أخاك بما يكره، تلك الآفة التي لايسلم مِن شرها إلا القليل.
تلك المعصية التي شبَّهها الله بالتشبيه الذي تشمئز منه النفوس " أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ".
مهلاً أيها المغتاب، احفظ لسانك الذي سوف يرمي بك إلى جهنم وبئس المصير.
قال صلى الله عليه وسلم: أكثر مايدخل الناس النار الأجوفان الفم والفرج. رواه أحمد بسند صحيح.
اللهم ارزقنا التقوى في الأقوال والأعمال .
-----------------
الحمد لله.
ومِن آفات اللسان " النميمة " وهي نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد.
والويل لمن كان هذا شأنه، قال صلى الله عليه وسلم " لايدخل الجنة نمام ". متفق عليه.
والنمام يفسد في ساعة أكثر مما يفسده الساحر في سنة.
النميمة تدمرُ المجتمعات، وتوقعُ العداوة بين الناس، وتفسدُ الأخوة، فيا عبدالله احذر منها ومِن أهلها.
أيها الكرام، إن ضبط اللسان مِن الوقوع في الآفات أمر يحتاج لمجاهدة.
ومَن جاهد نفسه في الله وجد من الله العون، قال ربنا تبارك وتعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ".
فأمسك لسانك عن الآثام، واحفظ حروفك لكي لاتلقي بك في النيران.
ياعبدالله.
لقد جاء أحدهم وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: ما أخوف ما تخاف علي يا رسول الله ؟ فقال: هذا، وأشار إلى لسانه. حديث صحيح رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم " أكثر خطايا ابن آدم في لسانه " حديث حسن.
وهذا أبو بكر يأخذ بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد.
وهذا ابن مسعود يقول: والله ماشيء أحق بطول سجن من اللسان.
عباد الله، الله الله في حفظ اللسان عن الآثام، ومراقبة الله الذي يسمع الكلام.
اللهم وفقنا للخيرات، اللهم اجعل جوارحنا مسارعةً في الصالحات.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد .
مكتبة الصوتيات
لقاءٌ مع ساحر
0:00
مسائل في رمضان
0:00
تزويج الأبناء
0:00
تلاوة من سورة آل عمران 137-168
0:00
التشبه بالكفار
0:00
عدد الزوار
4970399
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1596 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |