الحمد لله الذي بيده مفاتيح التوفيق ، والصلاة والسلام على نبي الرحمة والحكمة ، ماترك خيراً إلا وحثنا عليه ولاشراً إلا وحذرنا منه .
أما بعد .
معاشر المسلمين .
كلنا نريد تحقيقَ النجاحِ في الحياة ، ونتمنى التوفيق في كافةِ أمورنا ، ونرغبُ أن نسيرَ مع ركب المتميزين ، وثمةَ أمرٌ يجمعُ لك أصولَ النجاحِ والتوفيق .
إنها الاستشارة ، نعم الاستشارة .
تلك الجملة التي نتمنى أن نعيشَ في ظلالها ونقطفُ ثمارها .
الاستشارةُ هي الوسيلةُ المختصرة لسعادتك في كافة أمورك .
الاستشارةُ هي النور الذي يضيءُ طريقَ حياتك .
الاستشارة ، إحدى الأوامر التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم " وشاورهم في الأمر ".
الاستشارةٌ وصف تميز به أهل الإيمان " وأمرُهم شورى بينهم ".
تعالوا معي لنعيشَ في بساتينِ الاستشارة .
الاستشارة هي أن تعرض مشكلتك أو موضوعك على أحدِ الحكماء ليعطيك رأيه وخبرته في ذلك الموضوع .
وقديماً قيل : الاستشارةُ هي استئجارٌ مجاني لعقول الحكماء .
ولو رحلنا في تاريخ الاستشارةِ قليلاً ، فسنجد في تاريخ الأنبياء نماذج :
فهذا موسى عليه السلام يطلبُ من ربه شخصاً يسانده في الدعوة فيقول " واجعل لي وزيراً من أهلي هارون ، اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ".
وفي سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم تجد عدة مواقف تدل على أنه كان يستشير ، فجاء عنه استشارته في المعارك .
وثبت عنه استشارته لزوجتهِ أم سلمة رضي الله تعالى عنها لما رفض بعض الصحابة أن يحلقوا شعورهم في قصة الحديبية .
وكان صلى الله عليه وسلم يقضي الليل مع أبي بكر وعمر في شأن المسلمين .
وكان الصحابة يتشاورون فيما بينهم في قصصٍ يطولُ المقامُ فيها .
وفي واقعنا ، ولعظيم مكانة الاستشارة في المجتمع فإنّ كل الجهات الحكومية والشركات تعتني بقسمِ الاستشارات فيها .
عباد الله .
وحتى نستفيدُ من موضوعِ الاستشارةِ فلابد أن نتناول بعض التفصيلات المهمة فيها ، فتأملوا بعض الصفات التي ينبغي أن تكون في الشخص المستشير ، ومن أهمها :
١- أن يكونَ صادقاً في طلب الاستشارة وليس مجرباً للرأي الذي سيسمعه من المستشار .
٢- أن يتواضع للمستشار فربما كان المستشارُ أصغرُ منك سناً أو من جنسية أخرى ، فلا تتكبر ، واقبل الرأي والحكمة ممن جاء بها .
٣- وضِّح المعلومات كلها للمستشار ، ولاتكتم معلومةً في استشارتك حتى يكون الجواب الذي تسمعهُ محيطاً بكل جوانبك .
٤- اختر الشخص الحكيم الذي يجمع بين صفة العلم والخبرة والحكمة .
٥- ليس شرطاً أن يكون المستشار والدك أو صديقك ، فربما كانوا لايدركون الجواب المناسب لك .
٦- ابتعد عن الشخص المستعجل أو ضعيف العلم لأنه يضرك في الاستشارة .
٧- اختر الشخص المتخصص في موضوعك ، فمثلاً إن كانت استشارتك في موضوعٍ مالي فاختر المستشار الذي له عناية بالمال ، وإن كان موضوعك عن الأسرة فاختر المستشار الخبير بالقضايا الأسرية .
نقول هذا ، لأن بعضَ الناس يستشيرُ في موضوعهِ أي شخصٍ يقابله ممن يعرف من الأقاربِ أو الزملاء ، وربما لم يكونوا من أهل التخصص في الاستشارة .
٧- حينما تتضحُ الرؤيةُ لك ، فنفذ كلام المستشار ، وخاصةً إذا توافق مع غيره من الحكماء .
أيها الفضلاء ، إننا بحاجةٍ للاستشارة في عدةِ قضايا في حياتنا .
ففي الجانب الأسري قد يحدثُ بينك وبين زوجتك خلاف ، وقد لاتدرك الحل المناسب لها ، فليس عيباً أن تستشير .
وكم من زوج غفل عن الاستشارة واتخذ الرأي بشكلٍ سريع فوقع في مشكلاتٍ أكبر من مشكلته الأولى ثم ندم كثيراً .
وفي الجانب المالي نحتاجُ للاستشارة ، وكلنا يعلم أن بعضَ التجار كان نجاحهم بعد توفيق الله بسببِ استشارةٍ من خبيرٍ في عالم التجارة .
وأما ذلك الذي استعجل في مشروعه التجاري أو العقاري فقد وقع في ورطات الديون ولم يحقق إلا الفشل والندم وربما نزل السجنُ بسبب مطالبات الناس .
وتعال للجانب الوظيفي ، كم من قضية تدور في العمل بحاجةٍ إلى استشارة ، وكم يحزنك أن ترى مديرك يتخذ القرارات بشكل فوضوي مما يضر بالعمل والعاملين معه .
وفي الجانبِ الدعوي نحتاجُ للاستشارة في اختيارِ الموقف الدعوي المناسب للقضايا التي تعترض طريق الدعوة .
ونحتاج للاستشارة في كيفية التعامل مع المدعوين على اختلاف طبقاتهم .
وهكذا سنحقق النجاح الدعوي إذا كنا من أهل الاستشارة .
أيها الناس ، إن هناك صفات لابد من توفرها في الشخص الذي تستشيره ومنها :
١- أن يكون أمنياً ، فلايجوز لك أيها المستشار أن تنشر قصة المستشير ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : المستشار مؤتمن . رواه أبو داود بسند صحيح .
٢- إذا عرفت الجواب فالحمد لله ، وأما إذا لم تعلم فلاتتحدث مع صاحب الاستشارة بلا علم ، وقل : لا أدري ، أو أرشده لمن تعرف أنه يعلم .
٣- لاتكن عاطفياً مع المستشير ، وقدِّم الرأي الذي تعتقدُ أنه الأفضلُ له ، واعلم أن رأيك ربما كان صلاحاً للمستشير في دينه أو دنياه فاتق الله في الجواب الذي تعطيه إياه .
نسألُ الله أن يلهمنا رشدنا ويسدد رأينا إنه على كل شيء قدير .
----------------------
الحمد لله .
معاشر المسلمين .
قد نصادفُ بعض الناس الذين يظنون أن الاستشارة دليل على ضعف العقل وغياب الحكمة ، ولهذا هم لايستشيرون .
إن هؤلاء أكثر الناس وقوعاً في الخطأ ، ولكنهم لايعلمون .
فلو كانت الاستشارة ضعفٌ في العقل لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بها ، ولو كانت الاستشارة دليلٌ على غياب الحكمة لما اعتنت بها الدول في كل شؤونها .
أيها الكرام .
لقد رأيتُ أن الاستشارةَ سببٌ كبير للنجاح في كل شيء حتى في الموضوعات الصغيرة ، لهذا جعلتها منهجي في كل حياتي .
ولقد جربتُ نفسي أنني حينما أغفل عن الاستشارة ، أقع في مشكلات لم أكن أتوقع حصولها .
فوصيتي لكم ، اجعلوا الاستشارة ركنٌ مهم في حياتكم ، واغرسوها في نفوس زوجاتكم وأولادكم .
وبهذا نأخذ تجارب الآخرين ونقتبس من نجاحاتهم .
اللهم وفقنا لصالح الأقوال والأعمال . اللهم يسرنا لفعل الخيرات .
اللهم افتح لنا أبواب رحمتك ، اللهم اشرح صدورنا ، واغفر ذنوبنا .
اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا .
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
مكتبة الصوتيات
لماذا تطلب المرأة العلم
0:00
أعظم مقامات العبادة
0:00
الأمل.. ومضات وإشراقات
0:00
حتى تكون سعيداً
0:00
تأملات في سورة الحجرات - 1
0:00
عدد الزوار
4100312
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 90 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1589 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة |