إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أما بعد، فيا أيها الفضلاء.
في زحمة الحياة نتفاجأ ببعض الأخلاق الغريبة التي لها أثر سلبي على المجتمعات.
وحديثنا اليوم عن خُلقٍ من أخلاق إبليس، خلقٌ يدمر القلوب، يفسد العلاقات بين الأقارب والأصدقاء، إنه الحسد.
الحسدُ هو أولُ ذنبٌ عُصي الله به في السماء، فلما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم سجدوا إلا إبليس رفض ذلك حسداً واستكباراً.
الحسد هو أولُ ذنبٍ عُصي الله به في الأرض في القصة التي حصلت بين ابني آدم لمَّا قرَّبا قُرباناً فتقبلُ الله مِن أحدهما ولم يتقبل مِن الآخر فقام وقتله.
شيءُ عجيب هل يؤدي الحسد إلى القتل، نعوذ بالله؟
ولعل مِن أغرب صور الحسد ما جرى مِن إخوة يوسف حينما عزموا على قتله ورموه في البئر حتى جرت له بعد ذلك ألواناً مِن المحن والبلايا حتى نصره الله في عاقبة الأمر.
الحسد أيها الكرام هو داء كبير وقديم.
قال صلى الله عليه وسلم: " دبّ إليكم داء الأمم قبلكم البغضاء والحسد هي الحالقة؛ حالقة الدين لا حالقة الشعر " رواه أحمد بسندٍ حسن.
الحسدُ هو تمني زوال النعمة عن الغير، ولهذا يعتبر الحاسد عدو للنعم؛ لأنه يكره النعمة التي اختارها الله لك.
قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا).
الحسد يسببُ الغيبة والطعنُ في الآخرين وكفى بذلك شراً، فالحاسدُ يريد تقليلُ قدرك فلا يقدرُ إلا بالغيبةِ في المجالس حتى يُسقطك مِن أعين الناس، ولكن هيهات فمن رفعه الله فلن يقدر أحد على إسقاطه.
معاشر المسلمين.
إن مِن الجميل أن نتعرف على الأسباب التي توقع في الحسد لكي نتجنبها، فمن أسباب الحسد:
حبُ الدنيا والتنافسُ فيها؛ والخلل ليس في حب الدنيا فكلنا نحبها، ولكن الخلل في أن نحسدَ الآخرين ونتمنى زوال النعم التي لديهم بسبب ما دخل في قلوبنا عليهم.
ومن أسباب الحسد:
ضعفُ الإيمان؛ لأن من ضعفُ دينه ساء قلبهُ وزاحمت قلبهُ الشهوات والشبهات.
إن قوة الإيمان لها دورٌ كبير في محبة الخير للآخرين والفرحِ بما يحصلون عليه وسلامةِ القلب لهم.
ومن أسباب الحسد:
عدم الرضا بالحال التي يعيشها الإنسان، فهو متطلعٌ دائماً إلى ما عندِ الآخرين، وليس عنده قناعة بما لديه.
يقول الله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ).
ومِن وصايا نبينا صلى الله عليه وسلم : " انظروا إلى مِن هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى مِن هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم " رواه البخاري ومسلم.
ومن أسباب الحسد:
العداوة والبغضاء؛ وكل ذلك يؤدي إلى أن يكرهك الآخر فيحقدُ عليك وتكونُ عنده رغبةً في الانتقام، ومِن ذلك الحسد على كلِ نعمةٍ لديك.
صور من الواقع:
إن مِن صورِ الحسدِ في مجتمعنا:
1- الحسد بين التجار في تجارتهم ومشاريعهم، وغيابُ مفهومِ التنافسِ الشريف .
2- وهناك الحسد بين الموظفين حينما يتميزُ أحدهم بمرتبة أو بشهادة أو بمكرمة من القائد أو المسئوول في تلك الجهة.
3- وهناك الحسدُ حتى في صفوف الصالحين مِن الدعاة وطلاب العلم وحُفّاظ القرآن، فهذا ربما حسد صاحبه لأنه أكثر تميزاً مِنه في الأسلوب أو الحفظ أو العلم، أو لأنه محبوبٌ ومشهورٌ أكثر منه، وهذا لا يُستغرب؛ لأن الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم.
4- ومن صور الحسد ما يكون بين النساء ولعل هذا من أكثرِ الصورِ وأقواها أثراً؛ فهذه تحسد صديقتها لأنها موظفة وهي لم يحالفها الحظ.
وهذه ربما تحسد أختها لأنها سافرت لتلك الدولة وهي لم تسافر، وهذه تحسدُ صاحبتها لأن زوجها قدّم لها هدية ثمينة.
وهكذا تتكرر صور الحسد في بعض المجتمعات، وكما قيل: ماخلا جسدٌ مِن حسد ولكن الكريمَ يخفيه ويجاهد نفسه على تطهير قلبه وأما اللئيمُ فيبديه وربما أضر بالآخرين.
أيها المسلمون.
إن مما يجب التنبيهُ عليه أن هناك ارتباطٌ بين الحسد وبين الإصابة بالعين، والعين حق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
والعينُ هي نظرةُ إعجاب تخرج مِن الشخص ولم يقترن معها ذكرُ الله وربما أصابت المعيون والمحسود ببعض الضرر حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين. رواه مسلم .
ولعل أكثرنا قد سمع بقصةٍ عن العين وبعضنا ربما لازال يعاني هو أو زوجته أو ولده من أثر الإصابة بالعين.
والعينُ لها علاقة بالحسد؛ لأن الحاسدَ حينما رأى تلك النعمة عليك انطلقت من نفسه شرارة سُمّية وربما أصابت المحسود بالضرر.
لهذا نقولُ لكل مؤمن: اتق الله، واذكرِ الله حينما ترى على أخيك نعمةً من الله مِن مالٍ أو جمالٍ أو جاهٍ أو تميز أو غيرها من النعم.
اللهم احفظنا من كيد الكائدين وحسد الحاسدين يا رب العالمين.
--------------------------
الحمد لله، أيها الكرام.
هذه همسات إلى ذلك المحسود، نذكرهُ ببعض القواعد التي تحميه من شرور الحسد:
1- الرجوعُ إلى الله وتجديدِ التوبة مِن الذنوب التي ربما سَلطت عليه أعداءه، قال تعالى (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا).
2- التوكلُ على الله، قال تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) واليقين بأن الله خير حافظاً، قال تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ).
3- الاستعاذة بالله وقراءة الأذكار والأوراد الشرعية، وخاصةً المعوذات.
4- الدعاء بأن يقيك الله مِن الحساد.
5- العدلُ مع الحاسد وعدمُ الإساءةِ إليه بالمثل.
6- الإحسان إلى الحاسد بالدعاء له، فإن هذا يريحه ويقلل مِن حسده عليك وربما رجع إليك بكل حبٍ ومودة.
قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
7- الرقية والاستشفاء بالقرآن له أثر بالغ في الحماية مِن الحسد قبل وقوعه ومِن رفعه بعد وقوعه.
ومِن الأدعية النبوية " باسم الله أرقيك مِن كل شرِ يؤذيك مِن شرِ كلِ نفسٍ أو عينُ حاسدٍ اللهُ يشفيك ". رواه مسلم.
8- عدمُ إخبار الحاسد بنعمة الله عليك؛ لأن الحاسد لا يفرح لك، بل يتجدد عنده الحسد والبغض لك كلما تجددت لك نعمة، ومِن ذلك الحذر مِن تصوير خصوصياتك ونشرها للآخرين عبر مواقع التواصل.
أيها الفضلاء.
لو قال قائل: أنا ابتليتُ بالحسد فكيف أزيلُ الحسدَ من قلبي؟
فالجوابُ، إن هناك عدةُ عوامل تساعد على تطهير قلبك من الحسد، ومنها:
١- أن تدعو ربك بأن يطهر قلبك من الحسد، وربنا يقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
٢- أوصيك بأن تحسن إلى الشخص الذي وقع منك الحسدُ عليه، وهذا يزيل كلَ خواطر الحسد من قلبك.
فمثلاً : تتحدث عنه في المجالس وتثني عليه، وتدعو له في صلاتك، وهذا الأمر ربما كان ثقيلاً عليك في البداية ولكن تأكد أنه سيعالجُ جذورَ الحسد من قلبك.
٣- لا تفكر كثيراً في النعم التي عند الآخرين، وفكّر فيما لديك، واحمد الله على ما أعطاك، واستمتع بالموجود؛ لأن العبرة ليست بما يملكه الناس من متاع الدنيا، إن العبرة الحقيقية بما نستمتع به نحن.
٤- تأكد أن الحسد يتعبك ويجلبُ لك الهموم، فلماذا تحرق قلبك ومشاعرك بنيران الحسد؟
٥- إن مِن أقوى وسائل تطهير القلب من الحسد هو الإقبالُ على القرآنِ وذكر الله تعالى، فالقلوب لا تطمئن ولا ترتاح ولا تأنس إلا بذكر الله، قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ).
اللهم طهر قلوبنا من الحسد، ومن الرياء ومن النفاق.
اللهم اجعل قلوبنا عامرة بحب الخير للآخرين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
مكتبة الصوتيات
إدارة الأزمات
0:00
مسائل في عقد الزواج
0:00
سورة الطارق
0:00
مشاهد من يوم القيامة
0:00
تأملات في سورة النجم - 1
0:00
عدد الزوار
4970399
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1596 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |