• السبت 11 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :20 ابريل 2024 م


  • أدب الحوار




  • الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي يحب معالي الأخلاق .

    والصلاة والسلام على نبي الإسلام الذي كان أحسنَ الناس خلقاً .

    أما بعد .

    في كلِ يومٍ وليلة ، وفي كل بيت ، وفي كل اتصال ، حتى في مواقع التواصل ، وفي محلك التجاري ، وفي وظيفتك مع زملائك، في كلِ تلك الأماكن أنت تمارسُ حواراً مع الآخرين .

    ولكن وبكل صراحة ما مدى التزامنا بأدبيات الحوار؟.

    تعالوا معي لنسلط الضوء على جملةٍ من أدبيات الحوار لعلها تساهم في إنجاحِ كثيرٍ من اللقاءات التي تجري بينتا .

    أيها الفضلاء .

    في مجتمعنا نحتاجُ إلى الحوارِ مع الآخر ، لإبداء الرأي وتصحيح وجهات النظر وإيصال الفكرة التي تدور في أذهاننا .

    والمجتمعاتُ التي تفتحُ بابَ الحوار بكل أريحية هي مجتمعاتُ واعية وتفكرُ في مصالِحها، وأما الذين يغلقون أبوابَ الحوارَ ففي الغالبِ أن الفشلَ يحيط بهم .

    وحول هذا نضعُ خطوطاً عريضة :

    في دائرةِ عملك أيها المدير قد يأتي من يبدي رأيه من الموظفين أو من المراجعين فهل أنت ممن يفتحُ قلبه قبل بابه للحوار ؟

    هل تشعر بأن الحوارَ معك هو انتقاصٌ لإدارتك وقراراتك ؟

    إن كنتَ من هؤلاء فهذا دليلٌ على خللٍ في تفكيرك .

    وفي مجالِ الأسرة تتعجب من ذلك الأب الذي لا يقبلُ حواراً مع زوجته، بل تجده يتأفف من كل لحظةِ حوارٍ ونقاشٍ معها، وكأن الحوار مع المرأة دليل الفشل .

    وقد تجدُ ذلك الأب يغلقُ الحوارَ أمام أولاده فلا يفتحُ قلبه ولا أذنه لسماع رأي ولده أو ابنته في بعضِ قضايا البيت .

    بل ربما أجبر ذلك الوالد ابنه أو ابنته على تخصصٍ دراسي أو زواج بدون أن يسمع رأيه ، وهذا بلا شك نقصٌ كبير في إدارة البيت ، ودليلٌ على نقص الثقافة في رعاية الأسرة .

    وفي قطاع التعليم تتعجب من ذلك المعلم الذي يرفضُ كلَ حوارٍ من الطلاب ، وهو بهذا يغلق أمامهم أبواباً من التعلم وجوانبَ من الإبداع .

    أيها الكرام ، افتحوا أبوابَ الحوار مع الآخرين ، حتى مع المخالفِ لكم في دينكم ومع الموافق .

    وهذا القرآن يربينا على فتحِ بابِ الحوار ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .

    وفي سير الأنبياءِ تجدُ حوارَ إبراهيم عليه السلام مع أبيه مع أنه كان كافراً ، وحوارهُ مع النمرود ومع قومه .

    وفي سيرة نوح تقرأ ( قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ) .

    والقصصُ لا تنتهي في الحوارِ والجدالِ وأنه وسيلة لفهم وجهات نظر الآخرين، ونقل الخير لهم والدفاع عن الحق وردّ الباطل .

    ولعل بعضكم يقول : وما هي أدبيات الحوار ، فالجواب :

    إن الحوار تختلفُ أدبياته على حسبِ الشخص الذي تتحاور معه وظروفَ الحوارَ وعنوانه، ولكن هناك قواعدُ أدبية لابد من توفرها في كل حوار :

    ١- اختيارُ الوقت المناسب للحوار ، فالحوارُ مع الزوجةِ لا يناسبُ مع وجودِ الأولاد بينكم، والحوارُ مع المدير قد لا يناسب في وجود بعضِ المراجعين .

    فاختيارُ الوقتُ المناسب يعين على إنجاح الحوار والوصول إلى نتيجة مناسبة .

    ٢- اختيارُ الكلماتِ المناسبةِ والتلطف مع الآخر .

    فتأمل في حوار موسى مع فرعون كيف كان ؟ قال الله تعالى: ( فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) .

    إنك لتتعجب من ذلك الابن حينما يتلفظ مع والديه بألفاظٍ سيئة في حوارهِ معه، ثم يشتكي لك ويقول والدي لا يحب الحوار .

    مهلاً يا بني أنت السبب في رفض والدك لموضوعك، التزم بالأدب لنقبل منك ما تريد .

    وبعضنا حينما يحاورُ زوجته يرفع صوته ويتهمها بأنها لا تفهم وأنها ناقصة عقل ثم نشتكي لماذا لا تحبنا زوجاتنا، ولماذا لا ننجح في الحوار معهم ؟.

    نحن السبب ، إنها كلماتنا وسوءُ الأدبِ الذي قد يصدرُ من بعضنا يجعل الآخر لا يقبلُ منك شيئاً.

    حتى في مجموعات الواتس يكون الحوار فتشاهد البعض يحاورك بكل جهل وسوء أدب، ثم يخرج من القروب ويقول أنتم لا تفتحون باب النقاش العلمي الهادف ؟.

    ٣- ومن أدبيات الحوار :

    تحديدُ موضوعُ الحوار وعدم الفوضى في طرح عدة مواضيع في جلسة واحدة .

    وهذا تراه عند بعض الناس ، تتناقش معه في موضوع محدد ثم يبدأ معك فيه ثم ينتقل لموضوع آخر حتى يخرج من الموضوع الرئيسي .

    وهكذا يضيع الوقت ونحن لم ننتهي من حوارنا ذاك .

    ٤- ومن أخلاق الحوار :

    إحسانُ الظن بالآخر في الحوار معه وعدمُ الشعورِ بعداوته قبلَ البدءِ معه، وخاصة إذا كان الآخر من المسلمين فكيف إذا كان صديقاً أو زوجةً أو جاراً ، نقول هذا لأن بعض الناس قبل أن يتحاور معك ترى في عينيه سوء الظن وقسوة النظرات وتشم منه رائحة العداوة لك .

    مهلاً يا أخي ، لقد لعب الشيطان بك وملأ قلبك حقداً علي .

    ٥- ومن أدبيات الحوار :

    إعطاءُ الآخر الفرصة في الحديثِ والإنصاتُ له في الكلام .

    وهذا قد يهمله البعض ، فتجده يتكلمُ نصفَ ساعة وحينما تتكلم يقاطعك ويجادلك في أثناء كلامك .

    مهلاً يا أخي، استمع إليّ كما استمعتُ لك، تعلم كيف تنصتْ للآخرين .

    تقول بعض الأخوات : زوجي يسيء الأدب في الحوار معنا وحينما أتكلم معه يقاطعني ويتجاهل كلامي ثم يقوم ويترك الموضوع، وربما انشغل بجواله حينما أبدأُ بالحديثِ معه .

    ما هذه الأخلاق ؟ هل هذه أخلاقُ الرجالِ الكرماء أصحاب الأدب والفضل لبيوتهم .

    ٦- ومن أخلاق الحوار :

    الكلامُ بعلم ، كما قال تعالى: ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) .

    نقول هذا لأن بعض الناس قد يتحدث معك في موضوع لا يعلم عنه شيء بل لديه معلومات متفرقة وربما كانت مغلوطة، فحينما تحاوره من منطلق العلم والدليل تجده يستغربُ ويرفضُ كلامك .

    مهلاً يا محب، إن الحوار ليس بكثرة المعلومات ولا برفع الأصوات، إنه بالعلم الصحيح المبني على الدليل والعقل .

    ٧- ومن أدبيات الحوار :

    التجرد من حظوظ النفس وعدم التكبر على الآخرين والتواضع للحق وقبوله حينما يتبين لك ، وهذا من أصعب الأخلاق في باب الحوار؛ لأن النفس ترفض تغيير الرأي الذي تعودت عليه، والقليل منا من يتراجع عن الخطأ .

    ففي تلك الدائرة يا ترى هل يتراجع ذلك المدير عن رأيه في ذلك الموظف الذي ربما ظلمه وقد تبين له خطأه في ذلك .

    وفي بيتك هل تتراجع عن فكرتك وتعترف برأي زوجتك وأنه الصواب حينما يتبين لك ذلك ؟.

    إن الاعترافَ بالحق الذي يصدر من الآخر ، من أرفع الأخلاق التي تدل على كمال عقلك وسمو نفسك، وقبل ذلك هي دليل على تقواك لله لأنك ممن يحب الحق ويعترف به ويسعى لتطبيقه على نفسه قبل أن يطبقه على الآخر .

    اللهم ارزقنا حسن الأدب ، وصلاح القول والعمل .

    -------------------

    الحمد لله .

    ٨- ومن أخلاق الحوار :

    سعةُ القلب عند الخلاف وعدم التعصب للرأي .

    يا عبد الله ، لماذا حينما اختلف معك في الرأي تغضب، وربما تقطع التواصل معي وقد يصل بك الحال أن تترك السلام علي وتغتابني في المجالس .

    عجبٌ لك ، لماذا كل هذا الحقد والكراهية ؟.

    يا أخي أليس لديك مساحة من الحب والإخوة لتقبلني في مصاف المؤمنين .

    أم أن مجرد اختلافك معي يجعلك تعاملني وكأني خرجت من الإسلام .

    أيها الكرام .

    يجب أن تتسع صدورنا للخلاف المقبول ، وأقصد في الخلاف الذي له حظ من النظر سواء في المجالات الشرعية أو القضايا الشخصية الدنيوية .

    عباد الله ، لقد اختلف الصحابةُ في بعض المسائل الفقهية ولم يحصل بينهم شحناء ولا بغضاء .

    لقد عاش أئمةُ الإسلام رغم مابينهم من مسائل الخلاف ، واتسعت صدورهم لاختلاف الرأي ولم تحصل بينهم تلك العداوات التي وصلت عند بعضنا .

    إن هذا اختلافٌ في الرأي لا اختلافٍ في القلوب .


    عباد الله ، إن ما سبق ذكره من الكلام عن أدبيات الحوار هو أصل مهم من أصول الأخلاق ، وكل واحدٍ مخاطبٌ به .

    في بيتك ومع زملائك ومع العامل في الشارع ومع المراجعين لك في عملك .

    ففي كل يوم نحن نحاور الآخرين ولو للحظات ، فلنلتزم بأدبيات الحوار وأخلاق الإسلام التي علمنا إياها نبي الهدى صلى الله عليه وسلم .

    إن ديننا هو دين الأخلاق ولقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم " أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة حسن الخلق ".

    وإن لحظات الحوار هي التي تبين أخلاقك خاصةً إذا كان المحاور معك أقلّ منك علماً أو منصباً أو سناً .

    فالتزموا بأخلاق الحوار لكي يتحقق المقصود من الحوار ، ونصل للهدف من النقاش .

    اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .

    اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى .

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد . 


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    من روائع التغريدات

    0:00

    ماذا يحب الرجل من زوجته ؟!

    0:00

    الصدق مع الله

    0:00

    باب جامع من كتاب عمدة الأحكام ( 4 )

    0:00

    أدلة وجود السحر

    0:00



    عدد الزوار

    4138407

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة