• الثلاثاء 18 رَبيع الثاني 1446 هـ ,الموافق :22 أكتوبر 2024 م


  • حاجتنا إلى التراحم




  • الحمد لله الذي مِن أسماءه الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة.

    القائل : إنما أنا رحمة مهداة.

    أما بعد، فيالها مِن نعمةٍ كبيرة أن تكونَ واحداً مِن أولئك الذين امتلأت قلوبهم بصفةِ الرحمة.

    إنهم الفائزون برحمة الله، قال صلى الله عليه وسلم : (الراحمون يرحمهم الرحمن) رواه أبو داود بسندٍ صحيح.

    إن المجتمع المؤمن يجب أن يتصفَ أفرادهُ بصفة التراحم.

    قال صلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى) رواه البخاري ومسلم.

    عباد الله، سوفَ نتناول بعضَ مجالاتِ الرحمة في مجتمعنا لعلنا أن نُحاسبُ أنفُسنا تجاهها.

    حاجتنا إلى التراحمُ في دائرة العمل:

    أيها الموظفون، في تعاملنا مع ذلك المراجع، لماذا هذه القسوةِ والجفاءِ والعبوس، ماذا لو كان والدك هو الذي يراجعُ تلك المعاملة، أتحبُ أن نتعامل معه بتلك المعاملة ؟

    ارحم المراجعين، واحتسب الأجر في خدمتهم.

    وأنت أيها المدير، ارحم موظفيك وارفق بهم، إن فيهم المريض، وقليلَ الخبرة، ومَن لديه ظروف نفسية وأسرية ربما جعلتُه يقصرُ في العمل.

    إن الرحمةَ بهم لا تعني إهمالَ العمل، ولكني هنا أدعوك للرحمةِ في التعاملِ معهم ونصيحتُهم بالتي هي أحسن وأن لا تتجه للعقوباتِ مباشرة.

    عباد الله، نحن بحاجةٍ للرحمةِ في إنظارِ المعسر الذي تكالبت عليه الديون والالتزامات المالية.

    يا أخي إن كنتَ محتاجاً للمال فاطلب برفق، ولكن إذا كان لديك سعةً من المال فأنظِر ذلك المعسر، (ومن يسر على معسر يسّر اللهُ عليه في الدنيا والآخرة) رواه مسلم.

    يا صاحبَ العمارة، إن كان لديك مستأجرين فهلاّ رحمتهم وتنازلت عن شيء من قيمة الإيجار لأجل الله، والراحمون يرحمهم الرحمن.

    أيها المسلمون، ما أجمل أن نتراحم في بيوتنا.

    إنني أدعوك للرحمةِ بزوجتك وعدمِ تكليفها مالا تطيق، والتعاونُ معها على متاعبِ الحياةِ وتربيةِ الأولاد.

    إن الزوجةَ تتعبُ وتحملُ وتمرُ بظروفٍ صحيةٍ، وتعاني مِن بعض الظروف النفسية بسبب بعض ضغوطاتِ الحياة مِن أسرتها أو نقصِ مالها، أو لظرفها الصحية المتقلبة.

    فكن رفيقاً بها متنازلاً عن بعض حقوقك، لعل اللهَ أن يدخلك في واسعِ رحمته.

    ونحنُ الرجال بحاجةٍ إلى رحمةِ زوجاتنا بنا فالضغوط تحيطُ بنا مِن كل جانب، ومصاعبِ الحياة تعاودنا كلَ فترة.

    فيا فوز مَن كانت زوجتهُ رحيمةً به، تُعينهُ في تعبه، وتُحفزهُ في حياته، ولاتتعبه في النواحي المالية.

    إن الزوجَ يحبُ مِن زوجته أن تكونَ معه في الشدائد وليس فقط في الأسفار وأوقات الرخاء.

    معاشر المسلمين ، 
    ومِن أبواب التراحم في البيوت:

    الرحمةُ بالوالدين، قال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدينِ إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلاتقل لهما أف ولاتنهرهما وقل قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ".

    إن والديك بحاجةٍ إلى رحمتك.

    فاتق الله فيهم واحذر مِن كل كلمةٍ أو موقف يكون سبباً في غضبهم حتى لاتنزل بك عقوبة الله وانتقامه.

    قال صلى الله عليه وسلم: رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد. رواه الترمذي بسند صحيح.

    وما أحوجنا للرحمة بأخواتنا، فلعل بعضهنّ بحاجةٍ للمال فلاتبخل عليها، ولعل الأخرى تعاني من زوجها فلعلك تقفُ بجانبها وتدخل في الصلحِ بينهما.

    إن الأخت قد تفقدُ والديها فلا يبقى لها في الحياةِ إلا أنت فلا تتخلى عنها.

    عباد الله، ومما يدخل في باب التراحم:

    أن نرحمَ ذلك العامل الذي يلتقطُ ما أرميهَ أنا وأنت في الشوارع، تراهُ يعملُ في الشمسِ وقد تغيرتُ بشرته، والحرارةُ قد التفتْ به مِن كلِ جانب.

    هلاّ رحمته بابتسامةٍ منك أو بريالٍ أو بعُلبةِ ماء أو لبنٍ بارد.

    إن مواقفَ الرحمةِ قد تكونُ لحظة، ولكنها عند الله ثمينةٌ وغالية.

    أيها الفضلاء، ومِن مجالات التراحم، الرحمةُ بصاحبِ الذنبِ وعدمِ القسوةِ عليه.

    وهذه رسالة لكل داعيةٍ ومصلح، اقتد بنبيك صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين).

    ولقد كان رحمةً تمشي على الأرض صلى الله عليه وسلم .

    والمواقفُ في رحمته بالمذنبين أكثر من أن تذكر .

    فيا أيها الداعية كن رحيماً بالمدعو أياً كان مسلماً أو غير مسلم.

    واعلم بأن الرحمةَ تعينك على إيصالِ دعوتك على أحسنَ وجه.

    أيها الداعية، أيها المعلم، ستواجهون بعض الأشخاص الجهال والمذنبين.

    فلا تحملكم محبة النصيحة أن تقعوا في الجهل والخطأ في التعامل مع أولئك الأشخاص، وكونوا رحماءُ بهم.

    إننا يمكننا أن نصححَ الخطأ بالكلمةِ الطيبةِ والإقناعِ الحكيم.

    عباد الله، وممن يستحقون الرحمة، أولئك الضعفاء من الفقراء والأيتام والمحتاجين، وما أكثرهم في زمننا هذا بسببِ ظروف الحياة.

    لعلك سمعت بقصةِ جارك المحتاج أو ذلك المسكين في الحي المقابل.

    إنهم بحاجةٍ إلى ساعةِ رحمةٍ منك، إلى وقفةٍ إنسانيةٍ منك، إلى وجبةِ طعام، إلى حقيبةٍ دراسية لأولادهم، إلى ملابسِ الشتاء.

    قال صلى الله عليه وسلم : الساعي على الأرملةِ والمسكين كالمجاهدِ في سبيل الله أو القائمِ الليل الصائمِ النهار . رواه البخاري.

    وإن مما يجبُ ان ندركه أن الرحمةَ ليست بالمال فقط، فقد لاتملك المال، قد تكونُ الرحمةُ بالزيارةِ وبالسؤالِ وبالدعاءِ وبدلالةِ أهلِ الخير لهم وغير ذلك من وسائل الرحمة.

    اللهم اجعلنا مِن عبادك الرحماء الذين فازوا بمحبتك يارب العالمين .

     
    --------------------

    الحمد لله .

    عباد الله، هذه بعض الإشارات في باب التراحم:

    ١- داوم على القليل من أعمال التراحم، قال صلى الله عليه وسلم: أحب العمل إلى الله أدومه ولو قل. رواه البخاري.

    فاستمر على صدقةٍ ماليةٍ لأحد المحتاجين ممن تعرف، أو عبر وسائل التحويل المصرفي للمؤسسات الرسمية الخيرية.

    ٢- حينما تُقدّم عملاً إنسانياً فلا تُصور تلك الحالة وتنشرها للناس؛ لأن تصوير المحتاجين وبيانُ حالتَهم أمرٌ غيرُ مرغوبٍ فيه ويؤثرُ على نفسياتِهم ويكشفُ أسرارهم للناس.

    ٣- إذا تصدَّقت على أحدٍ بطعامٍ أو لباسٍ أو بأثاثٍ فاختر الشيء المقبول وليس السيء، وتأمل التوجيه الرباني " ولاتيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ".

    عباد الله، وهنا تنبيه مهم، وهو أن بعضَ المواقفِ في الحياةِ قد تستدعي الحزم وليس الرحمة.

    وهذا يرجعُ إلى حكمتك في التعاملِ مع الموقف.

    فليس مِن الرحمةِ أن تترك أولادك لا يُصلّون بحجةِ عدمِ إزعاجهم في نومهم.

    ليس مِن الرحمةِ أن تترك بناتك على مواقع التواصل بلا رقابةٍ ذكية.

    ليس مِن الرحمةِ أن تترك بيتك وأسرتك بلا رقيب ولا ضبط لما يشاهدون وما يفعلون.

    ليس مِن الرحمةِ أن تهملَ الموظفين فيتأخرون ويتحدثون الساعات بدون أن يقدموا خدمةً للمراجعين.


    اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى.

    اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا.

    اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    التقوى والرزق

    0:00

    من أسباب زيادة الإيمان

    0:00

    من أسباب الطلاق عند الرجال - 1

    0:00

    رسائل في أعمال القلوب

    0:00

    رسائل للشباب

    0:00



    عدد الزوار

    4840951

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 22 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1586 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة