الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خليل رب العالمين الذي أرسله الله رحمة للعالمين.
أما بعد.
فبينما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعيشُ بين أولئك النفرِ من أصحابه إذ بالوحيِ يتنزل عليه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).
أي جمالٍ في هذا التوجيه الرباني حينما يأمرُ الله نبيه بأن يجلس مع الصالحين ويصبر معهم وأن لا يلتفت إلى المعرضين والغافلين.
وإذا كان اللهُ يأمر نبيه بالجلوسِ مع الصالحين مع أنه المؤيد بالوحي فما بالك بغيرهِ من عامة الناس؟
أيها الفضلاء، إن الصحبةُ الصالحة نعمةٌ كبرى، وعطيةٌ عظمى، وهي وسيلةٌ للثباتِ على الدين وخاصةً في زمنِ الفتنِ والمتغيرات.
ومع أهميةِ الجلوسِ مع الصالحين إلا أنه ينبغي علينا أن نتعرفَ على آدابِ الصحبةِ والصداقة لكي نحققَ الكمالَ في الأدبِ معهم.
فمن آداب الصداقة:
أولاً : البحثُ عن الصديقِ الصالح، نعم هو الرفيقُ والمعين وهو البلسمُ الشافي، وفي الحديث الصحيح " لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي " رواه أبو داود بسند صحيح.
ثانياً : اعلم أن الصدقَ في الأخوة طريق لحلاوة الإيمان.
قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله " رواه البخاري.
ثالثاً : ومِن أدبِ الأُخوة :
الدعاء لأخيك بظهر الغيب فهي من الدعوات المجابة وعند رأسك مَلَك يقول ولك بمثل.
رابعاً : ومِن أدب الصداقة: احتمال الأخطاء.
نعم، إن أخاكَ مِن البشر الذين يصدرُ منهم الخطأ، فإياك أن تبتعد عن صحبته بسبب زلة أو معصية، ومَن الذي ما ساء قط ومَن له الحسنى فقط، وقديماً قيل " من طلب أخاً بلا عيب بقي بلا أخ ".
وكما تحبُ أنت أن يتجاوزَ عنك صاحبك عندما تخطئ فتجاوز أنت عن خطأه.
خامساً : ومِن آداب الصداقة:
أن تقفَ معه حينما تضيقُ عليه الحياة وتحيط به الهموم.
واللهِ إنّ مِن العجب أن تجدَ الواحد منّا يضحكَ لصاحبه ويكرم ضيافته ويسافر معه ولكن حينما يحتاجُ إليه أخوه يلتفت يمنةً أو يسرة فلا يجده.
أنسيتَ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة " رواه مسلم .
سادساً : ومِن آداب الصداقة : النصيحةُ بالتي هي أحسن.
يا عبد الله، إن النصحَ مِن الضرورات مع الأصدقاء، وإن السكوتَ عن عيوبِ الطرفِ الآخر خطأٌ كبير.
أخي ، أريدك أن تنصحني ولكن بالكلمة الطيبة، ولا تترك نصيحتي ثم تتكلم في عِرضي في المجالس، فتقع في الغيبةِ التي حرمها الله تعالى.
سابعاً : ومِن أدب الأخوة: الابتسامةُ عند اللقاء.
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: " وتبسمك في وجه أخيك صدقة " رواه الترمذي بسند صحيح.
قال جرير: " والله ما رآني رسول الله إلا تبسم في وجهي " رواه البخاري.
إن صاحبك قد يعاني من ضيقٍ في ماله أو همٍّ في أسرته، فحينما تُقابلهُ بالابتسامةِ والبشاشة إذ بك تشرح صدره وتنسيه همّه وحزنه.
ثامناً : ومِن أدب الأخوة: زيارته بين وقتٍ وآخر، وحينما تتأمل هذا الحديث تقف متعجباً.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ، فأرصد الله تعالى على مدرجته مَلَكاً.
فلما أتى عليه قال : أين تريد؟
قال: أريد أخاً لي في هذه القرية.
قال: هل لك من نعمة تَرُبُّها ؟
قال: لا، غير أني أحببته في الله، قال المَلَك: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) رواه مسلم.
تاسعاً : ومِن أدبِ الأخوة:
حفظُ اللسان ومراعاةُ اللفظِ في الحديثِ معه، وألا تجعل المزاح معه سبباً لنشأة العداوات.
إننا نشاهدُ بعض الناس يتساهلُ في كلماتهِ مع الآخرين بحجة المزاح ولكنه يجرح الآخرين ويسبب الخلافات.
يا أخي، انتق أجمل العبارات، وربنا يؤدبنا ويقول: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
عاشراً : ومِن أدب الأخوة: زرعُ الأملِ في نفسهِ وبثُ روحَ الهمةِ عنده وتحفيزه نحو معالي الأمور.
ويا لله كم مِن كلمةٍ جميلة خرجت منك لأخيك فكانت سبباً في سلامتهِ مِن هموم نزلت به، وكم مِن وقفةٍ صادقةٍ رفعت مِن معنوياتِ صاحبك.
الحادي عشر من أدب الصداقة:
إجابةُ دعوته إذا دعاك لوليمة أو مناسبة لقوله صلى الله عليه وسلم " حق المسلم على المسلم ست ، وذكر منها : وإذا دعاك فأجبه " رواه البخاري.
الثاني عشر : الإهداء للصديق، قال صلى الله عليه وسلم : " تهادوا تحابوا " رواه الترمذي بسند صحيح.
والهديةُ تزيدُ المحبة وتغسلُ القلوب من ركام الخلافات والنزاعات.
وعلى من جاءته الهدية أن يقبلها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلُ الهدية ويثيب عليها.
الثالثَ عشر : أن تدافع عن أخيك حينما يتكلمُ فيه الناس.
هل تذكر ذلك المجلس الذي سمعتَ فيه ذلك المتحدث وهو يقع في غيبة أخيك، يا ترى لماذا لم تدافع عنه؟
ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من ذبَ عن عِرضِ أخيه كان حقاً على الله أن يعتقه من النار) رواه أحمد بسندٍ صحيح.
الرابعَ عشر : السترُ عليه، وذلك حينما يبلغك عنه أنه وقع في ذنبٍ.
فلا يجوز أن تنشر ذلك بين الناس وتكشف سره.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنا سيئها يارب العالمين.
------------------------
الحمد لله.
لازلنا أيها الفضلاء نتدارسُ أخلاقَ الصداقة.
الخامسَ عشر : صلةُ أهله بعد موته.
بمعنى أن تحسنَ إلى أهلهِ بعد موته فربما كانوا في حالةٍ صعبة، وهذا من الوفاء، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسنُ إلى صديقاتِ خديجة رضي الله عنها.
السادسَ عشر من أخلاق الصداقة: طهارةُ القلب مِن الحسد عليهم حينما يتميزون عليك بنعمةٍ من نعم الدنيا، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تحاسدوا ).
السابعَ عشر : حسنُ الظن بما يصدر منه.
أيها الكرام، أحسنوا الظن بإخوانكم وإياكم وسوء الظن، ولا تتهموا الناس بالاتهامات بلا دليل بيِّن.
قال بعض السلف : التمس لأخيك سبعين عذراً فإن لم تجد فقل لعل له عذراً لا أعلمه.
الثامنَ عشر : التثبتُ من الأخبار التي تُنقل عن الأصدقاء.
إن مما يؤلم أيها الفضلاء أن نُصدقَ كلِ خبرٍ يُشاع عن أحبابنا وجيراننا.
لابد من التأكد حتى لا نتهمَ الآخرين بالباطل، وربنا يؤدبنا (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا).
التاسعَ عشر : الكرم والإحسان لهم، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ).
قال صلى الله عليه وسلم : (أحب الناس إلى الله أنفعهم) رواه الطبراني بسند صحيح.
يا أخي، ابذل نفسك وكرمَك لزملائك وأحبابك، إن الكرم من شيم الرجال، ولقد كان الأنبياء سادات الكرم والجود، وما سئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن شيء فقال: لا.
اللهم يسرنا لصالح الأقوال والأعمال.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
مكتبة الصوتيات
تساؤلات
0:00
تلاوة من سورة النحل 86 - 89
0:00
رسائل من أب إلى ولده
0:00
آداب الحوار
0:00
تأملات في سورة البلد
0:00
عدد الزوار
4970399
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1596 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |