الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على نبيه المجتبى وعلى آله وصحبه ومن على آثارهم اقتفى .
أما بعد ، فهناك وفي تلك المحكمة ، تمتلأُ أدراجها بتلك الملفات المحزنة ، هي قصصٌ من واقعنا الأليم ، هي جروحٌ في تلك البيوت .
معاشر المسلمين ، استأذنكم في فتحِ تلك الملفاتِ لكي نعالجَ أسبابَها ونصفُ الدواء لمن وقعَ فيها .
فمن ملفات المحكمة :
قضايا الطلاق التي بلغت ذروتها في بلادنا وللأسف والإحصاءياتُ تتحدثُ عن أرقامٍ كبيرةٍ جداً .
ولتقريب الرقم أقول لكم : في كل يوم تقريباً تقع 190 حالة طلاق توثق في المحكمة .
هذا الذي غيرَ الذي طلّق ولم يذهب للمحكمة وربما لم يسأل عن طلاقه .
فلو قدَّرنا أن هناك لكل أسرة ولدان فقط ، فسيكون لدينا في السنة آلاف من الأطفال الذين يعيشُون في أسرةٍ مفككة .
ألا يفقد هؤلاء الأطفال العاطفة بسبب غياب أحد الأبوين ؟ لعل بعضهم يخسرُ مستقبلاً جميلاً كان ينتظره بسبب هذا الطلاق .
ياكرام ، متى ندرك خطرَ الطلاق ونتعرف إلى وسائل الوقاية منه ؟
كلنا نشاركُ في التوعية ، وكلنا قد نكونُ سبباً في وقوعه ، والحديثُ هنا ليس عنه ولكنها إشاراتٌ سريعة .
دور الوالدين في تربيةِ الشابِ والفتاةِ على احترامِ الحياةِ الزوجية ومعرفة مايحب الآخر ومايكره ، هذا له دور في معرفةِ قدرِ الزواج وأنه ليس مجرد تنزه هنا وهناك .
دورك أيها الزوج في تفهمِ دورك ومعرفتكَ بحقوقِ زوجتك عليك وأن لها التعاملُ الطيب والمعاشرةِ بالمعروف كما قال تعالى " وعاشروهن بالمعروف " .
وفي الحديث الصحيح " خيركم خيركم لأهله ".
تلك الفتاة يجبُ أن تدرك أن الزواجَ ليس نزهةٌ في دولِ العالم وتجولٌ في السوق وشراءٌ للملابسِ ، بل هو ترفيهٌ معتدل وحياةٌ جميلة وحقوقٌ يجبُ عليها أن تراعيها مع زوجها .
كم يحزنني أن أسمع بقصةِ ذلك الشاب الذي تزوج قبل سنة ، ولكنه الآن على موعدٍ مع زوجتهِ للطلاق وهما في المحكمة قبل أيام ؟
ومن ملفات المحكمة :
ملف الخلع ، وهو فسخُ الزوجةُ زوجَها ، وإرجاعُ المهر له .
ولكن ياترى لماذا وصلت لهذا الحال ؟
إن بعضَ الازواج أذاق زوجتهُ الهمّ والغمّ والفقرَ والمرضَ النفسي .
إنه يمارسُ الإهاناتِ لها بشكلٍ دائم .
حتى ملّت ونفذ صبرها واختارتِ الفراق ، فرفضَ الطلاق ، فلم تجد بُداً من أن تذهب للمحكمةِ للخلع ، ثم تُطالبُ بدفعِ المهرِ كاملاً وربما استدانت أو أخرجت قرضاً لكي تتخلص من جحيم ذلك الزوج .
لماذا أيها الزوج تُنهي حياتك مع زوجتك في المحكمة ؟
إنها الغفلةُ عن مقاصدِ الزواج ، إنه صديقُ السوء الذي غيرك ، إنه البعدُ عن الله الذي أوقعك في هذهِ المشكلات .
ومن ملفات المحكمة :
ملف الخصومات بين الأبناء والبنات في الإرث .
لقد مات أبوهم وترك ذلك العقار وتلك الأموال ، ولكن الجشع ينتابُ ذلك الابن ، ثم يبدأُ بالتمثيلِ لأسرتهِ بأنه سيقوم برعايةِ التركة ، وسيقومُ بمراجعةِ المحكمةِ لإنهاءِ تلك المعاملات .
وبعد ذاك يقومُ بسرقةِ بعض العقار ، ويمنع بعضَ البنات من الإرث أو يحتال عليهن ببعض الحيل ، وتبدأُ الخصومات التي لم تكن في حياةِ والدهم .
وبعضهم يحرمُ الزوجةَ الثانية وأولادها من الإرث وتزاد الهمومُ والمعاناةِ لهم وتزدحمُ المحكمة بتلكم النسوة والبنات اللواتي يطالبن بحقوقهن .
ياحسرتاه على بعضِ الرجالِ الذين يسرقون أموال والدهم ويتلاعبون بها ؟
ياحسرتاه أن تكون خصماً لأخيك أو لأختك في المحكمة ، أهذه نتيجة الأخوة ؟
ما أحقرَ الدنيا التي تتنازعونَ لأجلها .
وبعض الرجالِ يموتُ وقد ترك زوجةً أخرى من جنسيةٍ أخرى ، فيتفقُ الأولادُ من الزوجةِ الأولى على حرمانِ تلك الزوجةِ من الميراثِ أو بعضهَ بطرقٍ ملتوية .
لماذا يا أخي ، أليست زوجةَ والدك ، أين قلبُك ، أليس أولادُها إخوةٌ لك ؟
أما تخشى من عواقب الظلم ؟
قال الله في الحديث القدسي " ياعبادي إني حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ".
إن المنادي يصيح يوم القيامة " ألا لعنة الله على الظالمين ".
اللهم احفظنا من الشرور يارب العالمين .
-------------
الحمد لله .
ومن ملفاتِ المحكمة :
الحضانةُ ورعاية الأطفال .
أيها الفضلاء ، بعد وقوعِ الطلاق تأتي مشكلةٌ أخرى وهي رعايةُ الأولاد أين تكون ؟
إن الشريعةَ تراعي المصلحةَ في رعايتهم ، وقد جاءتِ النصوصُ بأن الطفل يبقى عند أمهِ حتى يبلغَ سبعَ سنين مالم تتزوج ثم بعد السابعة يُخير بين والديه .
ولكن وللأسف فإن هناك مشكلاتٍ تتكرر :
فمنها : أن بعضَ الآباء قد يحرمُ الأم من أولادها .
ومنها : أن بعضَ الأمهات تُطالبُ بنفقاتٍ كبيرةٍ في النفقةِ على الأولاد ، وربما أثقلت على الأب وخاصةً إذا تزوج بعدها وصار له أولاد .
ويجبُ أن نعلم أن النفقةَ بالمعروف وليس بما يشق على الأب ، قال تعالى " لينفق ذو سعةٍ من سعته " .
ومنها : أنه قد يقفُ والدُ الزوجة وإخوتُها مع ابنتهم في موضوع الحضانة ولكنهم لا يراعون والد الأولاد ويمارسون عليه الضغط بالدفع لكل شيء ويستخدمونَ الأولاد ورقة ليؤثروا على مالهِ ونفسيته .
ومنها : أن بعضَ الأمهاتِ تُحرِّضُ الأولادَ على والدهم وتتهمهُ بالتقصيرِ بالنفقة ، ويتكون لديهم حقدٌ على والدهَم وينشأون في اضطرابٍ نفسيٍ كبير مما يؤثر على دراستهم وتربيتهم .
ومنها : أن بعض الآباء يُقصِّر في النفقة وقد يمرُّ الشهر والشهران وهو لم ينفق على أولاده .
قال صلى الله عليه وسلم : كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت . رواه أبو داود بسند صحيح .
عباد الله ، وبعد الطلاق قد يقعُ الانحرافُ في الأولاد والبنات بسببِ المشكلات بين والدهم ووالدتهم .
ويتعجبون ، هل هذا أبي ، هل هذه أمي ، لقد كنّا مع بعض نلعب ونمرح ونسافر ، والآن أمي لها موعد في المحكمةِ مع أبي .
إنه الطلاق الذي دمّر البيوت ودمّر مستقبل الأولاد .
وهنا أبعثُ برسالةٍ من زاويةٍ أخرى ، قد يكونُ الطلاقُ هو الحلُ في بعضِ الحالات ، فهنا يجبُ عليك أيها الزوج وأنت أيها الزوجة أن تتفقا على نقاطٍ مهمة في تربيةِ الأولاد والنفقةِ عليهم ومراعاةِ نفسياتهم ودراستهم .
لا تجعلوا الطلاقَ سبباً في مشكلاتٍ كبرى تلاحقُ الأولاد في مستقبلهم .
اجعلوه طلاقاً ناجحاً ومتميزاً .
أيها الآباء ، أيها الإخوة ، خطابي لا يسمعهُ إلا أنتم ، ولكن أتمنى أن يصلَ مضمونهُ لبناتكم وأخواتكم لعل في ذلك إصلاحٌ لهم ووقايةٌ للمجتمع من المشكلات .
اللهم احفظ بيوتنا ومجتمعنا من كل شر وبلاء .
اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى .
اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا .
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعله عمله في رضاك .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
مكتبة الصوتيات
التقوى هي المخرج
0:00
تأملات في سورة النجم - 1
0:00
أظهري عواطفكِ
0:00
ولا تحسبن الذين قتلوا..
0:00
من فضائل الإحسان
0:00
عدد الزوار
4138411
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة |