• الخميس 16 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :25 ابريل 2024 م


  • إشارات في الذنوب

  •  


    الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب ، الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء والصلاة والسلام على نبي الرحمة .

    أما بعد ، 
    فإن من توفيق الله لنا أن يهدينا إلى صراطه المستقيم فنعيشُ بين الطاعاتِ والحسنات ونجني ثمارَ ذلك في الدنيا والآخرة .

    ولكن بشريةَ الإنسان وفطرتَه تأبى إلا أن يقعَ الواحدُ منا في الذنبِ بين وقتٍ وآخر؛ لأن الخطأ من طبيعته .

    ونبينا آدم عليه السلام وقع في الخطأ وهو أبونا ، وفي الحديث " كل بني آدم خطاء وخيرُ الخطآين التوابون " رواه الترمذي بسند صحيح.

    وفي الحديث " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم " رواه مسلم .

    أيها الفضلاء ، ومع تقرير ماسبق وأننا لسنا معصومين من الذنب إلا أننا لابدَ أن نعلم أننا يُمكننا تقليلَ الذنوب والابتعادَ عنها حينما نبتعدُ عن أسبابها .

    وذلك لأن لكل شيء سبب ، ولايختلفُ اثنان في أن الذنوب لها مقدمات تدعو لها ، فمن أرادَ ترك الذنوب فليبعتد عن أسبابها ليسلمَ من الذنوبِ وينجو من عواقبها .

    عباد الله ، اعلموا رحمكم الله أن الذنوبَ لها أضرارٌ وعواقبَ على الشخصِ في نفسهِ ودينهِ وأسرتهِ ومالهِ ، ولها أضرار عند موتك ، وفي قبرك ، ويوم تلقى الله ، وكلما تذكر العبدُ ذلك كلما شعرَ بضرورةِ البعدِ عن الذنوب .

    فمن أضرار الذنوب على النفس : الضيقُ والهمّ الذي يشعر به أولئك المعرضونَ عن الله والذين يعيشون في أوحالِ الذنوب والشهوات .

    قال تعالى : " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً " .
    كم هي حالات القلق التي يعيشها أولئك المعرضون وكم سمعنا من حالات الانتحار لدى تلك الفئة ؟ إنه الشقاء حينما تبتعد عن أنوار الله وهداياته .

    ومن أضرار الذنوب على أسرتك : أنها توقعُ الخلافات بينك وبين زوجتك وتضعف الحبَ بينكما ، يقول تعالى " وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ".

    أيها الزوج لعل كثرةَ المشكلات سببها ذنبٌ بينك وبين الله . فهل فكرت في ذلك ؟ قال بعض السلف : إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق زوجتي .

    ومن أضرار الذنوب على مالك : أنها تمحق بركته وربما أذهبته كله في حادث أو حريق ونحو ذلك ، قال تعالى: " يمحق الله الربا " ، وفي الحديث : " إن الرجلَ ليُحرمَ الرزق بالذنبِ يصيبه ".

    ومن أضرار الذنوب عند الموت : أنها ربما كانت سبباً لسوء الخاتمة عياذاً بالله ، وكم سمعنا من قصصٍ عجيبةٍ لبعض الأموات .

    حدّثني مُغسِّل أموات عن ميت في إحدى الشقق ، يقول : لما أتينا لاستلام جثته وجدناه قد اسودّ جسمه تماماً والذبابُ محيطٌ به وقد وضع إبرة المخدرات في جسده ومات بسببها ، يقول صاحبي : والله لم أتمالك نفسي وخرجتُ من المكان من قبح رائحته .

    فبالله عليكم هل توقع ذلك الشباب الذي مشى مع صحبة السوء أن تكون نهايته هكذا أن يموت على المخدرات ؟.

    ومن أضرار الذنوب في القبر : أنها ربما كانت سبباً لعذاب القبر ، وكلكم يعلم بالأحاديث التي جاء فيها استعاذةُ النبيِ صلى الله عليه وسلم من عذابِ القبر .

    ومن الأحاديث العجيبة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرَّ على قبرين دفنا في زمنه ، وقال إنها ليعذبان ومايعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وفي رواية بالغيبة وأما الآخر فكان لايستنزه من بوله ، أي لايتنظف منه .

    وهنا اسأل : هل تذكر ذلك الذي يغتابُ الآخرين أنه ربما يعاقبَه الله في قبره ؟ والله لو تذكر ذلك لتوقف عن الغيبة ولكنه غافلٌ عن خطر الذنوب وآثارها عليه في حياته وبعد مماته .

    أيها الفضلاء ، اعلموا أن من الإشارات التربويةِ المهمة ، أن نتعامل مع صاحب الذنب بالرحمة والرفق ، وأن نعلم بأن الواحد منا ليس بمعصوم وأن المخطئ بحاجة إلى أن نساعده في التخلص من تلك المعاصي وأن لانتعامل معه بالقسوة حتى لانخسره.

    وتأموا هذا الحديث : كان هناك رجل يشرب الخمر باستمرار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقيم عليه الحد بالجلد ، فمرةً جيء به وبدأوا في إقامة الحد عليه . فقال رجل : لعنه الله ما أكثر مايؤتى به ، فسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم فعاتبه وقال : لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله . رواه البخاري .

    فانظر كيف نهاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن لعنه ، وتأمل كيف أثبت له محبة الله ورسىوله مع أنه شارب خمر .

    فوصيتي لكم ، رفقاً بإخوانكم ممن يقع في تلك الذنوب ، وتلطفوا بهم ، فلعل الله أن يأتي بهم ويتوب عليهم .

    ولاتكن يا أخي ممن يفضخ أخيه حينما يقع في الذنب أو ينشر خبره بين الزملاء وفي صحيح مسلم ( من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة )، ومع ذلك فإننا ندعوك لنصيحته بالتي هي أحسن .

    ومن المعالم التربوية في التعامل مع المذنبين : الدعاءُ لهم بالهداية وليسَ الدعاءُ عليهم ، وهنا نقف على موقفٍ عجيب في حياة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قال في دعاءه " ومن عصاني فإنك غفور رحيم " ولم يقل ومن عصاني فانتقم منه .

    وفي الحديث أن رجلاً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال إن دوساً طغت فادع الله عليها ، ودوس قبيلة من قبائل ، فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب القلب الرحيم ؟ لقد رفع يديه وقال : اللهم اهد دوساً .
    رواه مسلم .

    إنه موقفُ الرحمة والدعاءُ للمذنبين ، إنه خلقُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

    اللهم يامقلبَ القلوب ثبت قلوبنا على دينك .

    -------------

    الحمد لله .

    عباد الله ، 
    وبعدما علمنا بتلك العقوبات التي رتبها الله على إدمان الذنوب ، فيجب أن نعلم أن بابَ التوبةِ مفتوح ، وأن اللهَ يقبلُ التوبة ويعفو عن السيئات .

    وأن العبد مهما فعل فإن الله يغفرُ له إذا تاب بصدق ، بل حتى الكافر لو صدق مع الله في إسلامه لوجد من الله الغفران .

    " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ماقد سلف " .

    " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " .

    سبحانك يارب ، تبسطُ يدك بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار وتبسطُ يدك بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل .

    يا ابن ادم إنك مادعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ماكان منك ولا أبالي ، 
    يا ابن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك على ماكان منك ولا أبالي .

    يا ابن ادم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لاتشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة .

    من أقبل إلى الله تلقاه من بعيد ، ومن أعرض عن الله ناداه من قريب ، ومن ترك لإجله أعطاه فوق المزيد ، ومن أراد رضاه أراد ما يريد ، ومن تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد .

    السيئة عنده بواحدة ومصيرها للعفو والغفران ، والحسنة عنده مضاعفة بلا عدد ولا حسبان .

    إنه الله العفو الغفار، إنه الله الذي يقبل التوبة .

    إلهي وقفتُ دموعي تسيل         وقلبي ببابكِ باكٍ ذليل
    فذنبي كبيرٌ وزادي قليل           فمُنّ علي بعفوٍ جميل
    أتيتُ أجرّ خطايا السنين           أتيتُ إلى أرحمِ الراحمين
    وكُّلي اعتقادُ وكُّلي يقين           بأن لديكَ شفاءُ العليل
    سألتكَ مغفرةً للذنوب             وستراً لما مسنا من عيوب
    فأنت إلهي طبيبُ القلوب         ونورُ هداك يضيءُ السبيل

    اللهم تب علينا أجمعين ، اللهم جازنا بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً .

    اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك رداً جميلاً .
    اللهم اغفر لنا ماقدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا .

    اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك .
    سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين . 

     


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    معالم عقدية وتربوية في المنهج

    0:00

    يوم التلاق

    0:00

    أجمل رحلة في العالم

    0:00

    قصة البغي والكلب

    0:00

    دار السعادة الأبدية

    0:00



    عدد الزوار

    4157720

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة