• الخميس 18 رَمَضان 1445 هـ ,الموافق :28 مارس 2024 م


  • صناعة الأمل

  •  

    الحمد لله الذي يدبر الأمر، الذي يبدد الهموم والأحزان ، الحمد لله الذي يسعد من يشاء بطاعته .

    الحمد لله الذي يغير الأحوال وهو الفعّال لما يريد، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان يعجبه التفاؤل، الذي فتح لنا باب الأمل .

    أما بعد ، ففي أحد الأيام زرتُ معرض الكتاب ووقفتْ عيني على كتاب يتحدثُ عن الأمل ، فترددتُ في شرائه وقلتُ هل أنا بحاجة إلى كتابٍ يتحدثُ عن الأمل ؟ وبعد ثوانٍ من التفكير قررتُ شراءه .

    ولما رجعتُ للبيتِ وبدأتُ في قراءته ، شعرتُ أن كل سطرٍ يتحدث معي ، ويعالجُ خواطرَ في نفسي ، وبدأتُ أتنقلُ في بساتينِ الأمل وذقتُ في مطالعتي له طعمَ الحياةِ والتفاؤل .

    أيها الفضلاء ، كل واحدٍ منا له قصةٌ مع الألم ، وبعضنا لازال يتجرعُ قصصَ الماضي وأحزانَ الأمس ، والبعض ربما سيطر عليه الحزنُ حتى اسودت الدنيا في وجهه .

    لهذا وذاك كان لابدّ من التذكيرِ بالأمل وتحفيزِ النفوس لطردِ اليأسِ من القلب .

    عباد الله .

    الأمل هو : أن تتوقعَ الشيء الجميل من الله تعالى ، أن تحسنَ الظنَّ بالله وأنه سوفَ يساعدك في ظروفك التي تمرُّ فيها .

    الأمل : أن تنظر لحياتك من زاويةٍ إيجابية تتذكر فيها كلَ جميل ، وترجو من الله أن يزيدك من جمالِ الحياةِ وأنسها .

    الأمل : أن تعيش ، وفي داخلك شعور أن بعد العسرِ يسراً ، وبعد الهموم فرحة ، وبعد الفقرِ غنى ، وبعد المرضِ سيكونُ الشفاء ، وبعد الحزنِ ابتسامة .

    الأمل : أن تطرد اليأس من حياتك وترمي به جانباً ، " إنه لا ييأسُ من روحِ الله إلا القوم الكافرون ".


    معاشر الكرام .

    الحياةُ مليئةٌ بصور الأمل :

    كم من مريضٍ شفاه الله ، كم من عسيرٍ يسره الله ، كم من حادثٍ صرفه الله عنك ،كم من حاجةٍ كنتَ تظن أنها لن تتيسر لك وإذ بالله يفتح لك أبوابها " سيجعلُ الله بعد عسر يسراً " ، 
    ذاك الطفل يتعثرُ في المشي في بداياته ولكنه يمشي بكل سهولة الآن .

    ذاك الطالب وجد صعوبةً في مراحلِ دراسته وعانى كثيراً ولكنه الآن يذوقُ لذةَ النجاح وهو الآن في وظيفةٍ عالية ، تلك المرأة ذاقت آالآم الحمل ولكنها تخرج لنا طفل كأنه قطعة من القمر .

    إنه الأمل ، إنه حسن الظن بالله تعالى ." لاتدري لعل اللهَ يحدثُ بعد ذلك أمراً ".


    أخي المهموم ، 
    أعلمُ أنك تقول في نفسك : ما أسهل الكلام ولكنك لم تتعرف على همومي وأحزاني .

    فأقول لك : إنك حينما تتفرغُ لأحزانِ الأمس وهمومِ اليوم فإنك تقتلُ الأمل في داخلك ، إنك حينها تغيبُ عن كلِ لحظةٍ جميلةٍ يمكن أن تعيشَها اليوم .

    أنا لا أقلل من همومك ولا أتحدثُ عن خيالاتٍ ستتحققُ في حياتك ، أنا هنا أحاول أن أفتحَ لك نافذةَ الأمل وأن تنظر لأيامك القادمة من زاويةِ التوفيق الذي سيمنحه الله لك .

    أنا أحاول أن أخرجك من سجنِ اليأس ومن غرفةِ التشاؤم ومن صندوقِ الحزن ، أنا أذكرك بقصص الذين ذاقوا مرارة الألم ولكنهم عاشوا مع الأمل فوجدوا من الله كل خير .

    يا أخي ، أنا أذكرك بأن اللهَ لن يخيب دعاءك ولن يضيع صبرك " إن الله مع الصابرين ".

    هل تعرف النبي يعقوب النبي الذي فقد ابنه يوسف، ثم قال لأولاده بعد سنوات " اذهبوا فتحسسوا من يوسف ". إنه الأمل في الله . فهل رجع له يوسف ؟  لقد فقد بصره ، بسبب الحزن على يوسف . فهل رجع له بصره ؟ 


    هذا نبي الله أيوب ، عاش في المرض ١٣ عام حتى هجره كل الناس إلا زوجته " وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ". فهل استجاب الله له ؟ " فاستجبنا له ".

    هذا زكريا يبلغ ١٢٠ سنة ومع ذلك يقول " رب هب لي من لدنك ذريةً طيبة ". " فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى ".

    هذا نبينا صلى الله عليه وسلم يهاجر من مكة والأحزان تلاحقه على مكة ذلك الوطن الذي عاش فيه ولكن لديه أمل كبير بأنه سيجد في المدينة من يناصره ويساعده في دعوته ، فماذا وجد في المدينة لما سكنها ؟.

    لقد وجد الاستقبال الرائع ، لقد وجد القلوب مشتاقة إليه، لقد فرح المسلمون برسول الله صلى الله عليه وسلم .

    لقد بنى مسجده النبوي ، لقد انطلق في تعليم الناس ، لقد دخل الناسُ في دين الله أفواجاً ، لقد انطلقت معارك الإسلام من المدينة .

    إنه الأمل يتحقق لرسولنا صلى الله عليه وسلم ، وهكذا سيتحققُ لي ولك .

    إن الله قريبُ منك يا صاحبَ الألم ، إن الله يسمع دعاءك ، ويعلمُ بهمومك ، ويرى دموعك ، إن الله هو الذي خلق الألم وهو الذي وعدك بأن يمنحك الأمل ، " ادعوني أستجب لكم " ، وفي الحديث الصحيح " أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ".


    أيها الكرام ، وبعد هذه الإشارات حول الأمل ، لابد أن نضع بعض القواعد في صناعة الأمل :

    ١- إننا حينما نتحدث عن الأمل فلايعني هذا أن نترك العمل في تحقيق أمنياتنا .
    لا نريد الأمل الذي هو مجرد مشاعر ، بل نريد الأمل الذي يقوده العمل، فالذي يريد من الله التوفيق في دراسته لابد أن يجتهد فيها ، 
    والذي يأمل من الله أن يوفقه في تجارته لابد أن يسعى ويخطط ويتعب في ذلك الطريق ، والذي يأمل في الشفاء لابد أن يأخذ الدواء ويستعين بالله ، وهكذا ، إن الأمل الحقيقي هو الذي يكونُ معه العملُ الجاد .

    ٢- أيها الفضلاء ازرعوا الأمل في بيوتكم ، مع الزوجة والأولاد ومع الموظفين ومع الناس كلهم .

    إن الكثيرَ من الناس مليءُ بالإحباط واليأس نتيجةً لظروفٍ مالية ، أو أسرية ، أو صحية ، وربما وظيفية ، ولعل بعضنا جرت عليه قصص ومواقف من الناس جعلته يفقد الثقة في المجتمع وربما أوقعته في القلق .

    هؤلاء كلهم بحاجةٍ إلى همسةِ أمل وكلمةٍ طيبة لعلها تعالج نفوسهم وتدفعها للأمل ، إن الكلمات التي فيها تحفيز ، لها أثرٌ كبير في طردِ الهموم واليأس من نفوس الناس .

    ٣- يا صاحب الهمّ إن ساعات الألم التي تحيط بك لن تدوم ، وإن لحظات الحزن سوف تتلاشى ، إن الذي بقي من عمرك سيكونُ مليء بالخير والتوفيق بإذن الله .

    اخرج إلى فضاءِ الأمل واستنشق عبيرَ الحياة وتنفسْ هواء الطموح .

    يا صاحب الهمّ إن الهمّ منفرج         أبشر بخيرٍ فإن الفارجَ الله

    -----------

    الحمد لله .

    عباد الله ، خذوا هذه الإضاءات المتفرقة في الأمل :

    ١- إذا لم تجد من يسعدك فأنت أسعد نفسك ، وإذا أحاط بك الحزن فلاتنتظر من أحد أن ينقذك منه ، أصنع أملك ، انهض بنفسك ، أنت قادر على صناعة الأمل.

    ٢- لا تجعل ساعات الألم التي مرت بك قبل أعوام تُقعدك عن صناعة الأمل لسنواتك القادمة ، أمامك فرصٌ جميلة لتسعد " سيجعل الله بعد عسرٍ يسرا ".

    ٣- عكس الأمل ؛ الخيبة ، واليأس ، والقنوط ، والقلق ، وكلها ستأخذك للفشل في الحياة والسقوط عدة مرات .

    ٤- تعلّم كيف تبتسم في قمة الألم ، وكيف تجعل دموعك فقط في سجودك ، نعم ، يمكنك أن ترى الأمل حتى في قمة الألم .

    ٥- إن ساعة الحزن التي تعيشها الآن ، ليست هي كلُ حياتك ، هي ساعة أو يوم أو شهر ، ربما بقي من عمرك ٤٠ سنة ، فهل تحكم عليها بالألم أو الأمل ؟

    ٦- هذه أم موسى عليه السلام ترمي طفلها في النهر ، ولكنها تملكُ الثقة بالله ، ويعود لها بعد أيام ، إنه الله الذي يزرعُ الأمل في قلوبِ من يحب .

    ٧- وهذا يونس عليه السلام يمكث في بطن الحوت ، فيحدوه الأمل بالله إلى الخروج ، فهل خيّب الله أمله ؟ " وكذلك ننج المؤمنين " لاتقلق سيحقق الله أملك .

    ٨- يدخل ثلاثة من بني إسرائيل في الغار ، ثم تنطبق عليهم الصخرة فيكون أملهم بالله ، ويدعونه ، فيخرجون ، وهكذا سيخرجك الله من ظلمات الهموم .

    ٩- تصادق مع حياتك حتى لو ذقتُ فيها ألم في الأمس ، فلعله خير ، ولعلك بعد ذلك تغير مسارك وتجدد حياتك وتخطو نحو المسار الصحيح .

    10- عليك بالقرآن فهو كتابُ الأملِ والسعادة ، سيزرعُ القرآنُ فيك كلَ بذور السرور ، قال تعالى " وشفاءٌ لما في الصدور " وقال سبحانه " ألا بذكر الله تطمئن القلوب ".

    ١1- كيف تفقد الأمل ومعك الله ؟ كيف تحزن وربك قريب ممن دعاه ؟ كيف تقلق وربك بيده خزائن السماوات والأرض ؟

    ١2- يا أيها الإنسان ، أنتَ لم تأت للحياة لتبكي وتتجرع الأحزان ، انهض واستشعر معيةَ الله لك ، وقم من مكان الحزن ، واصنع طموحك بكل أمل .

     

    اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى .

    اللهم افتح لنا أبواب الأمل وأغلق عنا أبواب الألم .
    اللهم ارض عنا وتب علينا وتجاوز عنا .

    اللهم اغفر لوالدينا واجعلهم في جنان الخلد .
    اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واحفظه بحفظك يارب العالمين .

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين . 


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    قواعد التعامل مع المصائب

    0:00

    أحكام الإمام والمأموم - 2

    0:00

    المرأة والدعوة إلى الله

    0:00

    الذكاء العاطفي

    0:00

    أعظم مقامات العبادة

    0:00



    عدد الزوار

    4098963

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 90 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1589 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة