• الجمعة 17 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :26 ابريل 2024 م


  • أنذرتكم النار




  • الحمد لله الذي خلق الجنة لمن أطاعة ، وتوعد بالنار لمن عصاه وأعرض عن طريقه .

    أما بعد .

    في زحمة الحياة وفي ظل الانفتاح الكبير على ملهياتِ الدنيا وشهواتها ، تحيطُ بنا الغفلة عن الدار الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم .

    لذا كان من الجميل أن نتذاكر في الوعد والوعيد؛ أن نتعرف على الجنةِ ونعيمها والنارِ وجحيمها .

    أيها الفضلاء ،كلُ واحد منا يحب أن يعيش في دنياه عيشة كريمة ، فيها اللذة والسرور والمتاع الحسن، وقد يحصل على ذلك .

    ولكني أتساءل ألا يحبُّ الواحدُ منا أن يعيشَ في الآخرةِ نعيماً مقيماً في جنات الخلود، وأن ينجو من عذاب الله في النيران التي أعدها الله للمعرضين .

    عباد الله ، سوف نتجول في هذه الساعة في أنواعٍ من الجحيم ، نخوضُ في همومه وعذابه وآلامه ، لا تخافوا فنحنُ نتحدث فقط .

    ولكن إن لم نحذر فقد نعيش بين وسط ذلك الجحيم؛ لأن الموضوع خطير " إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ".

    أما الجحيم الأول :
    فهو تلك اللحظات التي تحيط بقلبك أيها الغافل ، أيها المعرض عن الله، ساعاتٌ من الهم والحزن والألم والندم " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا " .

    إن حياةُ المعرضين مليئةٌ بالهموم والأحزان إنه جحيم يمشي على الأرض ، إنها الذنوب .

    رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوب             وقد يورثُ الذلُ إدمانها
    وترك الذنوبِ حياةُ القلوب             وخير لنفسك عصيانها

    ذلك الذي ينام عن الصلوات يشتكي من قسوة قلبه، يبحثُ عن العلاج فلا يجد ولن يجد إلا في الرجوعِ إلى الله .

    يا من زاد بعده عن الله ماذا وجدت في ذلك البعد؟ يا من يسهر في الشهوات ويسبح في أوحال المخدرات يا ترى ماذا كسبت ؟


    أما الجحيمُ الثاني للغافلين :

    فهو تلك اللحظة التي يفاجئه فيها الموت، الساعة التي يستوي فيها البر والفاجر والملك والمملوك والصغير والكبير؛ ساعةُ الرحيل عن الحياة "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ " ، "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ".

    ساعة الخروج من هذه الحياة ستكون أليمة لأولئك المعرضين الغافلين، هذا ينازع الموت وهو تارك للصلوات ، وهذا يموت وهو مصر على الفواحش .
    وهذا ربما مات وهو عاقٌ لوالديه، وهذا يموت وهو يحتسي شربة خمر أو جرعة مخدر ، إنها لحظاتٌ من الجحيم والألم .

    كم من شاب لما حضرته الوفاة لم يقدر على أن ينطق بالشهادة .

    هذا شابٌ خرج مع زملائه لإحدى الاستراحات وكانوا في الغفلات والشهوات يمارسون المنكرات .
    خرج أحدهم ليُحضر العشاء فأصيب بحادث فلما جاءوا إليه وجدوه في النزع الأخير هو يردد " ماذا أقول له ، ماذا أقول له ؟ فسأله أحدهم : من هو ؟ فقال : الله .

    ما أصعب الموقف ، ما أشد تلك الساعة التي تخرج من الحياة وقد أغضبت ربك .
    نعم ، ماذا تقول لربك يا من عاش بلا نورِ الهداية ؟
    ماذا تقول لربك يا من لعبت بالأموال من حلال ومن حرام ؟
    ماذا تقول لربك يا من عاش في ليالي المعاكسات والملهيات ؟
    ماذا تقول لربك يا من رفضت والديك وأغضبتهما ؟

    أما الجحيم الثالث ، فهو حينما نحملك على الأكتاف للسكن الجديد الذي ستمكث فيه طويلاً ، سوف نذهبُ بك للمقبرة يا أيها الغافل ، وحينها ما هو حالُ جنازتك ؟

    قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا حملَ الرجالُ الجنازة فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت ياويلها أين تذهبون بها ) .

    ياويلها أين تذهبون بها، إنها جنازةٌ غير صالحة، جنازة رجلٍ أو امرأة كانا في إعراض عن الله وعن طاعته ومرضاته .
    إن جنازتك تعرف ماذا ينتظرها في القبر هل هو نعيم أو جحيم ، 
    وبعدما نضع التراب عليك وننفض أيدينا ونغسلها من تراب الدفن، وضعناك في حفرةٍ عميقة والتراب من حولك ومن فوقك ، هناك من لك ؟ من يؤانسك ؟ من يلطف بك ؟ هناك ستذوق جزءً من الجحيم إن كنت من المعرضين عن الله .

    نعم أيها المسلمون لابد أن نخاف من عذاب القبر .

    لقد مروا بجنازة أمام النبي صلى الله عليه وسلم ولحق بها حتى دفنت .
    التفت صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد امتلأت عينه بالدموع وقال : لمثل هذا فأعدوا .

    القبورُ مليئةٌ بالأسرار المحزنة للعصاة .

    لقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فتوقف وقال لأصحابه : إنهما ليعذبان ، يا الله ، لقد سمعَ أصواتَ التعذيب وصرخاتهم ، يارب رحماك .

    هل تعلمون ما هي ذنوب صاحبي القبرين ، أما الأول فكان يمشي بالنميمة والغيبة ، وأما الآخر فكان لا يتنزه من بوله .
    يا الله ، الغيبة جعلته يعذب في قبره ، يا ترى كم نغتابُ نحن في مجالسنا ؟

    لعلنا نعيشُ في ثقةٍ تامة بأننا لن نعذب في قبورنا، وما يدريك يا أيها المغتاب، ربما كان قبرك جحيماً لا يطاق .

    في القبر يأتيك منكر ونكير ، ويسألانك من ربك وما دينك ومن نبيك؟
    نحن نعرف الإجابات الآن ولكن ربما هناك لا يثبتنا الله ونخطئ في الجواب .

    فمن لم يثبته الله سيقول هاه هاه لا أدري .
    ثم يقال له: لا دريت ولا تليت ، ويضرب بمطرقةٍ من حديد يصيح لها صيحة يسمعها كلُ من خلق الله إلا الإنس والجن .
    ويقال له: انظر عن يمينك فتفتح له نافذة للجنة ثم يقال له: هذا مكانك لو أنك آمنت بالله ثم تغلق .
    ثم يقال له انظر عن شمالك فيرى مقعده من النار ويأتيه من سمومها وحرها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ، يا رب رحماك .

    يا أيها الغافل ، هل تظن أن هذه الكلمات من نسجِ الخيال ، أو روايات لتخويفك فقط، إنها آيات وأحاديث نزلت لي ولك لنحذر ونخاف ، ونستعد للقاء الله .

    لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يستعيذُ بالله من عذاب القبر في كل صلاة قبل أن يسلم منها .

    اللهم أيقظنا من الغفلات ، وأعذنا من الجحيم والحسرات .

    -------------------

    الحمد لله ، أيها المسلمون .

    ليس السعيد الذي دنياه تسعده إن السعيد الذي ينجو من النار .

    إن العذاب الكبير والشقاء الذي لا يمكن وصفه حينما يؤخذ بذلك الغافل ويرمى به في نار جهنم " أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".

    شيء عجيب حينما نتصور العذاب في نار جهنم ، وقبل أن نذكر تفاصيل ذلك الألم يجب أن نخاف أن نكون ممن يذوق ذلك العذاب .

    يا ترى من يضمن لك أن لا تكون من حطب جهنم ، نعم نحن نحسن الظن بالله ونرجو رحمته ، ولكن لابد أن نحذر من عذابه .

    لقد ذكر الله تفاصيل العذاب في النار ، فيا ترى لماذا ذكر ذلك؟ هل لمجرد التسلية فقط ؟ لا والله .

    إن من صور العذاب في جهنم:
    أنهم يسحبون إليها سحباً على وجوههم " يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ".

    إن النارَ لها وقود، فمن وقودها " فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ " .

    أنت أيها الغافل ربما تكونُ وقوداً للنار .


    أيها الناس ، هناك نداءات لأهل النار تحملُ في طياتها صوراً من الألم والحزن ولكن بعد ماذا ؟

    النداء الأول : نداء الضعفاء والأتباع لكبرائهم ورؤسائهم الذين أضلوهم .

    " وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ " .

    النداء الثاني : نداءُ أهل النار لخزنة جهنم .
    " وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ".
    يا الله ، إنهم يريدون التخفيف ولو لمجرد يوم ، ولكن هيهات .

    النداء الثالث : حينما ينادون مالِك خازن النار والمسؤل عن تعذيبهم " وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ " نريد أن نموت يا مالِك لقد مللنا من العذاب .

    فيكون الجواب المبكي لهم " قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ " .

    النداء الرابع : وبعد أن بُحت أصواتهم من النداءات لم يبق لهم إلا أن ينادوا ربهم .
    يا الله ، أبعد أن كفر أولئك بالله وكذبوا رسله ينادون  " رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ " ولكن الجواب الأليم يأتي من الجبار " قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ " .

    ومن تفاصيل العذاب في النار :
    لباس أهل النار لهم " فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ  " .

    أهل النار يجدون ألمها من كل مكان من فوق ومن تحت ومن الأمام " لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ " .
    " تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ " .

    وتأمل هنا مشهداً عجيباً " يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ " ما أشد المشهد وما أقوى العذاب ، ذلك الوجه يتقلب على نار تلظى ، يحترق ويحترق ويحترق وفي أثناء ذلك الاحتراق يصيحون ويقولون " يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا " .

    وأما طعام أهل النار وشرابهم " وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ " الغسلين هو صديد أهل النار .

    وهناك طعام آخر ، إنه الزقوم " إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ " .

    قال صلى الله عليه وسلم : ( لو أن قطرة من الزقوم سقطت على أهل الأرض لأنتن عليهم معايشهم ) فكيف بمن تكون طعامه  ، " وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ " .


    وأما الأجواء العامة في النار :

    " وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ " .

    أيها المسلمون ، وبعد هذه الجولة المختصرة في أنواع الجحيم الذي يحيط بالغافلين والمعرضين يا ترى متى تنجو بنفسك من هذا الجحيم ؟ يا ترى متى تتوب أيها الغافل وتستيقظ لما أمامك ، إنها جنة ونار ، إن القضية ليست سهلة .

    إن مستقبلك الأبدي ليس في هذه الحياة القصيرة التي لا تعلم متى تغادرها .
    إن النجاة الكبرى هي في النجاة من عذاب الله ، إنها وصية محب ومشفق ، لقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم " اتقوا النار ولو بشق تمرة ".

    وصيتي لك :
    إن كان لديك ذنبٌ ولازلت مصراً عليه فعليك بالإقلاع عنه من هذا اليوم .
    إن كنت ظلمت أحداً فاتق الله وأعد إليه حقه فربما كان ظلمك سبباً لك في عذاب الله .
    احذر من ترك الصلوات ؛ لأن ذلك يوجب لك النار " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " .

    يا أخي ، كفى شهوات ، إن الشهوات دمار لقلبك وسبباً لسخط ربك .
    وإني لك ناصح ، لا تكن ممن ملأ جواله بالصور والمقاطع والحسابات المحرمة .

    يا أخي ، حاسب نفسك اليوم قبل أن تقف بين يدي الله وربما كنت ممن أغضبت ربك .

    اللهم أجرنا من النار ، اللهم لا تشوي وجوهنا بالنار .
    اللهم تجاوز عن ذنوبنا ، اللهم غفرانك يا غفور .
    اللهم أدخلنا في واسع رحمتك، اللهم مُنّ علينا بالهداية والتوبة الصادقة قبل الممات .
    اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان .
    اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك .
    سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين . 


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    تلاوة من سورة الواقعة

    0:00

    فضل طلب العلم

    0:00

    سورة القيامة 1-11

    0:00

    تأملات من سورة محمد - 2

    0:00

    الزواج والرزق

    0:00



    عدد الزوار

    4160448

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة