• الخميس 19 جُمادى الأولى 1446 هـ ,الموافق :21 نوفمبر 2024 م


  • رسائل في التشبه الممنوع

  •  

    الحمد لله الذي جعل العزة له ولدينه وللمؤمنين.

    الحمد لله القائل " ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ".

    اللهم صل وسلم على النبي الذي كان معتزاً بدينه ومنهجه حتى أتاه اليقين.

    أما بعد، ففي نهار ذلك اليوم مشى الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه على ناقته مسافراً من المدينة النبوية إلى الشام، ولما اقترب من بيت المقدس ليفتحها مرّ على وحلٍ وطين فنزلَ عن ناقته وأخذ نعليه ووضعها على كتفه.

    وكل الحضور من النصارى وغيرهم يشاهدون الخليفة بهذا المنظر، فقال له بعض الصحابة: لو غيرت هذا يا أمير المؤمنين؟ أي لو غيرت لبسك وهيئتك.

    فقال كلمته التي حفظها التاريخ على مر العصور: نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزةَ في غيره أذلنا الله.

    أيها الكرام، إن من أعظم مقاصد الشريعة " تمييز المسلم عن غيره واعتزازه بدينه ومنهجه ".

    قال الله تعالى: " ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ".

    وقال جل وعز: " ثم جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتبعها ولاتتبع أهواء الذين لايعلمون ".

    وقال صلى الله عليه وسلم: الإسلام يعلو ولايعلى عليه " رواه الدارقطني وحسّنه الألباني.

    وإن الناظر في حياة بعض الناس ليجد العجب من تقليدِهم للكفار أو للمبتدعة أو للفساق أو للنساء.

    وحديثي إليكم عن قضايا التشبه التي انتشرت في زمننا، لنرى ماهو الميزان الشرعي لها.

    عباد الله، لقد جاءت الشريعة بنفي التقارب مع المخالفين من الكفار والمبتدعة وغيرهم، وأكدت شريعتنا على وجوب مخالفة طريقة أصحاب الجحيم، وهذا نابعٌ من تميز المسلم بدينه واعتزازه به.

    وتأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم  " من تشبه بقوم فهو منهم " رواه أحمد بسند صحيح.

    إنه حديث جليل القدر، فيه النهي الشديد عنه التشبه بالمخالفين.

    ثم انظر في قوله صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المشركين " رواه البخاري.

    وقوله : " خالفوا المجوس " رواه مسلم.

    وقد أورد أهل العلم نحو مائة دليل في تأصيل مخالفة المشركين.

    ولعل الحديث المشهور يبين لنا حقيقة التشبه الذي سلكه بعض الناس، قال صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سَنَن مَن كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قال الصحابة: اليهود والنصارى؟ قال : فمن. أي فمن يكون غيرهم. رواه البخاري ومسلم.

    أخي المسلم، إن المقلِّد للكفار يشعر بعُقدة النقص، وعنده صفة الانهزامية، ولو وقف هؤلاء على عظمة تشريعات الإسلام، وعرفوا فساد تلك الحضارة التي يركضون خلفها لعلموا أنهم على خطأ، وأنهم تركوا ما هو كمالٌ وحق إلى ما هو نقصٍ وفساد.

    عباد الله، وفي عصرنا نجد:

    - التساهل في حضور أعياد الكفار وتبادل التهنئات بها، مثل الاحتفال بعيد رأس السنة ومايسمى بالكيرسمس وحضور تلك المناسبة وتهنئتهم بها.

    وكل هذا مما جاءت الشريعة بالنهي عنه، قال تعالى في وصف عباده الصالحين  " ولايشهدون الزور ".

    قيل في تفسيرها: المقصود بها أعياد المشركين.

    وقال عمر رضي الله عنه : لاتدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم.

    وقال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرام بالاتفاق.

    - ومن المظاهر التي تحتاج إلى التنبيه: الحذر من التشبه بالكفار في اللباس الذي هو من خصائصهم، ومن ذلك لبس مافيه صليب، أو شعارات الكفر، أو لبس مافيه صور الكفار.

    - ومن ذلك التشبه بهم في تسريحات الشعر وقصاته وهو ظاهر عند بعض الشباب هداهم الله.

    عباد الله، وإن من المحرمات: التشبه بأهل البدع في بدعهم ومخالفاتهم.

    ومن ذلك مانراه في بعض البلاد من تعظيم القبور والغلو فيها تشبهاً بأهل البدع في ذلك وجرياً وراءهم.

    وكلنا يعلم أن الابتداع في الدين مذموم والنصوص التي جاءت بالتحذير من البدع أكثر من أن تذكر ومنها قوله تعالى: " وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا "، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: كلُ محدثة بدعة وكلُ بدعة ضلالة وكلُ ضلالة في النار " رواه الترمذي بسند صحيح .

    فاحذروا معاشر المسلمين من تقليد المبتدعة والتشبه بهم، فإنهم على ضلالة، والخير كله في الاتباع لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وهو القائل " عليكم بسنتي " والقائل " من رغب عن سنتي فليس مني " رواه البخاري.

    معاشر المسلمين، وإن من مظاهر التشبه الممنوع: تشبه الرجالِ بالنساء وتشبه النساءِ بالرجال، وقد جاء الوعيد الشديد من الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري.

    ومن ذلك: مايفعله بعض الشباب من ربطاتٍ للشعر في مؤخرة الرأس ولبس الأساور والسلاسل في الرقبة أو في اليد، ومعلوم أن هذا ليس من فعل الرجال بل من زينة المرأة أن تلبس السلسلة أو الأساور في اليدين.

    ومن مظاهر التشبه المذموم: تقليد الفساق في هيئاتهم وعاداتهم وطبائعهم.

    وكل ذلك مما جاءت نصوص الشريعة بالنهي عنه.

    ومما يتعلق بالنساء نجد أن الله ينهى عن التبرج الذي يحاكي تبرج الجاهلية.

    يقول الله تعالى: " ولاتبرجن تبرج الجاهليةِ الأولى ".

    وانظر في حال بعض الأخوات كيف أنها تجري وراء تقليد الكافرات في الألبسة التي فيها المخالفات الواضحة.

    اللهم ارزقنا الاعتزاز بدينك والسير على نهج كتابك حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا.

    ------

    الحمد لله العلي الأعلى، والصلاة والسلام على النبي الأتقى.

    أيها المسلمون، إن التشبه بالكفار والمخالفين له عدة أضرار ومنها:

    ١ - أن المتشبهِ يُحشر يوم القيامة مع من تشبه به.

    قال الله تعالى : " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ".

    والمراد هنا " أي أشباههم " وفي الحديث الصحيح " المرء مع من أحب " رواه البخاري.

    ٢ - أن التشبه دليل ضعف الإيمان ونقص العزة في نفسك وهذا مما لايصح أن يكون لك أيها المسلم.

    ٣ - ومن أضرار التشبه، أن الكافر حينما يرى أننا نقلده ونسير خلفه فإن هذا يمنعه من الدخول في الإسلام لأنه يرى أننا تنازلنا عن ديننا وسِرنا وراءه.

    أيها الكرام، إننا حينما نحذر من التشبه بالكفار في أعيادهم وعبادتهم وعاداتهم وأخلاقهم إنما نحذر من ذلك؛ لأن هذا أصلٌ من أصول ديننا.

    ولكن هذا لايمنع أن نتشبه بهم في إبداعهم ونجاحهم وتفوقهم.

    وكم نتمنى من أولئك المتشبهين بالكفار أن يقتبسوا من تفوق الكفار في صناعتهم وتميزهم في مجالات الدنيا.

    وإننا حينما نحذر من التشبه بالكفار لايعني هذا أن نظلمهم أو نعتدي عليهم أو نخطئ معهم.

    معاشر المسلمين، كم نتمنى أن نرى من شبابنا ورجالنا تشبهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم في عباداته وأخلاقه ولباسه وآدابه.

    ألم يقل الله " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ".

    كم نتمنى أن نرى شبابنا يتشبهون بالعلماء والصالحين.


    اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك.

    اللهم أصلح شباب ونساء المسلمين.


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    ولقد آتينا لقمان الحكمة

    0:00

    فضل التوحيد

    0:00

    وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه

    0:00

    البلاي ستيشن

    0:00

    صفحات مضيئة من حياة السلف

    0:00



    عدد الزوار

    4970399

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1596 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة