• السبت 19 جُمادى الآخرة 1446 هـ ,الموافق :21 ديسمبر 2024 م


  • مواقف من حياة الصحابة

  •  


    الحمد لله الذي اختار لنبينا أعظمَ رجال، وزكّاهم من فوق سماواته فقال: ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ).

    اللهم صل على نبيك الذي وجدَ من الصحابةِ كلَ الحبَ والتعظيمَ والتضحية حتى قال مدافعاً عنهم " لا تسبوا أصحابي ".

    أما بعد، فيا أيها الفضلاء، إن النظرَ في سير الصحابةِ والتنزهِ في بساتينهم مما يقوي الإيمان.

    لهذا سوفَ نتجولُ اليوم في صفحاتٍ من حياةِ الصحابةُ رضوانُ الله عليهم.

    هم صفوةُ الأقوامِ فاعرِف قَدرهُم         وعلى هُداهُم يا مُوفق فاهتدِ

    إذا ذكر الأصحاب لنبينا فإن في مقدمتهم وسيدهم أبو بكر رضي الله عنه.

    وفي حياته نجد أنه من السبَّاقين للخيرات، ففي ذات يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَن أصبح منكم اليومَ صائماً ؟ قال أبو بكر: أنا.
    ثم قال صلى الله عليه وسلم : مَن تبع منكم اليوم جنازةً ؟ قال أبو بكر : أنا.
    ثم قال صلى الله عليه وسلم : مَن زار منكم مريضاً ؟ فقال أبو بكر: أنا.
    ثم قال صلى الله عليه وسلم : مَن أطعم منك اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر: أنا. رواه مسلم.

    إنه صاحبُ الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار، ورفيقه في الأسفار وهو الذي قدَّم نفسه وماله لله ولرسوله.

    وفي حياة عمر رضي الله عنه، تجدُ الاعتزاز بالدين، حتى قال ابن مسعود: مازلنا أعزَّةً منذَ أسلم عمر، إنه الفاروق الذي إذا سلك طريقاً سلك الشيطان طريقاً آخر خوفاً منه، إنه عمر الذي نصر الله به الدين فبلغت دولةُ الإسلام في عهده مشارقَ الأرضِ ومغاربها.

    وأما في حياة عثمان رضي الله عنه فسوف تلحظ العنايةَ الكبرى بكتاب الله تعالى، وهو القائل : لو طهُرت قلوبنا ما شبعت مِن كلام الله.

    ويا حسرتاه على أولئك الذين هجروا كتاب الله.

    وإن مما يملأُ قلبك حُباً لعثمان ما كان يبذله في سبيل الله مِن ماله؛ لقد قام بتجهيز جيش العسرة، ولقد حفر بئر رومه، لقد وضع أمواله لله بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم فتعجب الرسول صلى الله عليه وسلم وقام يُقلَّب ذلك المال وهو يقول: ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم.

    لله درك في بذلٍ وفي كرمٍ         يا من تلّون فيه الخيرُ ألوانا
    بذلت نفسك للإسلام تنصره       والمالَ ترسلهُ حُباً وقرباناً

    وليسمح لي ذلك التاجر، نعم أخاطبك أنت يا مَن رصيدك في البنك يمتلئ بمئات الألوف، يا ترى متى تبذل مالك لله تعالى؟ 

    سوف تغادرُ الحياة وتترك أموالك يتقاسمها الورثة وربما تخاصموا في المحاكم.

    يا أخي، خصص جزءً من مالك في بناء مسجد، أو المساهمةِ في بناء مسجد، لماذا لا تبني مركزاً إسلامياً في بعض بلاد أفريقيا أو آسيا؟


    وفي حياة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تجد تلك الشجاعة التي تلحفت به، لقد نام مكانَ النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الهجرة، نعم لقد غطّ في نومه والسيوف تحيط بجدران ذلك البيت المتواضع.

    وفي سيرة مصعب بن عمير رضي الله عنه، ترى الهمةَ العالية في الدعوةِ إلى الله تعالى؛ لقد سافر إلى المدينة قبلَ هجرةِ النبي صلى الله عليه وسلم لها وعمره 25 سنة، وكان سبباً بعد الله في دخول الكثير من أهل المدينة في الإسلام.

     

    وفي سيرةِ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه نجد الهمة العالية في الاكتفاء بالنفس وعدم الاعتمادِ على الآخرين، لقد دخلَ المدينةَ فقيراً، وقال للناس: دُلَّوني على السوق، وبدأ مُستعيناً بالله وانطلق في طرقِ أبواب الرزق حتى أغناه الله وبارك له في ماله.

    ومن هنا نبعثُ رسالة لذلك الشاب الكسول، الذي رضي بحاله، الذي ينتظر الفرص ولا يبحث عنها، هيا قم من مكانك، والبس ثياب الجد، وانزل لسوق العمل، وفكَّر جيداً كيف تعفَ نفسك عن الآخرين.

    اقرأ وابحث وتعلَّم قواعد التجارة لتُسعِد نفسك، ولتحفظ ماء وجهك من السؤال، وهذا ليس بمستحيلٍ على مَن استعان بالله، والتاريخ مليء بالنماذج التي بدأت صغيرة ولكنها الآن في اكتفاءٍ مالي جميلٍ.

    معاشر المسلمين، إن تاريخ الصحابة مليء بقصص الطموح والنجاح، فليكونوا قدوة لنا في العمل الصالح.

    وفي تاريخ بلال رضي الله عنه، تقف على قصةِ الصبر والثبات، لقد كان يُجلد ويُضرب وتوضعُ الحجارةُ الحارة على ظهره في صحراء مكة وهو يردد: أحدٌ أحد، إنه الثبات، إنه الصبر في أعلى صوره، وصدق الله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ).

    يا عبد الله يا من جرى عليه البلاء، عليك بالصبر، وجاهد نفسك لتبقى في منازل المؤمنين، وإياك والسقوط، إن البلاء يمحصُ إيمانك، ويرفع درجاتك عند الله تعالى.

    وفي سيرة زيد بن ثابت رضي الله عنه، تلحظ الهمة العالية لدى شباب الصحابة؛ إنه كاتب الوحي، لقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتعلم لغة اليهود فتعلمها في نحو أسبوعين.

    وبعد ذلك وفي زمن أبي بكر يأمره بجمع المصحف فينطلق بكل همة واجتهاد فيجمع المصحف من صدور الرجال ومن الأوراق حتى انتهى من ذلك.

    يا الله، كيف كان شبابُ الصحابة في الاجتهاد في خدمة الدين.

    اللهم ارض عن صحابة نبيك واجمعنا بهم في جنانك يارب العالمين.

    ......


    الحمد لله.


    معاشر المسلمين، لئن كان تاريخُ الرجالِ من الصحابةِ عظيماً فإن في نساء الصحابة من حظيت بمكانةٍ عالية من التميز.

    ونقفُ مع نموذجينِ منهن:

    تعالوا إلى تلك المرأة التي كانت تخدم المسجد وتعتني به، إن التاريخ لم يُسجّل لها أي عمل إلا ذلك العمل الذي ربما نرى أنه من فضولِ الأعمال.

    وفي تلك الليلة تموتُ تلك المرأة وتُنهي الصحابيات تجهيزها ثم يُصلي عليها الصحابة، فلما جاء الصباح يفقدها النبيُ صلى الله عليه وسلم ويسألُ عنها، فيقول الصحابة: لقد ماتت في الليل، فقال: ألا أخبرتموني؟ فقالوا: خشينا أن نزعجك، فقال : دُلَّوني على قبرها فذهب وصلَّى عليها.

    ما أجمل هذا الموقف وهذا الوفاء من النبي صلى الله عليه وسلم لتلك المرأة .

    إن سؤالَ الرسول صلى الله عليه وسلم عنها وصلاتُه عليها يشعركَ بأهمية العناية ببيوت الله.

    واسمحوا لي أيها الفضلاء، أين دورنا في خدمةِ بيوت الله؟ هل نعجز أن تخصص شيء من أموالنا لشراء أو صيانة مايحتاجه المسجد.

    إنها بيوتُ الله، فلماذا لا نعتني بها؟ إن الواحدَ منا ربما اشترى لبيته بعضُ الأثاثِ الذي يكلفه الألوف، ولكنه قد يبخل بمائة ريال يضعها لبيتِ الله.

    ومن قصص نساء الصحابة، فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت دائمة الستر والعفاف، فلما حضرها مرض الموت فكَّرت في حالها وقد وُضعت جثتها على النعش، وأُلقي عليها الكساء، فالتفتت إلى أسماء بنت عميس، وقالت : يا أسماء إني قد استقبحتُ ما يُصنع بالنساء، إنه ليُطرح على جسد المرأة الثوب فيصف حجم عِظامها، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله أنا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة. قالت: ماذا رأيتِ؟

    فدعت أسماء بجريدةٍ نخلٍ رطبة فَحنَتها، حتى صارت مقوّسة كالقُبَّة، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله تُعرف بها المرأة من الرجل، فلما توفيت فاطمة رضي الله عنها جُعل لها مثل هودج العروس.

    وهذا مِن حرصِ فاطمة رضي الله عنها على الستر حتى حين تكون في أكفانها وتُحمل إلى قبرها، حياء بعد مماتها.

    إنه درسٌ لكل مسلمة أن تتمسك بحجابها فهو تاجُ وقارها.

    ---

    اللهم ارض عن صحابة نبيك، اللهم وفقنا للاقتداء بهم، اللهم احشرنا معهم في زمرة النبي صلى الله عليه وسلم.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. 


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    الفرار إلى الله

    0:00

    تلاوة من سورة يس 55-70

    0:00

    مشاهد من يوم القيامة

    0:00

    العدل في نقد الآخرين

    0:00

    غمسة في الجنة

    0:00



    عدد الزوار

    5077596

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 27 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1608 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة