• الجمعة 17 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :26 ابريل 2024 م


  • رسائل للتائبين



  • الحمد لله الذي يحب التوبة والتائبين ، الحمد لله الذي من أسمائه التواب .
    يتوبُ على من تاب، ويفرح بتوبةِ التائبين مع أنه الغنيُ عن العالمين .

    وأصلي وأسلم على سيد التائبين والمستغفرين الذي يقولُ عن نفسه " إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة " .

    أما بعد ، 
    ففي تلك القرية كان هناك رجلٌ يسفكُ للدماء ، قتل تسعةً وتسعين نفساً، إنها سيرةٌ حافلة بالجرائم ، إنه قلبٌ قاسي وتاريخٌ مظلم .

    ولكن مهما كان صاحبُ الخطايا يسبحُ في نهرِ ذنوبه ، فإنه لن يجد متعته في ذلك النهر ، بل إنه يذوقُ ألماً وحزناً وقسوة ً كلما غرقَ في تلك الذنوب .

    نعودُ إلى قصةِ القاتل ، لقد تحرّك في قلبهِ الضميرِ الحي ونطقت الفطرة .

    لقد بدأ يبحثُ ويتساءل عن طريق الهداية ، إنه يبحثُ عن النور، قال للناسِ من حولهِ : من يدلني على التوبة ، من يأخذ بيدي لكي أصلُ إلى الله ؟ فقال الناسُ : هناك رجلٌ عابد .

    نعم لقد اغتروا بمظهر ذلك العابد فظنوا أنه أهلاً لأن يتولى مهمةَ التوجيه والإصلاح في المجتمع ، فانطلق ذلك القاتلُ إليه وكلهُ شوقٌ أن يساعده ذلك العابد في الوصولِ إلى شاطئ التائبين .

    دخل القاتلُ على العابدِ فقال له : أنا قتلت تسعةً وتسعين نفساً وأريد أن أتوب، أريدُ أن يغفرَ لي ربي، فهل لي من توبة؟ فقال ذلك العابد - الذي يجهلُ سعةَ رحمة الله - : ليس لك توبة .

    يا الله ماهذا الجواب ؟ ماهذه الكلمة ؟ عجباً لمن يغلقُ الباب بين العباد وبين ربهم، فما كان من ذلك القاتل إلا أن أخرج سيفه وطعن ذلك العابد فأكمل به المائة .

    ويخرج ويمشي في الطرقات ،كله حزنٌ وألمٌ وندم ، يا ترى من يأخذ بيدي لكي أذوقَ طعمَ الهداية ، من يرشدني حتى أتعرف على ربي الرحيم الرحمن .
    ولازال يسأل الناس من يدلني على التوبة ؟ فيقولون له هناك رجل عالم وسوف يخبرك بما ينفعك .

    فذهب إليه ودخل عليه وكله أملٌ أن يكون ذلك العالم يملكُ مفتاحَ الوصول إلى الله ، فقال القاتل : لقد قتلتُ مائة نفس آخرهم رجلٌ عابد فهل لي من توبة .

    فقال ذلك العالم العارفُ بربه والمدركُ لسعةِ رحمة الله : نعم لك توبة ، أبشر فالله رحيم ورحمن ، ولكن لابد أن تنتقل من قريتك هذه التي كانت سبباً في انحرافك عن الصراط المستقيم إلى قريةٍ أخرى صالحة؛ لأن أهلها سيعينونك على طريقِ التوبة .

    ثم خرجُ ذلك التائبُ القاتل من مجلس العالم وكله فرح وسرور ، نعم إنه مسرور؛ لأنه شعر بأنه وُلد من جديد، لقد أضاء النور في قلبه " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا " .

    يدخل لبيته ويرتبُ متاع السفر ، ثم يخرج من قريتهِ السيئة ويغادر بيئتهِ المليئة بالمنكرات والشرور ، ويرحلُ إلى القرية الصالحة التي سيجدُ فيها الرفقةَ الصالحة .

    ويمشي بخطواتِ الصدق ويسيرُ نحو مركبِ السعادة ، وفي منتصف الطريق يحدثُ مالم يكن في الحسبان ، لقد نزلت به سكرةُ الموت ، وبدأت روحهُ تنازعُ في الخروج ، ولكن ياترى أين سيكونُ مصيره ؟

    فتأتي ملائكةُ الرحمة لتأخذه إلى رحمة الله ومغفرته لأنه رجلٌ تائب وصادق .
    وجاءت في نفس الوقت ملائكةُ العذاب لتقبضَ روحه لأنه رجلٌ قتل مائة نفس ، فهو مجرمٌ من الدرجة الأولى .

    ويحدث الخلافُ بين ملائكةِ الرحمة وملائكةِ العذاب ، وفي تلك اللحظات ، وبينما كان الله يشاهد ذلك المشهد العجيب، مشهد ذلك التائب الذي ترك كل شيء لأجل الله، الذي رحل من وطنه وقريته وذكرياته وتركها لكي يقبلُ الله توبته .

    لقد اطلع الله على صدقِ نيته وصفاءِ سريرته ، فيكون الأمر الرباني أن يبعث لهم ملكاً على صورة آدمي ليضع لهم مقترحاً في التعاملِ مع ذلك الرجل ، فقال المَلَك : قيسوا ما بين البلدين فإن كان أقربُ للقرية الصالحة فلتأخذه ملائكة الرحمة، وإن كان أقربُ للقرية السيئة فلتأخذه ملائكة العذاب.

    وفي أثناء ذلك وبينما الملائكة بدأت تعد بالأشبار لتحسبَ المسافة بين جثة ذلك التائب وبين القريتين ، إذ يكون الأمر الرباني الذي يفوقُ كل قدرات البشر ، فأوحى الله إلى القرية الصالحة أن تقاربي وإلى القرية السيئة أن تباعدي ، يا الله مالذي يجري ؟

    قريةٌ تتحرك من مكانها لإجل ذلك التائب وقريةٌ تتباعد من مكانها حتى لايُعاقب ذلك التائب ، 
    ولازالت الملائكة تعدُ بالأشبار وهي لا تدري ما الذي يحدث للأرض، فوجدوه أقرب للقرية الصالحة بشبر واحد، وتأخذه ملائكة الرحمة لتنقله إلى رحمة أرحم الراحمين .

    ما أعجبها من قصة ، تضعُ ظلالها علينا لنشعر بسعةِ رحمة الله وعظيمِ عفوه .

    لقد نظرَ الله لقلب ذلك القاتل فرأى فيه الصدق في طلب التوبة فقبل الله توبته وعفا عنه وحرك له الأرض ، فسبحانك يارب .

    فيا من أذنب وأساء ، تعال إلى ربك التواب الذي يريد لك الخير " وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ " هذا مع غناه عنا .

    يقول الله في الحديث القدسي " يا ابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي ، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي " .

    يامن ملأ صحيفته بالخطايا تعال واغمس نفسك في نهر التوبة لتُطهِر نفسك من الذنوب والخطايا ، يامن ذاق الألم والضيق في البعد عن الله تعال إلى بستان التوبة لتذوق النعيم والأنس في الرجوعِ إلى الله .

    تعال إلى باب التوبة لكي تفوز بمحبة الله " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ".
    تعال إلى نهر التوبة لكي تغسل ذنوبك " عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ".

    اللهم اجعلنا ممن فرحت بتوبته وبدلت سيئاته إلى حسناته .

    -------------

    الحمد لله ، أيها الفضلاء .

    إن من مداخلِ الشيطان التي يدخلُ بها على بعضِ الناس : التسويفُ في التوبة ، 
    فهذا شابٌ قد أسرف على نفسهِ بالخطايا ، تخاطبه وتذكره بالله لعله أن يعود ولعله أن يصلح مابينه وبين الله ولكنه لايستجيب لك ، ويقول : لازلتُ شاباً ولعلي أتوبُ بعد زمن .

    وما علم أنه ربما لم يكملْ يومه ، وربما مات قبل أن يتوبَ ثم يندم ولكن لاينفعُ الندم " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ".

    فيا أيها الغافل ، انتبه ، كفى طاعةً للشيطان ،كفى تضييعاً للصلوات، كفى بعداً عن الحسنات، كفى سهراً على الآثام ،
    كفى عقوقاً لوالديك، كفى قطيعةً للأرحام، كفى حقداً وحسداً على المسلمين ، كفى تعاملاً بالربا والغش في المعاملات، كفى ظلماً للعُمّال الذين تحت يدك .

    كم في المقابر من رجالٍ ونساء يتنمون لو أنهم تابوا قبل الممات .

    قبورنا تبنى ونحن ماتبنى         ياليتنا تبنا من قبل أن تبنى


    أيها المسلمون ، إن من الخلل أن نظن أن التوبة لا يخاطب بها إلا أصحاب الكبائر والموبقات .

    فالله أمر بها جميع المؤمنين فقال: " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " .

    إن التوبةَ تعني الإقلاعَ السريعَ عن الذنب ، والندمُ على مافات ، والعزمُ على عدم العودة إليه، التوبةُ هي تصحيحّ لمسارك أيها العبد من أن تكون عبداً لهواك لكي تكون عبداً لله تعالى .

    التوبةُ هي أن تترك الذنوبَ الظاهرة والباطنة؛ لأن بعض الناس قد يترك شرب الخمر والسرقة ، ولكنه لايترك الحقد والبغضاء على المسلمين .

    اللهم اجعلنا من التوابين الصادقين، اللهم ارزقنا حلاوةَ الرجوعِ إليك وحسنَ الإنابة إليك، اللهم وفق شبابنا ونساءنا للتوبة .

    اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم خذ بنواصيهم لنور الإيمان، اللهم ثبت قلوبنا على دينك .

    اللهم كن لإخواننا في كل مكان؛ ارحم ضعفهم، اشف مريضهم، يسر أمورهم، اقض ديونهم .

    اللهم احفظ على بلادنا نعمةَ الأمن يارب العالمين، واشمل بها كلَ بلاد المسلمين ياذا الجلال والإكرام .

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    النظافة ومخالفة اليهود

    0:00

    مسائل الجاهلية ( المسألة الثانية والثالثة )

    0:00

    تأملات في سورة الواقعة - 1

    0:00

    فضل الاستغفار

    0:00

    الزواج والرزق

    0:00



    عدد الزوار

    4161012

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة