الحمد لله الذي يحبُ من عبادهِ أن يدعوه، سبحانه هو الغني ونحنُ الفقراءُ إليه، والصلاة والسلام على نبينا وقدوتنا محمد بن عبدالله الذي أرشدنا إلى الدعاء وحثنا عليه.
أما بعد.
أتهزأُ بالدعاءِ وتــزدريهِ وما تدري بما صنعَ الدعاءُ
سهامُ الليلِ لاتخطي ولكن لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ
عباد الله، في هذه الحياة تحيطُ بنا همومٌ وأحزان، تتعسر معاملات، وتتأخر قضايا، يمرض هذا ويتألم ذاك.
يا ترى مَن الذي يكشفُ البلوى، مَن الذي يفرّج الهم، مَن الذي يجيبُ دعوات المضطرين، مَن يا ترى يفتح الأبواب التي أغلقت، مَن الذي ينصر المظلوم، ويزيل الهموم؟
إنه الله تبارك وتعالى، إنه الله القريب المجيب، إنه الله الذي يسمع أصوات المنكوبين ، ويرى دموع المهمومين.
إنه الله الذي أمرنا أن ندعوه فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
الدعاء هو الباب الذي تدخل فيه على الله، حينما تقف بكل خضوع وخشوع عند باب الرحيم الرحمن، الدعاء هو الطريق لزوالِ حزنك وتيسيرِ أمرك.
الدعاء هو العمل الذي يحبه الله منك، بل كلما سألتهُ كلما رفع درجاتك، وفي الحديث " من لم يسأل الله يغضب عليه " رواه ابن ماجه بسندٍ حسن.
بالدعاء دخل أهلُ الجنةِ الجنة ( فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ).
معاشر الكرام، الدعاء هو سنة الأنبياءِ والمرسلين الذين قال الله عنهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
وإذا كان الدعاءُ بهذه المنزلةِ في ديننا فاعلموا أن له آداباً، اذكرها مجملةً كما دلت عليها النصوص:
- فمنها: أن تدعو الله بقلبٍ خاشعٍ وليس كمن يدعو الله وقلبهُ غافل.
ومنها: أن تبدأ دعاءك بالثناءِ على اللهِ وتمجيدهِ، ثم تختارَ الدعاء الذي تحب لأن الله يحب الثناء والمدح قبل أن تدعوه.
- ومِن أدب الدعاء: أن تعترف بخطئك وظلمك لنفسك فهذا آدم عليه السلام وحواء يقولان: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لنكوننّ مِن الخاسرين).
- ومنها: أن تحرص على طيبِ مطعمك مِن الحرام ومِن الشبهات؛ لأنَّ المال الحرام يمنعُ استجابةَ الدعاء.
- ومِن أدب الدعاء: ألا تستعجل الإجابة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : يُستجاب لأحدكم مالم يعجل يقول دعوتُ دعوتُ فلم يُستجب لي. رواه البخاري.
واعلم ياعبد الله أنك حينما تدعو الله فأنتَ بين أمور، فإمّا أن يستجيبَ اللهُ لك، وإمّا أن يصرفَ اللهُ عنك مِن الشر بسبب دعواتك، وإمّا أن يدخر ثوابَ دعواتك ليوم القيامة لتراها حسناتٍ عظيمة.
- ومِن أدب الدعاء: أن تحسنَ الظن بالله وتكونَ على يقين بالله حتى لو لم يستجب لك، وفي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي. رواه البخاري.
وكن على يقين بأن الله أرحم بك مِن نفسك، ولو لم يستجب لك فلعل ذلك لخيرٍ يعلمه الله تعالى، سبحانه هو الحكيمُ العليم، وهو اللطيف الخبير (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ).
- ومِن أدب الدعاء: ألا تدعو على نفسك ولا مالك ولا أولادك كما في الحديث " لاتدعو على أنفسكم ولا أموالكم ولا أولادكم لاتوافقوا من الله ساعة فيستجيب لكم " رواه مسلم.
ومما يلاحظُ على بعضِ الآباءِ والأمهاتِ أنهم في ساعاتِ الغضبِ يدعون على أولادهم، ولذلك أقول: احذر ، فربما استجابَ اللهُ لك فتندم حينها ولاينفعك الندم.
- ومِنها: أن ترفع يديك عند الدعاء، وهذا الأدبُ جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، وفيه يقول صلى الله عليه وسلم " إن الله حييُ ستِّير يستحي مِن عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً " رواه أبو داود بسندٍ حسن ، فسبحانك يارب تستحي منا ونحن أصحابُ الخطايا.
- ومِن أدب الدعاء: استقبالِ القبلة.
- ومِنها: أن تتوضأ قبل الدعاء.
- ومِن أدب الدعاء: أن تدعو للمسلمين معك وألَّا تقتصر على نفسك، فهذا نوح عليه السلام يقول: (ربِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).
وأنتم تعلمون أيها الكرام ما يعانيه إخواننا المسلمون هنا وهناك، فماذا يضيرك ياعبدالله أن تدعو لإخوانك المسلمين وأنت ساجد أو في أي موطن مِن مواطن الإجابة، فلعل دعواتك تساهم في زوال الهمِّ أو تخففه.
معاشر المسلمين، إنَّ مِن الجميل أن نختارَ الأوقات والأحوال التي تُرجى فيها إجابة الدعاء.
- ومنها: السجود فهو مِن أحب المواطن إلى الله، وفي السجود يتحقق الخضوع الكامل لله تعالى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: أقرب مايكون العبد مِن ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء. رواه مسلم.
- ومِن الأوقات الفاضلة: آخر الليل فهو الوقتُ الذي ينزلُ فيه الربُ تبارك وتعالى ويقول : ( هل مِن داع فأستجيبُ له، هل مِن سائلٍ فأعطيه، هل مِن مستغفرٍ فأغفر له ) رواه البخاري.
ياطالبَ الحاجات، أين أنت مِن دعواتِ الليل؟ أين أنت مِن الوقوفِ في ظلامِ الليل في مناجاةٍ ممتلئةٍ بالخشوعِ والدموع.
- ومن الأوقات الفاضلة: بين الأذانِ والإقامة، وفيها يقول صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء بين الأذان والإقامة لايرد ) رواه أبو داود بسندٍ صحيح، فاغتنم تلك الدقائق وارفع يديك لربك الذي يحبُ أن تدعوه.
اللهم اجعلنا ممن دعاكَ فأجبته يارب العالمين.
-------
الحمد لله.
أيها الكرام، اعلموا أنَّ مِن الأوقات والأحوال التي تُرجى فيها إجابة الدعاء.
- الدعاء في آخر ساعةٍ مِن عصر الجمعة، فحريٌ بك ياعبد الله أن تتفرغ في ذلك الوقت مِن أشغالك وتتوضأ وتستقبل القبلة وترفع يديك بالدعاء سواء كنتَ في بيتك أو في مكتبك أو في المسجد، وما يدريك لعل الله أن يجيب دعواتك فتسعد في الدنيا والآخرة.
- ومِن الساعات التي تستجاب فيها الدعوات: حينما تقوم مِن نومك في الليل، قال صلى الله عليه وسلم : ( مَن تعارّ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولاحول ولاقوة إلا بالله، ثم دعا إلا استجيبَ له ، فإنَّ توضأ وصلى قُبلت صلاته ) رواه البخاري.
- ومن الدعوات المُجابة: دعوة المسافر.
- ومِن الدعوات المستجابة: دعوة الصائم حتى يفطر، ودعوته عند فطره.
- ومِن الدعوات المستجابات: دعوة المظلوم، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: واتق دعوةَ المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. رواه البخاري.
ولعلي هنا أذكرك ياعبدالله، أن تحذر مِن دعواتِ أولئك الأشخاص الذين قد لا يجدون لهم ناصراً عليك إلا الله.
احذر مِن ذلك الضعيف الذي أخذتَ ماله أو منعتهَ مِن حقه أو اتهمته بمالم يفعله، احذر ممن يبكي مِن ظلمك ويحترقُ قلبُه بسببك.
لقد قال الله: ( وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ).
تنامُ عينك والمظلومُ منتبهٌ يدعو عليك وعينُ اللهِ لم تنمِ
اللهم استجب لنا الدعوات، اللهم اكشف الهموم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
مواد آخرى من نفس القسم
مكتبة الصوتيات
مسائل يكثر السؤال عنها
0:00
فن الصدقة
0:00
سورة نوح
0:00
فضل العلماء والدعاة
0:00
تلاوة من سورة آل عمران - 110-112
0:00
عدد الزوار
5077596
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 27 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1608 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |