الحمد لله الذي جعل في الليل ساعات تنير القلوب بمناجاته.
والصلاة والسلام على سيد القائمين الذي قام الليل حتى تفطرت قدماه.
أما بعد، فما أجملَ تلك الساعة التي تقومُ فيها من فراشك، تغسلُ فيها وجهك، تستقبلُ القبلة، لتناجي ربك في ظلام الليل.
قيامُ الليل بالصلاةِ والعبادة عملٌ جليل، وهو منهج الصالحين، وزاد المتقين.
قيام الليل هو نهجُ نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قام الليل حتى تفطرت قدماه، ولقد رآه بلال في إحدى الليالي وهو يبكي، فقال له: يارسول تبكي وقد غفر لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : أفلا أكون عبداً شكوراً.
قيامُ الليل طريق لسعادةِ القلب وانشراح الصدر ونور الوجه وسعة الرزق، ولك أن تسأل أهلَ الليل ماذا وجدوا في ليلهم من حلاوةِ الإيمان ولذةِ السرور مع الله تعالى.
معاشر الكرام، ياحسرتاه علينا أن تمضي ساعاتُ الليل من أعمارنا ونحن في غفلة وتقصير عن قيام الليل.
لقد ذكر الله عباده المتقين ومالهم من النعيم فقال (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) ثم ذكر أبرز أعمالهم فقال: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
عجيبٌ شأنهم، لاينامون من الليلِ إلا قليلاً، يتقلبون بين قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ وخضوعٍ وخشوع لربهم القريب المجيب.
يناجون ربهم، يرفعون أيديهم، تجري دموعهم، يستغفرون من ذنوبهم، يخافون من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار.
معاشر الكرام، في آخر الليل يحدثُ الأمرُ الهائل، وهو نزولُ الرب تبارك وتعالى الى السماء الدنيا ليقول هل من داعٍ فأستجيبُ له هل من سائلٍ فأعطيه ، حتى يؤذن الفجر.
ما أجملها من لحظة حينما تقومْ في تلك الدقائق لكي تبثَ شكواك إلى مولاك، تستغفره من ذنوبك، تسأله شفاء مريضك، تدعوه أن يقضي دينك.
يامن فاته قيام الليل، لقد فاتك خير كثير، قال صلى الله عليه وسلم: عليكم بقيام الليل فإنه دأبُ الصالحين قبلكم وقربة إلى الله تعالى ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم .
وقال صلى الله عليه وسلم: أتاني حبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعلم أن شرف المؤمن قيامه في الليل وعزه استغناؤه عن الناس.
أيها الفضلاء، يا من يريد أن يقومَ الليل عليك بأمور ومنها:
١- ادع ربك كثيراً أن يوفقك لقيام الليل فالله لا يصطفي للقيام إلا من أحبهم لمناجاته.
٢- عليك بتقليل الذنوب؛ لأنها أكبرُ سببٍ يمنعك من القيام، وقد قال رجل للحسن البصري : إني أنام وأريد القيام ولكني لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيدتك.
إن الذنوب تحرمك من الطاعات وتجعلها ثقيلةً عليك حتى لو أديتها فربما كانت بلا خشوع ولا حضور قلب.
فيا عبد الله جدِّد توبتك لعلك تحظى بلحظات من مناجاة الله في الليل.
٣- لاتجهد جسدك كثيراً في نهارك حتى يسهل عليك القيام في الليل؛ لأن الجسد له حظه من الراحة والهدوء.
٤- النوم المبكر يعينك على قيام الليل،كفى سهراً وتضييعاً للأوقات في القيل والقال ومتابعة المحرمات، والله لتندمن ندماً شديداً يامن أضاع ليله بلا صلاة ولا مناجاة.
سوف تندم حينما ترى أصحاب الليل وقد فازوا في الآخرة بالدرجات العالية في جنان الخلد.
٥- تذّكر يا عبد الله أن قيام الليل سببٌ لزيادة رصيد حسناتك التي ستنيرُ قلبك وقبرك.
٦- ومما يعينك على قيام الليل أن تقلل طعامك في المساء؛ لأن كثرة الطعام تجلب الكسل والنوم.
٧- انظر في الأحاديث التي جاءت عن نبينا صلى الله عليه وسلم في قيام الليل ثم طالع سير السلف وأخبارهم وحرصهم على قيام الليل، وسوف تشعر بأنك في بعدٍ كبير من سيرتهم وأخبارهم.
٨- مما يعينك على قيام الليل أن تعلم بأن القيام يحتاج إلى نوع من مجاهدة النفس، لأجل الفوز بتلك الأجور العظيمة (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ).
٩- يا من يريد القيام ابدأ بركعات قليلة وداوم عليها وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " أحبُ العملِ إلى الله أدومه وإن قل ".
ولهذ أوصيك أن تبدأ بالوتر قبل النوم بثلاث ركعات ثم تنتقل للقيام في آخر الليل إذا تيسر لك ذلك .
١٠- تذكر أن قيام الليل يخفف عليك طول الوقوف يوم القيامة .
عباد الله، اعلموا أن قيام الليل يجوزُ أن يكونَ في أول الليل وأوسطه وآخره، وأن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بإحدى عشرة ركعة.
ولكن يجوز لك أن تصلي بثلاث وخمس وسبع وتسع، بل يصح أن توتر بركعة واحدة كما ثبت عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
اللهم يسرنا للطاعات وحببها لنا ياذا الجلال والإكرام.
.........
الحمد لله القائل عن عباده الصالحين( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا .
هناك وفي ساعاتِ الظلمةِ التي تحيط بالحياةِ من حولك، وحينما تتعمق في نومك وتذوق لذته، وفي لحظاتِ الأحلام التي تعيشُ تفاصيلها.
هناك وحينما تكونُ الزوجةُ بجانبك، والفراشُ قد التصق بك من كل جانب.
في تلك اللحظات وعبر تلك المساكن التي تمتدُ على هذا الكوكب، هناك في ذلك البيت، في ذلك الكوخ، في ذلك البستان، في ذلك البيت المتهالك.
في تلك الغرفة، في تلك الخيمة، في ذلك الطريق، في ذلك المستشفى، وفي المسجد الحرام، وفي المسجد النبوي، وفي المسجد الصغير والكبير.
في الشتاء حيث الثلوج تتساقط والبرد يلفُّ المكان، في الصيفِ حيث الحرارةِ الملتهبة تملأ تلك الغرف، هناك أناسٌ تأبى جنوبهم أن تبقى على الفراش.
تتجافى جنوبهم، وكأن هناك حدثٌ كبير يجعلها ترفض ذلك الفراش.
تتجافى جنوبهم، رجالاً أو نساءً، شباباً وشيباً، يقومون، يغسلون وجوههم من أثر النوم، لكي تتذوق نفوسهم حلاوةِ السجود.
تتجافى أجسادُهم عن التعلق بالأرض، لتنهض في مناجاةٍ مع فاطر السماوات والأرض.
تتجافى عُيونُهم مِن سكونها، لعل دموعَ الشوق لربها أن تتقاطر عبر تلك الركعات.
تتجافى هُمُومهُم عن قلوبِهم، لكي يبثوها لمولاهم الذي سيكشف تلك الهموم.
تتجافى أيديهم، لترتفع بالقنوتِ لله القريبِ المجيب الذي يستحي من تلك الأيادي التي رفعت في الظلام بين يديه.
تتجافى طُموحاتُهم عن البقاءِ مع ركبِ النائمين، لكي تسير مع قوافلِ المتهجدين.
تتجافى جُنوبُهم وجُوارِحُهم، نعم، كل شيء يتجافى، لقد نزل الربُ إلى السماءِ الدنيا، فأين أصحاب الليل؟
اللهم يسَّر لنا قيام الليل واجعلنا مِن أهله يارب العالمين، اللهم تقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم.
مكتبة الصوتيات
أشراط الساعة - 2
0:00
تأملات من قصة شعيب عليه السلام
0:00
أشراط الساعة الكبرى
0:00
من أجمل الفوائد
0:00
الشرك الأصغر
0:00
عدد الزوار
5077596
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 27 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1608 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |