• الجمعة 17 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :26 ابريل 2024 م


  • تتجافى جنوبهم عن المضاجع




  • الحمد لله الذي جعل في الليل ساعات تنير القلوب بمناجاته والتذلل بين يديه .

    والصلاة والسلام على سيد القائمين والمتهجدين الذي قام الليل حتى تفطرت قدماه .

    أما بعد ، 
    فما أجملَ تلك الساعة التي تقومُ فيها من فراشك ، تغسلُ فيها وجهك، تستقبلُ القبلة ، لتناجي ربك في ظلام الليل .

    قيامُ الليل بالصلاةِ والعبادة عملٌ جليل ، وهو منهج الصالحين ، وزاد المتقين .
    قيام الليل هو نهجُ نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قام الليل حتى تفطرت قدماه، ولقد رآه بلال في إحدى الليالي وهو يبكي ، فقال له : يارسول تبكي وقد غفر لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً ".

    قيامُ الليل سبيلٌ لسعادةِ القلب وانشراح الصدر ونور الوجه وسعة الرزق ، ولك أن تسأل أهلَ الليل ماذا وجدوا في ليلهم من حلاوةِ الإيمان ولذةِ السرور مع الله تعالى .

    معاشر الكرام ، ياحسرتاه علينا أن تمضي ساعاتُ الليل من أعمارنا ونحن في غفلة وتقصير عن قيام الليل .

    لقد ذكر الله عباده المتقين ومالهم من النعيم فقال ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) ثم ذكر أبرز أعمالهم فقال: ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) .

    عجيبٌ شأنهم ، لاينامون من الليلِ إلا قليلاً ، يتقلبون بين قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ وخضوعٍ وخشوع لربهم القريب المجيب .

    يناجون ربهم ، يتوسلون بين يديه ، يرفعون أيديهم ، تجري دموعهم ، يستغفرون من ذنوبهم ، يخافون من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار .

    معاشر الكرام ، في آخر الليل يحدثُ الأمرُ الهائل وهو نزولُ الرب تبارك وتعالى الى السماء الدنيا ليقول هل من داعٍ فأستجيبُ له هل من سائلٍ فأعطيه ، حتى يؤذن الفجر .

    ما أجملها من لحظة حينما تقومْ في تلك الدقائق لكي تبثَ شكواك إلى مولاك ، تستغفره من ذنوبك ، تسأله شفاء مريضك، تدعوه أن يقضي دينك .

    يامن فاته قيام الليل لقد فاتك خير كثير ، قال صلى الله عليه وسلم : عليكم بقيام الليل فإنه دأبُ الصالحين قبلكم وقربة إلى الله تعالى ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم ".

    وقال صلى الله عليه وسلم : أتاني حبريل فقال : يامحمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعلم أن شرف المؤمن قيامه في الليل وعزه استغناؤه عن الناس .

    أيها الفضلاء ، يا من يريد أن يقومَ الليل عليك بأمور ومنها :

    ١- ادع ربك كثيراً أن يوفقك لقيام الليل فالله لا يصطفي للقيام إلا من أحبهم لمناجاته .
    ٢- عليك بتقليل الذنوب؛ لأنها أكبرُ سببٍ يمنعك من القيام ، وقد قال رجل للحسن البصري : إني أنام وأريد القيام ولكني لا أقوم ؟  فقال : ذنوبك قيدتك .

    إن الذنوب تحرمك من الطاعات وتجعلها ثقيلةً عليك حتى لو أديتها فربما كانت بلا خشوع ولا حضور قلب .
    فيا عبد الله جدِّد توبتك لعلك تحظى بلحظات من مناجاة الله في ظلام الليل .

    ٣- لاتجهد جسدك كثيراً في نهارك حتى يسهل عليك القيام في الليل؛ لأن الجسد له حظه من الراحة والهدوء .

    ٤- النوم المبكر يعينك على قيام الليل ،كفى سهراً وتضييعاً للأوقات في القيل والقال ومتابعة المحرمات، والله لتندمن ندماً شديداً يامن أضاع ليله بلا صلاة ولا مناجاة .

    سوف تندم حينما ترى أصحاب الليل وقد فازوا في الآخرة بالدرجات العالية في جنان الخلد .

    ٥- تذّكر يا عبد الله أن قيام الليل سببٌ لزيادة رصيد حسناتك التي ستنيرُ قلبك وقبرك .

    ٦- ومما يعينك على قيام الليل أن تقلل طعامك في المساء؛ لأن كثرة الطعام تجلب الكسل والنوم .

    ٧- انظر في الأحاديث التي جاءت عن نبينا صلى الله عليه وسلم في قيام الليل ثم طالع سير السلف وأخبارهم وحرصهم على قيام الليل ، وسوف تشعر بأنك في بعدٍ كبير من سيرهم وأخبارهم .

    ٨- مما يعينك على قيام الليل أن تعلم بأن القيام يحتاج إلى نوع من مجاهدة النفس ، وتحمل التعب لأجل الفوز بتلك الأجور العظيمة ( وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ) .

    ٩- يا من يريد القيام ابدأ بركعات قليلة وداوم عليها وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " أحبُ العملِ إلى الله أدومه وإن قل ".

    ولهذ أوصيك أن تبدأ بالوتر قبل النوم بثلاث ركعات ثم تنتقل للقيام في آخر الليل إذا تيسر لك ذلك .

    ١٠- تذكر أن قيام الليل يخفف عليك طول الوقوف يوم القيامة .

    عباد الله ، اعلموا أن قيام الليل يجوزُ أن يكونَ في أول الليل وأوسطه وآخره، وأن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ب إحدى عشرة ركعة .

    ولكن يجوز لك أن تصلي بثلاث وخمس وسبع وتسع بل يصح أن توتر بركعة واحدة كما ثبت عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم .

    اللهم يسرنا للطاعات وحببها لنا ياذا الجلال والإكرام .

    .........


    الحمد لله القائل عن عباده الصالحين ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ) .

    هناك وفي ساعاتِ الظلمةِ التي تحيط بالحياةِ من حولك ، وحينما تتعمق في نومك وتذوق لذته ، وفي لحظاتِ الأحلام التي تعيشُ تفاصيلها .

    هناك وحينما تكونُ الزوجةُ بجانبك ، والفراشُ قد التصق بك من كل جانب .
    في تلك اللحظات وعبر تلك المساكن التي تمتدُ على هذا الكوكب ، هناك في ذلك البيت ، في ذلك القصر ، في ذلك الكوخ ، في ذلك البستان ، في ذلك البيت المتهالك .

    في تلك الغرفة ، في تلك الخيمة ، في ذلك الطريق ، في ذلك المستشفى ، وفي المسجد الحرام ، وفي المسجد النبوي ، وفي المسجد الصغير والكبير .

    في الشتاء حيث الثلوج تتساقط والبرد يلفُّ المكان، في الصيفِ حيث الحرارةِ الملتهبة تملأ تلك الغرف ، هناك أناسٌ تأبى جنوبهم أن تبقى على الفراش .

    تتجافى جنوبهم ، وكأن هناك حدثٌ كبير يجعلها ترفض ذلك الفراش .
    تتجافى جنوبهم ، رجالاً أو نساءً ، شباباً وشيباً ، يقومون ، يغسلون وجوههم من أثر النوم ، لكي يغسلوا قلوبهم بحلاوةِ السجود .

    تتجافى حياتهم عن التعلق بالأرض لتنهض في مناجاةٍ مع فاطر السماوات والأرض .

    تتجافى عيونهم من سكونها لعل دموعَ الشوق لربها أن تتقاطر عبر تلك الركعات .

    تتجافى قلوبهم عن الغفلة لكي تتذوق معاني الأنس مع الله الحميد المجيد .

    تتجافى همومهم عن قلوبهم ، لكي يبثوها لمولاهم الذي سيرأف بهم ويكشف همومهم .

    تتجافى أمانيِهم عن التعلقِ بالبشر ليطلقوها في الظلام بصوتٍ مقرونٍ بالبكاء لله اللطيف الخبير .

    تتجافى أيديهم لترتفع بالقنوتِ لله القريبِ المجيب الذي يستحي من تلك الأيادي التي رفعت في الظلام بين يديه .

    تتجافى أقدامهم عن الفراش لكي تقف بكلِ أدبٍ بين يدي الله الكبير المتعال .

    تتجافى طموحاتُهم عن البقاءِ مع ركبِ النائمين لكي تسير مع قوافل المتهجدين .

    تتجافى أجسادهم من غرفِهم المظلمة وتبحث عن النور الذي سيضيء قبورهم .

    تتجافى أرواحهم عن علائق الدنيا لتتصل بالله حيث الحياة الحقيقية في المناجاة بين يديه واستنشاق الروح والريحان من خلال هداياه التي يبثها في الظلام .

    تتجافى جنوبهم وجوارحهم ومقاصدهم ، نعم ، كل شيء يتجافى ، نعم ، لقد نزل الرب إلى السماء الدنيا ، فأين العابدون ؟

    اللهم يسر لنا قيام الليل وحببه لنا واجعلنا من أهله يارب العالمين .
    اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
    اللهم انصر من نصر الدين واخذل كل عدو للمسلمين .
    اللهم وفق ولي أمرنا لما فيه عز الإسلام والمسلمين .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    أسباب صلاح القلوب

    0:00

    الزواج والرزق

    0:00

    تلاوة من سورة الإسراء - 94-100

    0:00

    مراقبة الأبناء

    0:00

    الحقيقة الغائبة

    0:00



    عدد الزوار

    4159789

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة