• الخميس 16 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :25 ابريل 2024 م


  • صنائع المعروف




  • الحمد لله الذي يحبُ الإحسان ، وكتبَ الجنانَ لأهل الرحمةِ والإحسان .

    وأصلي وأسلم على الرحمةِ المهداة ، ذلك النبي كان رحيماً بالضعفاءِ والفقراء، ذلك النبي الذي عاشَ في خدمةِ المحتاجينِ والمساكينِ والبؤساء .

    الجذعُ حنّ إليكَ ياخيرَ الورى             كيفَ النفوسُ إليكَ لاتشتاقُ
    صلّى عليكَ اللهُ مالاحت لنا                شمسُ وما اهتزت بها أوراقُ

    أما بعد .

    ففي ذلك البيت تسكن تلك الأرملة التي ماتَ زوجها ، قد آلمتها السنون ، قلّ مالها ، ضاقت عليها أبوابُ الحياة ، لاتدري كيف تُسكِتُ أطفالها وقد ذرفت دموعهم من المرض وهي لاتجد مالاً لعلاجهم .

    جاءتِ الدراسة ولم يفرح أولادُها بلبسٍ جديد ولا بحقيبةٍ مناسبةٍ للمدرسة .

    يا عباد الله ، الفقراءُ أقوامٌ يسكنون بيننا ، وربما كانوا جيراناً لنا ، ولعلهم يصلون معنا ، ولكن العفافَ أخفى فقرهم وحاجتهم .

    المساكين من جنس البشر يُحبون الطعامَ الجميل واللبس الجديد والحياةَ المناسبة ولكنّ ظروف الحياة باعدت بينهم وبينَ كلِ ذلك ، ونحن قادرون على أن نجعلهم يتذوقون كلَ ذلك .


    أيها الكرام ، 
    إن من عجيبِ عنايةِ الله بالضعفاء أن شرع الزكاة وجعلها من أركان الإسلام وجعلها قرينة الصلاة في عشرات المواضع من كتابه .

    وتولى الله تقسيم المحتاجين لتك الزكاة مما يدل على عناية الشريعة بالمحتاجين؛ إنها شريعة الله ، إنها رحمة من رحمات الله .


    يا عبد الله ، 
    تعال معي لصنائعِ المعروف ، تلك الأعمال الجميلة، التي ترفعك درجاتٍ عند الله .

    صنائع المعروف هي : الإحسانُ للآخرين ، والوقوفُ معهم ، وتفريجُ كرباتهم .

    يا أيها المجتمع ، إن هناك في بلادنا ، وفي مدننا ، وفي قُرانا ، وفي باديتنا ، وفي أحيائنا ، هناك فقراء ، وضعفاء ، ومحتاجين ، ومساكين ، ومعاقين ، وأرامل ، هناك من زاحمته الديون حتى غابت بسمته .

    هناك من لم يجد علاجاً لابنته حتى زادَ مرضها وربما عجّل الموتُ بأخذها لتلك المقبرة، هناك من لايجد فراشاً ينامُ عليه، هناك من لايملك ثلاجةً يضعُ طعامُهُ فيها .

    هناك فتيات فقدن ذلك الأب الذي يرعى حوائجهن فهل يا ترى سأرعاهن أنا أو أنت ببضعةِ ريالاتٍ في كل شهر .

    أيها الكرام ، إن المساهمة في التيسير على المحتاجين عملٌ عظيم ، وقد تواترت النصوص ببيان فضله .

    الله يحبك حينما تتصدق بجزء من مالك لذلك الفقير؛ قال ربي تعالى وتقدس: ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ).

    الصدقة سببٌ للمضاعفة والبركة ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) يرُبي أي يضاعف وينمي ثوابها .

    ياصاحبَ الإنفاق ، لقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ".

    وقال: " من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه ".

    أخي المتصدق ، اجعل نيتك لوجه الله تعالى، لا ليقال متصدق ولا ليقال فلان جواد؛ لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له سبحانه وتعالى .

    أيها المبارك ، داوم على الصدقات ولو على القليلِ منها ، ورسولنا يقول " أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل " ، وما أجمل أن تكفل تلك الأسرة كلَ شهر بمبلغٍ مناسب " ٣٠٠ ريال " مثلاً .

    يكونُ زاداً لهم في شراء بعضِ حوائجهم ، صحيحَ أنه قليلٌ في زمننا هذا ، ولكنه أفضلُ من العدم .

    يا صاحب الإحسان ، احذر أن تُعجب بعملك وتفتخر به؛ لأن العجبَ يحبطُ العمل ، ويجعله يوم القيامة " هباءً منثوراً " ،ةإن الذي وفقك للعمل هو الله ، وهو الذي يسره لك وهو الذي يقبله منك .

    أيها المتصدق ، إن لم يكن لديك المال ، فلديك الابتسامة ، وأنت تملك تلك الكلمةَ الطيبة التي ربما كانت خيراً من أموالك، فابعث للفقراءِ بسمتك ، واهمس إليهم بجميلِ كلماتك .

    لاخيلَ عندك تهديها ولا مال         فليسعد النطقُ إن لم يُسعد الحال

    أخي المتصدق ، ابدأ بالأقربين من المحتاجين ، والديك ، إخوتك وأخواتك ، فإن كانوا من ذوي الحاجة والمسكنة فهم أولى من غيرهم ، وأما إن كانوا ميسوري الحال فانطلق نحو الفقراءِ .

    أيها المبارك ، اعلم أن الصدقة بوابةٌ للشفاء من الأمراض والأحوال ، قال صلى الله عليه وسلم " داوو مرضاكم بالصدقة " حسنه الالباني .

    وكم من مريضٍ تعافى بعد صدقةٍ لم يعلم بها أحد إلا الله، والقصص في هذا الباب متواترة ومشهورة .

    يا أيها المحسن ، أبشر بالزيادةِ في مالك ، قال ربنا تبارك وتقدس ( وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) .

    فإياك أن تظن أنك خسرتَ بعض مالك حينما تصدقت به ، أقول لك واللهِ إنك ربحت كلَ الربح لما تصدقتَ به .

    أخي الكريم ، تأكد أن مالك يسبقك إلى الآخرة لتجده نوراً هناك ، قال تعالى: ( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ) .

    هيا لا تبخل ، أنفق هنا لتراه هناك وفي جنان الخلد .

    يا عبدالله ، الصدقات سببٌ لفتح أبوابِ الرزق لك من حيث لا تحتسب .

    كم من رجلٍ أنفق مالاً يسيراً ولكنّ الله عوضه بأموالٍ وتجارات لم تكن تخطر على باله؛ إنه التعامل مع الله .

    أيها الباذلُ لماله ، إن المال الذي تدفعه للفقير ، إن المنتفعَ به في الحقيقة هو أنت قال تعالى: ( وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .

    أيها المتصدق ، كن حذراً من بعض رسائل الجوال التي تطلب منك الصدقة وبعضهم قد يضعُ رقم حسابه ، ولربما كان حساباً عليه تحفظاتٌ أمنية .

    أيها الكريم ، إن الله شكور وسوف يشكرك على إحسانك هذا ، وتذكر قصةَ المرأة التي رأت كلباً يلهث فنزلت في بئرٍ وسقته قطراتٍ من الماء فشكر اللهُ لها وغفر لها .

    يا الله ، لقد غفر الله لها ذنبَ الزنا الذي هو من كبائر الذنوب، فكيف سيكونُ شكرُ الله لمن يرعى اليتيم ويطعمُ الفقير من المسلمين .

    يا عبد الله ، الصدقات تشرح صدرك ، وتسعد قلبك، واسأل ذاك الذي تعود على العطاء .

    قال أحدهم : عشنا وكنا نظن أن السعادة في الأخذ فاكتشفنا أنها في العطاء .

    وإذا كانت صدقتك سبباً في انشراح صدر ذلك المحتاج وارتسام البسمة على محياه فأبشرك بأن الله سيكافئك بنفس فعلك ( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ ) .

    يا عبدالله ، إن الصدقة تجعلك ممن يفوزُ بظل العرش الذي يكونُ يومُ القيامة ، ذلك اليوم الذي تندو فيه الشمس على قدر ميل ، ويكونُ الناسُ في العرق على قدر ذنوبهم .

    وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لاظل إلا ظله ، قال صلى الله عليه وسلم : " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلمَ شمالهُ ماتنفقُ يمينه ".

    عجيبةٌ تلك الصدقة ، قال صلى الله عليه وسلم " كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة ".

    أيها الفضلاء ، إن الإحسان وبذل المعروف لايقتصر على المال فقط ، بل إن من أنفع صور الإحسان ، الإحسان بالجاه ونفع الناس ، وقضاء حوائجهم من خلال الشفاعة الحسنة.


    اللهم اجعلنا من أهل المعروف ، واجعلنا من أهل الإحسان .

    ---

    الحمد لله وكفى .

    معاشر المسلمين ، هذا نداء لذلك البخيل ، الذي لايعرفُ بيوتَ الفقراء ، ولم يتذوق حلاوةَ العطاء ، ذلك البخيل الذي يمسكُ مالهُ بحجةٍ أن الزمن تغير وأن الغلاء قد عمّ وانتشر .

    أيها البخيل لقد حرمتَ نفسك ألواناً من البركات ، وأنواراً من الحسنات، يا من بخل بمالهِ ، ماذا تقول لربك حينما يسألك عن جارك الذي ربما لم يذق طعاماً منذ أيام ؟

    ماذا تقول لربك الذي رزقك بألوانٍ من الرزق، وأنت البخيل الذي ربما قصرت في زكاتك الواجبة فضلاً عن الصدقات .

    معاشر المسلمين ، إن مما يُحزن أن يسافر ذلك الرجلُ بأسرته لتلك الدولة وربما أنفق نحو عشرين وثلاثين ألف في سياحةٍ وترفيه ، ولكن حينما تخاطبه عن أسرةٍ بحاجةٍ لسداد فاتورة كهرباء ب ٥٠٠ ريال إذ به يتغير وجههُ ويعتذرُ بأنه لايملك شيء ويقول عندي ظروف .

    يا أخي بارك الله لك في أهلك ومالك ، ولكن صدقني أن صدقتك هذه هي التي تبقى لك وليس ما أنفقته هنا وهناك .

    ويحزُنك أن تجد من يدفع مبلغً طائلاً في تغيير أثاث بيته ، وربما أنفق نحو السبعين ألف ، ولكنه يعتذرُ عن شراءِ مكيفٍ أو ثلاجةٍ لتلك الأسرة الفقيرة .

    أخي المبارك ، أين رحمتك ؟ أين قلبك ؟ ماهذه القسوة التي تحيط بك ؟ متى يلين قلبك لأولئك الضعفاء ؟

    إن رحمة الله لك مقرونة برحمتك لهم " والراحمون يرحمهم الرحمن ".

    اللهم ارحم المتصدقين والمتصدقات ، وبارك لهم في أموالهم وأهليهم، اللهم من أنفق على المحتاجين فأنفق عليه وتولّ أمره يارب العالمين .

    اللهم سخرنا لخدمة الفقراء والضعفاء واحشرنا في زمرتهم يارحمن، اللهم لاتجعلنا ممن بخل عن آبواب الخيرات .

    اللهم اشرح صدور التجار لرعاية الفقراء والإحسان إليهم، اللهم احفظنا من الفتن ماظهر منها ومابطن ، اللهم كن لعبادك الضعفاء والمحتاجين في كل مكان .

    اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك .

    اللهم صلِ وسلم وبارك على نبينا محمد .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    فضل العلماء والدعاة

    0:00

    الموت والوقوف بين يدي الله تعالى

    0:00

    ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة

    0:00

    قصة إسلام نصراني وملحد

    0:00

    معالم تربوية حول المال

    0:00



    عدد الزوار

    4158641

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة