الحمد لله الذي جعل النجاة في الآخرة لمن كان قلبُه سليماً، فقال جل وعلا: ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ).
والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كان يملكُ قلباً سليماً، وكان يملك روحاً تحب العفوَ والمسامحة .
معاشر المؤمنين .
إن من الناس من يحملُ في قلبهِ الغل والحقد والحسد، وفي نفس الوقت هناكَ قلوبٌ لا تعرف الانتقام ولا البغي ولا العدوان .
هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يخرج للطائف لدعوتهم إلى دين الله وتوحيده ولكنهم رفضوا دعوته واستكبروا عنها بل وجعلوا الأطفال والمجانين يرجمونه بالحجارة .
ثم يسيرُ بهمومه وحزنه ولايدري أين تذهب به الخطا ولا يفيقُ إلا بعد عشرات الكيلوات .
سار بجسدٍ تتقاطر منه الدماء ولك أن تتخيل ذلك النبي المختار يسير، والدماءُ تسيل من تلك الأقدام التي خرجت لله ولنصرة دينه .
في تلك اللحظات إذ بمَلَك الجبال ينزل من السماء ومعه سيّد الملائكة جبريل عليه السلام .
يسلم جبريل على نبينا محمد ويقول : إن الله قد سمع قول قومك لك وماردوا عليه وهذا ملك الجبال إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين أي الجبلين فتنتهي قرية الطائف في تلك اللحظة .
يا ترى هل رسولنا في هذه اللحظة تذكر الخطأ وتذكر الدماء التي تسيل منه ؟ أم أنه نظر إلى جانب الرحمة والعفو والتفاؤل.
إن رسولنا كان يملك روحاً ترفرف نحو العلا وتحب العفو وتنظر للأمل فكان الجواب من رسولنا : لا . لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً . رواه مسلم .
أيُّ قلب كان يملك صلى الله عليه وسلم ؟ إنه العفو وسلامة القلب .
أحبتي ، في مجتمعاتنا نحتاجُ إلى سلامة القلب والتدرب على العفو .
في بيتك أيها الزوج ، لماذا تنتقم من زوجتك لأجل كلمةٍ عابرة أو خطأ فطري ، لماذا تُرسل كلماتك الجارحة على ولدك بسبب زلةٍ قادتهُ لها طفولته أو مراهقته .
أيها الأب ادخل لبيتك وأنت تحمل العفو لتوزعه على أسرتك .
ما أجمل العفو ، خُلقٌ راقي يضعُ لك محبةً في القلوب .
نحتاجُ العفو في أوساط الأقارب والأرحام ، هذا عمك وخالك وهذه عمتك وخالتك وهذه أختك وهذا أخوك كلهم من البشر الذين تقع منهم الزلة ، فهل ياترى يجدون منك عفواً ومسامحةً ؟
في تعاملك مع الموظفين تحت إدارتك ، سوف ترى منهم زللاً ، فهل سيرون منك عفواً ؟
نحتاج العفو مع الجار الذي قد يصدر منه أو من أولادهِ بعض الخطأ .
ومع أصدقائك لابد من العفو، فهذا ربما نسي موعداً معك وربما تأخر عليك ، ولعله يخطىء في كلمةِ مزاحٍ معك ، وربما تجاهل بعض الأمور التي تحبها ، ولعله لم يسدد القرض الذي منحته إياه قبل مدة .
يا أيها المحب هل تحب من الناس أن يعفو عنك حينما تخطئ عليهم ؟
فكذلك الناس يحبون أن تعفو عنهم .
إن العفو عن الناس طريق للجنة الغالية فاسلك هذا السبيل، وحينما نتأمل أوصاف أهل الجنة التي ذكرها الله تعالى : نجد منها : ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .
عباد الله ، إن من أسماء الله تعالى " العفو " والله عفا ولا يزال يعفو عن كثيرٍ من عباده .
" يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لاتشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ". رواه الترمذي بسند صحيح .
معاشر المؤمنين ، هيا بنا إلى بعض صور العفو عند نبينا صلى الله عليه وسلم :
عن أنس- رضي الله عنه- قال : كنت أمشي مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فأدركه أعرابي فجبذه جبذةً شديدة فنظرت إلى صفحة عنقه اليمنى، وقد أثرت بها حاشية البردة من شدة جذبته، فقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء . رواه البخاري .
ما أعجب أخلاق هذا الرسول الكريم ، يبتسم لمن يخطئ عليه .
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه يقول : كأني أنظر إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
وكذلك كان العفو من هدي الرسل الكرام ؛ فهذا نبي الله يوسف عليه السلام الذي حسده إخوته وألقوه في البئر، ونال منهم ألواناً من الأذى ثم يقول لهم بعد أن منّ الله عليه بالتمكين في الأرض : ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) .
يا سبحان الله ، يعفو عن إخوته الذين حاولوا قتله ، وبعضنا يغضب على إخوته ويقطع التعامل معهم لسنوات لإجل خلافٍ دنيوي .
ياكرام ، ليكن العفو هو منهجنا وطريقنا .
لنكن من أصحاب القلوب الكبيرة التي يسجل التاريخ قصتها على صفحاتٍ من ذهب .
تأكدوا يا فضلاء أنه من عفا عفا الله عنه ، ومن صفح صفح الله عنه ، ومن غفر غفر الله له .
اللهم ارزقنا قلوباً سليمة تعفو عن الآخرين .
---------
الحمد لله القائل : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ) .
الحمد لله القائل: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) .
معاشر المؤمنين ، في مجتمعاتنا ألوانٌ من الخلافات وهذه من طبيعة الحياة .
ولكن ليست المشكلة في هذه الخلافات ، إنما الخلل في ما يترتب بعدها من النزاع والشقاق بين المؤمنين .
هذا يختلف مع قريب له لأجل قطعة أرض فيترك السلام عليه وزيارته شهوراً بل وسنوات ، وهذا يخاصم أخته ويهجرها سنوات بسبب خلاف في وجهات النظر حول مواضيع لا تستحق .
وبين الزوجين يدخل الشيطان ويحدث الخلافات ويغيب العفو بينهما ويزداد القلبُ قسوةً وانتقاماً ، بل ربما وقع الطلاق نتيجةً لاختلاف وجهات النظر حول بعض صغائر الأمور .
أيها الكرام ،كم نحن بحاجةٍ إلى أن نتربى على العفو وقبول العذر وسلامة القلب .
كم نحن بحاجة إلى كلمة " آسف " في حياتنا ، لعل الحب أن يعود ولعل شجرة المودة أن تنمو ولعل حبال الوصل أن تشتد .
إن بعض الناس يرى أن الانتقامَ شجاعةً ورجولة وأن العفو ضعف ومهانة ، لا والله ، فالعفو هو خلق الأنبياء والمرسلين وهدي العلماء والصالحين ، ومن عفا فهو حري بأن يعفو الله عنه .
قال تعالى: ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ).
هيا يا عبد الله عاهد نفسك على أن تدخل في بستان أهل العفو .
أيها الوالد اعف عن ولدك ولاتطرده من حنانك .
أيها الزوج اعف عن زوجتك وارجع لها ، وحتى لو وقعت طلقة فلعلك تعود وتمسح خطايا الماضي .
أيها الصديق عد لأحبابك واعف عنهم وتجاوز عن ما اقترفته أيديهم .
أيها المدير اعف عن موظفك الذي أخطأ معك قبل أيام .
أيها الكفيل اعف عن العامل الذي تحت يدك واقبل عذره لعل الله أن يعفو عنك .
إنك بعفوك تزداد رفعةً عند الله وعند الناس .
وفي الحديث الصحيح " وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزاً " رواه مسلم .
اللهم ارزقنا قلوباً سليمة تحب العفو وتبادر إليه ، اللهم اعف عنا وعن والدينا وجميع المسلمين .
اللهم أعز دينك ، وانصر عبادك ، اللهم كن للمسلمين المستضعفين في كل مكان .
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى .
مكتبة الصوتيات
قلبك.. ماذا فيه ؟!
0:00
همسات للشباب
0:00
سنن مهجورة
0:00
أحكام صلاة الجمعة - 1
0:00
سورة فصلت
0:00
عدد الزوار
4154668
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة |