• الاربعاء 15 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :24 ابريل 2024 م


  • سلامة القلب

  •  

    الحمد لله الذي جعل النجاة في الآخرة لمن كان قلبُه سليماً، فقال جل وعلا: ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ).

    والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كان يملكُ قلباً سليماً، وكان يملك روحاً تحب العفوَ والمسامحة .


    معاشر المؤمنين  .

    إن من الناس من يحملُ في قلبهِ الغل والحقد والحسد، وفي نفس الوقت هناكَ قلوبٌ لا تعرف الانتقام ولا البغي ولا العدوان .

    هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يخرج للطائف لدعوتهم إلى دين الله وتوحيده ولكنهم رفضوا دعوته واستكبروا عنها بل وجعلوا الأطفال والمجانين يرجمونه بالحجارة .

    ثم يسيرُ بهمومه وحزنه ولايدري أين تذهب به الخطا ولا يفيقُ إلا بعد عشرات الكيلوات .
    سار بجسدٍ تتقاطر منه الدماء ولك أن تتخيل ذلك النبي المختار يسير، والدماءُ تسيل من تلك الأقدام التي خرجت لله ولنصرة دينه .

    في تلك اللحظات إذ بمَلَك الجبال ينزل من السماء ومعه سيّد الملائكة جبريل عليه السلام .

    يسلم جبريل على نبينا محمد ويقول : إن الله قد سمع قول قومك لك وماردوا عليه وهذا ملك الجبال إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين أي الجبلين فتنتهي قرية الطائف في تلك اللحظة .

    يا ترى هل رسولنا في هذه اللحظة تذكر الخطأ وتذكر الدماء التي تسيل منه ؟ أم أنه نظر إلى جانب الرحمة والعفو والتفاؤل.

    إن رسولنا كان يملك روحاً ترفرف نحو العلا وتحب العفو وتنظر للأمل فكان الجواب من رسولنا :  لا . لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً . رواه مسلم .

    أيُّ قلب كان يملك صلى الله عليه وسلم ؟ إنه العفو وسلامة القلب .

    أحبتي ، في مجتمعاتنا نحتاجُ إلى سلامة القلب والتدرب على العفو .

    في بيتك أيها الزوج ، لماذا تنتقم من زوجتك لأجل كلمةٍ عابرة أو خطأ فطري ، لماذا تُرسل كلماتك الجارحة على ولدك بسبب زلةٍ قادتهُ لها طفولته أو مراهقته .

    أيها الأب ادخل لبيتك وأنت تحمل العفو لتوزعه على أسرتك .

    ما أجمل العفو ، خُلقٌ راقي يضعُ لك محبةً في القلوب .

    نحتاجُ العفو في أوساط الأقارب والأرحام ، هذا عمك وخالك وهذه عمتك وخالتك وهذه أختك وهذا أخوك كلهم من البشر الذين تقع منهم الزلة ، فهل ياترى يجدون منك عفواً ومسامحةً ؟

    في تعاملك مع الموظفين تحت إدارتك ، سوف ترى منهم زللاً ، فهل سيرون منك عفواً ؟

    نحتاج العفو مع الجار الذي قد يصدر منه أو من أولادهِ بعض الخطأ .

    ومع أصدقائك لابد من العفو، فهذا ربما نسي موعداً معك وربما تأخر عليك ، ولعله يخطىء في كلمةِ مزاحٍ معك ، وربما تجاهل بعض الأمور التي تحبها ، ولعله لم يسدد القرض الذي منحته إياه قبل مدة .

    يا أيها المحب هل تحب من الناس أن يعفو عنك حينما تخطئ عليهم ؟

    فكذلك الناس يحبون أن تعفو عنهم .

    إن العفو عن الناس طريق للجنة الغالية فاسلك هذا السبيل، وحينما نتأمل أوصاف أهل الجنة التي ذكرها الله تعالى : نجد منها : ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .

    عباد الله ، إن من أسماء الله تعالى " العفو " والله عفا ولا يزال يعفو عن كثيرٍ من عباده .

    " يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لاتشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ". رواه الترمذي بسند صحيح .


    معاشر المؤمنين ، 
    هيا بنا إلى بعض صور العفو عند نبينا صلى الله عليه وسلم :

    عن أنس- رضي الله عنه- قال : كنت أمشي مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فأدركه أعرابي فجبذه جبذةً شديدة فنظرت إلى صفحة عنقه اليمنى، وقد أثرت بها حاشية البردة من شدة جذبته، فقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء . رواه البخاري .

    ما أعجب أخلاق هذا الرسول الكريم ، يبتسم لمن يخطئ عليه .

    وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه يقول : كأني أنظر إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .

    وكذلك كان العفو من هدي الرسل الكرام ؛ فهذا نبي الله يوسف عليه السلام الذي حسده إخوته وألقوه في البئر، ونال منهم ألواناً من الأذى ثم يقول لهم بعد أن منّ الله عليه بالتمكين في الأرض : ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) . 

    يا سبحان الله ، يعفو عن إخوته الذين حاولوا قتله ، وبعضنا يغضب على إخوته ويقطع التعامل معهم لسنوات لإجل خلافٍ دنيوي .

    ياكرام ، ليكن العفو هو منهجنا وطريقنا .

    لنكن من أصحاب القلوب الكبيرة التي يسجل التاريخ قصتها على صفحاتٍ من ذهب .
    تأكدوا يا فضلاء أنه من عفا عفا الله عنه ، ومن صفح صفح الله عنه ، ومن غفر غفر الله له .

    اللهم ارزقنا قلوباً سليمة تعفو عن الآخرين .

    ---------

    الحمد لله القائل : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ) .

    الحمد لله القائل: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) .

    معاشر المؤمنين ، في مجتمعاتنا ألوانٌ من الخلافات وهذه من طبيعة الحياة .

    ولكن ليست المشكلة في هذه الخلافات ، إنما الخلل في ما يترتب بعدها من النزاع والشقاق بين المؤمنين .

    هذا يختلف مع قريب له لأجل قطعة أرض فيترك السلام عليه وزيارته شهوراً بل وسنوات ، وهذا يخاصم أخته ويهجرها سنوات بسبب خلاف في وجهات النظر حول مواضيع لا تستحق .

    وبين الزوجين يدخل الشيطان ويحدث الخلافات ويغيب العفو بينهما ويزداد القلبُ قسوةً وانتقاماً ، بل ربما وقع الطلاق نتيجةً لاختلاف وجهات النظر حول بعض صغائر الأمور .

    أيها الكرام ،كم نحن بحاجةٍ إلى أن نتربى على العفو وقبول العذر وسلامة القلب .

    كم نحن بحاجة إلى كلمة " آسف " في حياتنا ، لعل الحب أن يعود ولعل شجرة المودة أن تنمو ولعل حبال الوصل أن تشتد .

    إن بعض الناس يرى أن الانتقامَ شجاعةً ورجولة وأن العفو ضعف ومهانة ، لا والله ، فالعفو هو خلق الأنبياء والمرسلين وهدي العلماء والصالحين ، ومن عفا فهو حري بأن يعفو الله عنه .

    قال تعالى: ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ).

    هيا يا عبد الله عاهد نفسك على أن تدخل في بستان أهل العفو .

    أيها الوالد اعف عن ولدك ولاتطرده من حنانك .

    أيها الزوج اعف عن زوجتك وارجع لها ، وحتى لو وقعت طلقة فلعلك تعود وتمسح خطايا الماضي .

    أيها الصديق عد لأحبابك واعف عنهم وتجاوز عن ما اقترفته أيديهم .

    أيها المدير اعف عن موظفك الذي أخطأ معك قبل أيام .

    أيها الكفيل اعف عن العامل الذي تحت يدك واقبل عذره لعل الله أن يعفو عنك .

    إنك بعفوك تزداد رفعةً عند الله وعند الناس .

    وفي الحديث الصحيح " وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزاً " رواه  مسلم .

    اللهم ارزقنا قلوباً سليمة تحب العفو وتبادر إليه ، اللهم اعف عنا وعن والدينا وجميع المسلمين .

    اللهم أعز دينك ، وانصر عبادك ، اللهم كن للمسلمين المستضعفين في كل مكان .

    اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى .

     


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    قلبك.. ماذا فيه ؟!

    0:00

    همسات للشباب

    0:00

    سنن مهجورة

    0:00

    أحكام صلاة الجمعة - 1

    0:00

    سورة فصلت

    0:00



    عدد الزوار

    4154668

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة