• الجمعة 19 رَمَضان 1445 هـ ,الموافق :29 مارس 2024 م


  • حاجتنا للتأني



  • الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على خليل رب العالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين .

    أما بعد .

    معاشر المسلمين .

    إن من أجملِ الصفاتِ التي جعلتِ الناجحين في مقدمةِ الركب " التأني والرفق " وعكسُ ذلك ( الاستعجال ) الذي يتسببُ في فشلِ أكثر الأعمال .

    وفي الحديث: ( التأني من الله والعجلة من الشيطان ) رواه الترمذي بسند حسن .

    فتأمل كيف جعل التأني من الله , أي من توفيقه ومنته وهذا دليل على محبته للتأني .

    وحتى نكونَ أكثرَ واقعية دعونا نتجول في صور التأني .

    أولاً :

    التأني في أداء العبادات يعينُ على إتقانها ، فالتأني في الوضوءِ يجعلُ وضُوءك صحيحاً ويصلُ الماء لكل عضو . وهو مايسمى بإسباغ الوضوء .

    والتأني في ذهابك للمسجد مما يحبه الله .

    قال صلى الله عليه وسلم : إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة ". رواه البخاري .

    والتأني في أداءِ الصلاة يجعلك تشعرُ بالطمأنينةِ والخشوعِ فيها ، وعكسُ ذلك السرعة في أداء الصلاة يمنعُ صحة صلاتك .

    جاء في الصحيح أن رجلاً دخل المسجد وصلى مسرعاً ثم سلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ارجع فصل فإنك لم تصل ، ثم رجع فصلى ، فأعاد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أخبره بصفة الصلاة الصحيحة التي رأسها " الطمأنينة ".

    وفي الحديث الآخر : أسوأ الناسِ سرقة الذي يسرقُ من صلاته فتعجب الصحابة وقالوا : وكيف يسرق من صلاته ؟

    فقال : لايتم ركوعها ولاسجودها .

    وفي أداء العمرةِ يستعجلُ بعضُ الناسِ أداء العمرة ، وقد يكونُ متعباً من السفر فيؤديها بطريقة فيها نوع من الإسراع .

    ولو أنه نام قليلاً واستراح من عناء السفر ثم اعتمر بعد ذلك لكان خيراً له وأدعى لأن تكون عمرته فيها الخشوعُ وحضورِ القلب .

    ومن صور التأني :

    التأني في اختيارِ الزوجة ، أليس سبباً في نجاحِ الحياةِ الزوجية ؟

    نعم لقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم وقال : فاظفر بذات الدين تربت يداك . رواه البخاري .

    وقال : الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة . رواه مسلم .

    إنكم تعلمون أيها الفضلاء بخطر الطلاق الذي بات يهددُ مجتمعنا .

    أليس الاستعجالُ في اختيارِ الزوجةِ سبباً في ذلك ؟

    كم من زوجٍ استعجل في الاختيار وإذ به يتفاجأ بأن زوجته على تقصير واضح في الصلاة أو لعل أخلاقها بعيدةً كل البعد عن الأخلاقِ التي تسعده .

    نعم ، نحن لانطلب الكمال في النساء ولكن التأني والبحثَ بهدوء يعينك على اختيار الفتاة التي تسعدك في مستقبلك وتكونُ خيرُ معينٍ لك في مسيرة الحياة .

    ومن مجالات التأني :

    التأني في اختيار الزوج ، وهذه مسؤليتك يا ولي الأمر ، أيها الأب وأنت أيها الأخ الأكبر .

    إن ابنتك أو أختك سوف تنتقل من بيتكم الذي عاشت فيه معاني الحب والاحترام والكرم إلى بيتٍ آخر ، سوف تنتقل ابنتك لتقضي نحو خمسينَ سنة مع شخص جديدٍ عليها .

    أنت الذي يملك القرار في الاختيار .

    نعم لاشك أن الفتاة تشاركُ في الاختيار ولكنها ربما جهلت بعضَ الصفات في ذلك الشاب المتقدم لها .

    يا فضلاء .

    إن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير . رواه الترمذي بسند صحيح .

    لقد وقفتُ على عشراتِ المشكلات عند الفتيات فوجدتُ أن أكبرَ سبب ، أن والدها لم يتأنَ في اختيارِ الزوج ، بل زوجها مباشرة .

    يا أخي ربما كان ذلك الشاب لايصلي أو متعاطياً للمخدرات أو يعاني من أمراضٍ نفسية أو عليه ملاحظاتٍ أمنية أو ملاحظاتٍ في عمله .

    حرامٌ عليك أيها الأب تتخلص من ابنتك بهذه السرعة وكأنها بضاعةٌ تريد تصريفها لذلك الشاب المتقدم لها .

    لقد صُدمت بعضُ البنات بعد الزواج برجالٍ قساة لايعرفون للرحمة معنى ، ولايدركون مسؤليةَ الحياةَ الزوجية .

    ولو نطقت ابنتك لقالت : يا أبي أنت السبب ، أنتَ الذي دمرت حياتي بموافقتك على هذا الرجل .

    يا أبي لماذا استعجلت ؟  لماذا لم تسأل عن ذلك الشاب ؟

    لماذا لم تجمع معلومات أكثر عن دينه وأخلاقه وطبيعة تفكيره ونظرته للحياة ؟

    يا أبي لقد ارتكبتَ خطأً كبيراً مع ابنتك ، فمن يصلحُ خطأك ؟

    أيها الناس ، وإن من صورِ التأني في واقعنا الاجتماعي ، التأني في قبولِ الأخبارِ والتثبت منها قبل الحكم على أصحابها .

    إن القرآنَ كتابُ الأخلاق ومنبعُ الأداب ، يقول ربي " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين ".

    ومع انتشار مواقع التواصل وسرعةِ الوصولِ للمعلومات ونشرها عبر قروبات الواتس يستعجلُ بعضُ الناس ويرسل تلك الأخبار عن الأشخاص .

    وربما لم يتثبت ولم يتحرى عن صحةِ ذلك الخبر ، ولعل الخبر لايصح عن ذلك الشخص ، ولكن صاحبنا قد نشره على أوسع نطاق .

    أليس هذا واقعاً في بعض المجتمعات ؟

    لماذا الاستعجال في هذا النشر ؟ أتريدُ أن تكونَ صاحبَ السبقِ في النشر ؟

    كن متأنياً هداك الله ، فلعل الخبر مكذوب ،  أو زيد فيه ، ولعلك ظلمت ذلك الشخص وساهمت في نشر الكذب عنه .

    إنه الاستعجال في قبول الأخبار والرسائل .

    اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق يارب العالمين .

     ------------------------------

    الحمد لله .

    أيها الفضلاء ، وإن من صورِ التأني التي ندعو إليها ، التأني في القروضِ البنكيةِ والمساهماتِ الماليةِ والشراكات في المشاريع .

    إن من طبيعتنا أننا نحبُ تملكَ المال في أقرب وقت .

    قال الله عن حالنا " وتحبون المال حباً جماً " .

    ولكن ألا تتفقون معي أن بعضَ الرجالِ يأخذون قروضاً بطريقةٍ فوضوية ، وهذه بعض الصور :

    ١- هذا يأخذ قرض ليسافر للخارج للترفيه لكي يرضي زوجته وأولاده ويعود وقد ذهبت أمواله ، ولكنه سيبقى سنوات ليسددَ ذلك القرض ، ولعله يعاني من ديونٍ سابقة .

    ثم يأتيك الخبرُ بعد أسابيع بأنه عجز عن السداد وتم إيقافَ خدماتهِ وربما هو في السجن الآن ، ياترى ماهو السبب ؟

    إنه الاستعجال في أخذ المال عن طريق القروض .

    ياترى من الذي سيسدد عنك الآن ليخرجك من السجن ؟

    لقد ذهبت لذة ذلك السفر أو ذلك الغرض الذي اقترضت لأجله وها أنت الآن في همٍ كبيرٍ تتمنى الخلاص منه .

    ٢- ومن صور القروض ، الاستعجال في المشاريع التجارية بدونِ دراسةِ الجدوى ،وكم هم الرجال الذين أخذوا قروض ليبدأو في تلك المشاريع ، ولكنهم فشلوا .

    والآن يسددون تلك القروض لسنواتٍ مع أن مشاريعهم قد توقفت تماماً .

    لماذا هذا التضييعُ للمال ، لماذا تحرج نفسك مع أهلك وزملاءك وتقع ضحيةً للديون بسبب استعجالك ؟

    كن متأنياً في كل قرار مالي ، حتى لاتندم في وقتٍ لاينفعُ فيه الندم .

    عباد الله .

    وفي العمل الوظيفي نحن بحاجة للتأني في اختيار الموظف الذي ينضم لفريق العمل لدينا ، لأن الإستعجال في قبول المتقدمين للوظائف قد يكونُ بوابةً لفشل مشاريعك .

    ومن صور التأني في الحياة :

    التأني في حل المشكلات التي تردُ عليك سواءً في بيتك أو مجتمعك .

    إن الهدوء في حلها يجعلك تفكر جيداً في إيجاد الحل المناسب لها .

    وعكسُ ذلك حينما تستعجلُ في حلها ربما اتخذتَ حلاً بعيداً عن الصواب مما يزيدُ المشكلةَ وربما كانت الأضرار أكبر من ذي قبل .

    اللهم وفقنا للهدوءِ في الحياةِ وارزقنا التأني في كل أمورنا .

    اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى . اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا .

    اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعله عمله في رضاك .

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    باب التيمم من كتاب عمدة الأحكام

    0:00

    تلاوة من سورة الكهف

    0:00

    وصايا وإشارات في طلب العلم

    0:00

    حكم التحليل والتحريم بغير علم

    0:00

    تزويج الأبناء

    0:00



    عدد الزوار

    4101234

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 90 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1590 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة