• الجمعة 17 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :26 ابريل 2024 م


  • إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم

  •  

    الحمد لله الذي بعث في الناس رسولاً يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة .

    أحمدك يارب على أن اخترت الرسول الكريم ليكون نوراً للعالمين .

    ثم الصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كان ضياءً للسالكين وقدوةً للناس أجمعين .

    أما بعد ، فهناك وفي مكة يولد البدر  ، وتضيء الحياة في الأرض .

    تزداد الأرض جمالاً ببعثة الرسول عليه الصلاة والسلام .

    لقد كانت بعثته ميلاداً للعالمين ، وصفحة بيضاء للناضرين .

    هيا بنا لنتجول في سيرة أشرف الخلق لنزداد هدايةً وثباتاً على الطريق .

    هلموا إلى الرحمة المهداه ، إلى الذي زكاه مولاه ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .


    عباد الله ، 
    هذه صفحات متنوعة من حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم .

    إنه رسول الله ، العابد الخاشع الخاضع لربه جل في علاه .

    له جانب من التعلق بالله ودوام القنوت بين يديه ، في كل ليلة يقوم يناجي ربه ب ١١ ركعة ويبكي فيها .

    قال الله له " قم " فقام ثلاثاً وعشرين سنة ، فقام الليل حتى تفطرت قدماه .

    يبيتُ يجافي جنبه عن فراشه   إذا استثقلت بالكافرين المضاجع

    يدخل بلال على رسولنا وهو يبكي ، فيقول : يارسول الله لماذا تبكي وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وماتأخر ؟ فيقول : أفلا أكون عبداً شكوراً .

    يصلي الرواتب وهي ١٢ ركعة غير الفرائض في كل يوم وليلة .

    يصوم حتى يقول القائل لايفطر .

    كثير الذكر ، تقول عنه عائشة : كان يذكر الله على كل أحيانه .

    كثير الاستغفار وفي المجلس الواحد يقول : رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة .

    يجلس بعد الفجر في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس .

    وفي الحج رآه الصحابة وهو رافعاً يديه يدعو الله وهو على ناقته من بعد الظهر حتى غروب الشمس بكل خضوع وخشوع .

    يدخل مكة فاتحاً منتصراً ولكن دخلها وهو مطأطئ الرأس انكساراً لله تعالى وشكراً له ، فصلوات ربي وسلامه عليه .

    إنه رسول الله ، يحب الطيب وتفوح منه الرائحة الطيبة.

    يلبس الجميل في غير إسراف .

    يرشدنا للعناية بالجمال ويقول : إن الله جميل يحب الجمال .

    ويقول " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ".

    يحثنا للعناية الخاصة بنا فيقول " من الفطرة : قص الشارب وتقليم الأظافر وحلق العانة ". 

    يأمرنا بالاغتسال في كل يوم جمعة لنكون في أحلى صورة وأجمل مظهر ، فصلوات ربي وسلامه عليه .

    إنه رسول الله ، ينشأ يتيماً بلا أب ثم تموت والدته وهو صغير ، ومع ذلك ينشأ في أدب وحسن خلق وبعدٍ عن النقائص , وتجري أيام حياته فينجح فيها بكل التفاصيل .

    وهذه رسالة لكل يتيم ولكل من فقد والديه ، ليكن رسول الله قدوتك في النجاح والتميز والطموح فهو سيد الناجحين مع أنه فاقد للأبوين .

    إنه خليل الله ، يبتسم لكل من يقابله .

    يتواضع مع الناس ، يزور المريض ويدعو له .

    يدخل الرجل لمجلسه ويقول : أيكم محمد .

    لم يكن متميزاً بلباس معين ، يسلم على الصبيان .

    تأخذ الطفلة الصغيرة بيده وتقول : أريدك في حاجة ، فيقول : خذي بي إلى أي طريق من طرق المدينة اذهب معك .

    ينام على الحصير حتى أثَّر على جنبه ، يجلس على الأرض ويأكل على الأرض .

    فصلوات ربي وسلامه عليه .

    إنه رسول الله في بيته ، يغسل ثوبه ، يخصف نعله ، يمازح أهله .

    يشرب من نفس الموضع الذي تشرب منه زوجته .

    ينام على فخذ زوجته ويقرأ القرآن .

    عن عائشة رضي الله عنها قالت : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس : تقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك فسبقته ، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدّنت فخرجتُ معه في بعض أسفاره ، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي أسابقك فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك " رواه أحمد بسند صحيح .

    إنه رسول الله .

    إذا وجد خطأ في بيته عاتب بلطف ، يزيل المنكر ولايجعل عاطفته تغلب عليه ، يضع الصغير على فخذه ويقبله ، وربما بال الصغير على ثيابه فلايعنف بل يرش الماء فقط على مكان بوله ، فصلوات ربي وسلامه عليه .

    إنه رسول الله .

    حياته كلها في الدعوة إلى الله ، عاشها في كل لحظة من حياته ، في كل ساعة يستفيد من الموقف الذي يعيشه لكي يوصل رسالته الدعوية .

    يتكلم بالحسنى ، ويجادل بالتي هي أحسن .

    يدخل الأعرابي ويسأله بعنف فيقول الرسول له : سل عما بدا لك .

    ويدخل أعرابي والرسول يخطب في الناس فيوقفُ الرسول خطبته ويُجلس الأعرابي بجانبه ويعلمه مايريد .

    إنه رسول الله ، رحيم بأصحابه لطيف بهم " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ " .

    كل من جلس بجانبه يشم منه رائحة الرفق والرحمة ، يحتوي الآخرين بعاطفته وهدوءه .

    بل حتى الجمادات تحب الرسول ، فمرةً كان يخطب ويتكئ على جذع شجرة فلما بنوا له منبراً من خشب ترك الجذع فلما بدأ الخطبة صاح الجذع وخرج له صوت غريب فنزل الرسول من منبره وضم الجذع له حتى هدأ . رواه البخاري .

    يا الله ، جذع وجماد يحن إلى رسول الله وبعضنا لم يحركه الشوق ولم تذرف له دمعة في الشوق لرسول الله .

    إنه رسول الله .

    يدخل ذلك الشاب ويقول : أريد الزنا .

    فيدنيه منه ، وكأنه حبيبٌ إليه ويقول له بكل لطف : أترضاه لأمك ، لأختك ، لابنتك فيقول الشاب : لا . لا .

    ثم يضع الرسول يده الطاهرة على صدر الشاب ويدعو له بكل رحمة وحنان ويقول : " اللهم طهر قلبه وحصن فرجه ".

    فيخرج الشاب وهو أشد مايكون بغضاً للفاحشة .

    أيها الداعية ، أرأيت الرفق في النصيحة ماذا يفعل بالمنصوح .

    أيها المعلم ، أيها الداعية ، اقتبس من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في لطفك وهدوءك حينما تواجه صاحب الخطأ وتأمل قول الله  جل في علاه " ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ".

    إنه رسول الله ، يقترب من الشباب ، فمرةً يركبهم خلفه .

    يجالس الشباب ، يقول له أحد الشباب يوماً ما : أسألك مرافقتك في الجنة فيقول له : أعني على نفسك بكثرة السجود .

    ويخصصُ جيشاً كاملاً ليقوده أسامه بن زيد وهو لم يبلغ العشرين .

    يأمر زيد بن ثابت وهو في سن السادسة عشر بتعلم لغة اليهود ليقرأ رسائلهم .

    يرسل مصعب بن عمير داعيةً للمدينة وهو شاب .

    يرسل معاذاً داعيةً للإسلام لليمن وهو شاب ، فصلوات ربي وسلامه عليه .

    إنه رسول الله ، صاحب العفو الكبير ، لم ينتقم لنفسه قط .

    يخرج للطائف لدعوتهم ثم يقابلونه بالطرد والرجم بالحجارة ، يخرج مهموماً حزيناً ليس لأنهم طردوه ولكن لأنهم لم يقبلوا دعوته ، وبعد لحظات يأتي جبريل ويقول : يامحمد إن الله سمع قول قومك وماردوا عليك ، وهذا ملك الجبال فإن شئت أن يطبق عليهم الجبلين ؟ فماكان من الرسول إلا أن قال : لا . لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لايشرك به شيئاً .

    يأتي أحد الجهال ويجذب الرسول من عمامته من الخلف ويقول : أعطني من مال الله الذي عندك ، فيبتسم له الرسول ويأمر له بالعطاء ، فصلوات ربي وسلامه عليه .

    أخي المبارك ، اقتبس من رسولك خلق العفو .

    اعف عن صاحبك ، عن خادمك ، عن زوجتك ، اعف عن الموظف الذي تحت إدارتك .

    كن من أهل العفو ليحبك الرحمن ، واعمل بوصية الله " خذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " .

    إنه رسول الله ، صاحب الكلمة الطيبة ، لم يحفظ التاريخ له كلمةً قاسية .

    هو القائل " والكلمة الطيبة صدقة ".

    يخدمه أنس عشر سنوات فلم يقل له يوماً " أف ".

    يا الله عشر سنوات وهو يحتمل خطأ الخادم وتقصيره .

    ما أحوجنا للكلمة الطيبة التي تشرح الصدر وتؤانس الفؤاد .

    نعم والله ما أحوجنا للكلمة الطيبة في البيت ، في العمل ، في التعامل مع الخدم والسائقين والعمال الذين نعاشرهم .

    ما أحوجنا للكلمة الطيبة مع الوالدين وخاصةً مع تقدم السن لهما " وَقُل لَّهُمَاقَوْلًا كَرِيماً " .

    إنه رسول الله ، حكيم في تعامله مع الآخرين ، ينزلُ الناس منازلهم ويعرفُ للآخرين مكانتهم .

    يستمع وينصت لمن يسأله أو يحاوره ويقول له : هل فرغت ثم يبدأ بالحديث ، يراعي تفاوت الفهم لدى الناس واختلاف عقولهم ، يجيب السائل بالقدر الذي يحتاجه ليحببه للدين .

    إنه رسول الله ، أحسن الناس تعليماً .

    لايعنف ولايجرح المشاعر حينما يعلم الناس .

    أخطأ أحدهم في صلاته فعلمه بيسر ، فقال الرجل : والله ما رأيتُ معلماً أحسن من رسول الله ، والله ماكهرني ولانهرني وإنما قال : إن هذه الصلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس .

    ودخل أعرابي فبال في المسجد فقام الصحابة لينهروه فقال الرسول : دعوه .

    فلما فرغ ناداه وقال له : إن هذه المساجد لايصلح فيها شيء من الأذى والقذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن ، فصلوات ربي وسلامه عليه .

    فيا أيها المعلمون ، رفقاً بالطلاب وعلموهم كما كان المعلم الأول صلى الله عليه وسلم يعلم الناس .

    إنه رسول الله ، لم يخدع أحداً ولم يكذب في حديثٍ أبداً .

    حتى في الجاهلية كان يلقب بالأمين ، يحفظ الأمانة ولايخونها ، صادقٌ في معاملاته حتى مع المخالفين .

    فعجباً ممن يزعم محبته وهو خائن الأمانة ناقص الديانة يخون الأمانة التي أوكلها له ولي الأمر عبر الحيل والغش والخداع .

    اللهم اجمعنا بنبيك صلى الله عليه وسلم في جنان الخلد يارب العالمين .

     

    -------------

     

    الحمد لله وبعد .

    لازلنا أحبتي نتجول في رياض السيرة النبوية لنبي الهدى ، لحبيب القلوب صلى الله عليه وسلم .

    إنه رسول الله ، إمام الصابرين ، جرت عليه صنوف المحن وذاق في حياته ألواناً من الابتلاءات ولكنه لم يتزلزل لحظة واحدة .

    تعرض للاغتيالات نحو ١٣ مرة ، فصبر .

    خنقوه عند الكعبة ، وضعوا على ظهره النجاسات وهو يصلي ، فصبر .

    تكلموا في عِرضه ، وصفوه بالكذب والجنون والسحر ، فصبر .

    حاصروه ، رجموه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه ، فصبر .

    عذّبوا أصحابه أمامه ، فكان لايملك لأن ينصرهم بشيء إلا كلمات التثبيت .

    إن رسولنا مدرسة للصبر ، فيامن سار في طريق الدعوة إلى الله البس ثياب الصبر" واصبر وماصبرك إلا بالله ".

    إنه نبي الله .

    معاشر المسلمين ، إن التجول في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يطول ولاينتهي .

    إن النظر في السيرة النبوية :

    - يزيد الإيمان ويقربك للرحمن .

    - يشرح صدرك يزيل همك يؤانس وحشتك .

    فاجعل من وقتك شيئاً لدراسة سيرته والنظر في جميل حياته .

    اللهم ارزقنا اتباع الرسول على المنهج السوي .

    اللهم اجعلنا ممن ينال شفاعته يوم القيامة .

    اللهم ارزقنا شَربةً من حوضه الشريف يارب العالمين .

    صلى عليه اللهُ في ملكوته   ما قام عبدٌ في الصلاة وكبّرا

    صلى عليه اللهُ في ملكوته   ما عاقب الليلُ النهارَ وأدبرا

     


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    من فوائد القراءة - 1

    0:00

    أهمية غرس القيم في المجتمعات

    0:00

    تلاوة من أواخر سورة البقرة

    0:00

    فضل الصلاة من كتاب عمدة الأحكام

    0:00

    رسائل في أعمال القلوب

    0:00



    عدد الزوار

    4159217

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة