بينما كان رسولنا عليه الصلاة والسلام في الغار إذ بجبريل عليه السلام يدخل عليه ومعه رسالة " اقرأ " ما أجمل هذه البداية.
" اقرأ "، إنها بداية الوحي.
لم يأت جبريل بالأمر بالصلاة ولا الصيام ولا الأخلاق ولا الأحكام في زيارته الأولى لسيد البشر، لقد جاء بـ " اقرأ " لأنها بداية العلم وبداية الدعوة وبداية الحياة.
إن محبة العلم ميزة جليلة، ومن أجمل ما قيل: العلم عبادة العمر.
ومهما كانت وسائل الإعلام في تطور إلا أن القراءة تبقى لها قيمتها وأثرها على النفس والمجتمع.
إن من أجمل العادات التي لابد أن نتربى عليها، ونُربي عليها الآخرين عادة " القراءة ".
ولأجل ذلك كتبتُ هذه القواعد والفوائد حول القراءة، لعلها أن تحفزك للقراءة.
ومضة: إذا كنا نتحدث عن القراءة فنحن نتكلم عن جميع وسائل القراءة، سواء كانت للمقالات، للتغريدات النافعة، للكتب الالكترونية، للكتب الورقية، المهم أن تكون قارئاً.
قالوا في الكتاب:
الكتاب هو: الصديق الذي لا يملك، يُضحكك مرة ويُبكيك مرة، يُزودك بالعلوم، يُطلعك على أخبار القوم، المؤنس في الوحشة، الصاحب في الغربة، غذاء الشباب، عزاء الشيخوخة.
ماذا نستفيد من القراءة؟
1– القراءة فيها غذاء للقلب والروح، وخاصةً مَن يُكثر من تلاوة القرآن، أو في كتب الوعظ والرقائق.
2– القراءة تصحح العقيدة وتبصر المرء بالمخالفات التي قد توجد في معتقده.
3- التفقه في الدين، لأنها وسيلة مهمة لرفع الجهل عن نفسك في معرفة الأحكام الشرعية.
4- تحقيق الدعوة على بصيرة، ولذا فالداعية القارئ يمتلك من المعلومات ما تنفعه بلا ريب في مساره الدعوي، ولذا قال البخاري " باب العلم قبل القول والعمل ".
5- التعرف على أحوال الأمم الماضية، فالقراءة في تاريخ الأمم تفتح لك الآفاق وتسير بخيالك نحو الأقوام السابقة وكأنك تعيش حضارتها وأسباب تفوقها وخسارتها.
6- الكشف عن مخططات الأعداء؛ لأن الأعداء لهم عدة مناهج وطرائق في النيل من الإسلام وأهله، ونحن حينما نقرأ نتعرف على تلك الخطط لنحذر منها.
7- معرفة أبواب الخير والشر، وهذا واضح لكل متأمل، فالقراءة تنير دروب السالكين، وتعرفهم على منارات الهدى، وتخبرهم بمسالك الشرور لينتبهوا منها.
8- الترويح عن النفس هدف مهم من أهداف القراءة؛ لأن النفس تمل كما يمل البدن، والمطالعة المتنوعة تروح عن النفس وتزيل الملل وتجلب السعادة وتجدد الحياة.
9- ومن فوائد القراءة، الدفاع عن الدين والرد على المخالفين؛ لأن العلم سلاح عظيم نقاوم به الأعداء، والقراءة من أعظم وسائل تحصيل العلم.
ولو نظرنا في التاريخ لرأينا كيف كان دور العلم في كشف البدع والشبهات والرد عليه.
وتأمل سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية وردوده على أهل البدع، لترى أثر العلم وقوة الحجة التي كانت لديه وكيف كان سلاحه العلمي مؤثراً على مخالفيه.
10- الارتقاء بالنفس وتطويرها وتنمية مهاراتها، وهذا ظاهر؛ لأن القراءة في كتب تنمية الذات وتطوير النفس تمنح المرء معلومات جديدة في كيفية الارتقاء بالنفس نحو النجاح والتفوق في ميادين الحياة.
11- حفظ الوقت من الضياع؛ لأن القراءة تشغل وقتك عن توافه الأمور وتمنحك الفوائد التي تنفعك في دينك ودنياك.
قصص عن السلف في القراءة والتأليف:
- قال بعضهم: لا يُنال العلم براحة الجسد، ولولا ما عانى يوسف لما قيل له " يوسف أيها الصديق ".
- جلس البخاري يكتب الصحيح ١٦ سنة، ومسلم كتب صحيحه في ١٥ سنة، وابن حجر انتهى من فتح الباري في ٢٥ سنة فماذا صنعت يا مسكين؟
- يقوم البخاري في بعض الليالي من نومه عشرين مرة ليكتب فائدة سنحت له وهو بين أطباق النوم.
- قرأ ابن حجر في إحدى أسفاره نحو من ١٠٠ مجلد.
- كتب ابن القيم في أسفاره ست مؤلفات بدون أي مصادر يرجع لها، ومنها الكتاب الشهير " زاد المعاد ".
- أحد المشايخ المعاصرين اعتكف في إجازته في مكتبته وطالع نحو من ٨٠ مجلد.
- الألباني رحمه الله كان يبقى على السُلّم نحو ساعتين وهو يبحث ويطالع ويقرأ.
هذه سير بعض القوم، وأنت في واد آخر.
من أراد اللحاق بهم فلينفض الغبار وليبدأ السير في الليل والنهار، هيا قم ونافس من سبقك، خذ كتابك، وابدأ حياتك.
- السيوطي يقال له " ابن الكتب " لأن أمه ولدت به في المكتبة.
أسباب النفور من القراءة:
1 - عدم معرفة قيمتها.
2 - ضعف التربية عليها؛ سواء في البيت أو في المدرسة.
3 - الانشغال بالجوال والإنترنت، حتى إنك قد ترى من يمكث الساعات على مواقع التواصل، في حين أنه لا يعطي القراءة النافعة عشر دقائق.
4 - ضعف الهمة وقلة الصبر.
5 - الانشغال بالملهيات كمتابعة الرياضة والمسلسلات.
6 - عدم التركيز أثناء القراءة.
7 - ضعف الفهم للمقروء.
8 - علو أسلوب الكاتب وصعوبته على القارئ.
9 - غلاء أسعار الكتب.
كيف نتحمس للقراءة؟
1- معرفة فضلها وأهميتها.
2- مجالسة أصحاب القراءة، ونحن نجزم أن الصديق القارئ سيؤثر عليك في تكوين عادة القراءة.
3- دور الإعلام في تنمية محبة القراءة لعموم الناس، عبر تخصيص برامج في القنوات، ووضع المسابقات، وعناية خطباء الجمع بموضوع القراءة.
4- قراءة سير السلف والمعاصرين في حبهم للقراءة.
5- زيارة معارض الكتاب لها دور في تقوية العلاقة بالكتاب وتجديد الصلة به.
6- في البيت لا بد من تفعيل محبة الكتاب عبر وضع مكتبة صغيرة في مكان مناسب في البيت وشراء القصص المناسبة لأفراد الأسرة، ولا يصح أن نتركهم أمام أجهزة التقنية بحجة الفكاك منهم.
7- دور المدارس في تفعيل حب القراءة، وهذا ينطبق على المعلم ومهارته في تحقيق هذا الهدف في غرس محبة القراءة عند الطلاب، وللوزارة دور أيضاً في دعم المدارس بالمال والأفكار والبرامج في تنمية تلك المهارة وغيرها.
8- دور حلقات التحفيظ في تربية الطلاب على القراءة من خلال عدة وسائل لتحقيق هذا الهدف، ومن هنا نرجو من مدرسي الحلقات العناية بجانب القراءة ووضع البرامج والمسابقات التي تجعل الطلاب يحبون القراءة، مع مراعاة المراحل العمرية لهم، ومناسبة البرامج لمستوياتهم الثقافية.
حتى تستمتع بالقراءة:
1- استشر قبل أن تقتني الكتاب الذي تريد قراءته أو شراءه.
2- تحديد ميزانية للكتب حتى لا يؤثر شراءك للكتب على الميزانية المالية لديك.
3- اختيار الكتاب المناسب وخاصة إذا كنتَ في البدايات، واحذر من القفز للكتب الكبيرة قبل إتقان ما قبلها.
4- اختيار المكان المناسب مؤثر على محبتك للقراءة، ويدخل في ذلك وضوح الضوء، وجمال التكييف، وحسن الرائحة.
5- البعض يقرأ في المقهى، وهذا قد يصلح للبعض بسبب طبيعة المكان والهدوء الذي يوجد فيه.
6- اختيار الوقت المناسب؛ لأن بعض الناس قد يصلح لهم وقت دون وقت، وأنت أعلم بنفسك.
7- ابدأ بالتدرج، فاقرأ كل يوم لمدة عشرين دقيقة متواصلة، واجعل هذه عادتك التي لا تتركها أبداً، ثم بعد شهر يمكن أن تجعل الوقت 30 دقيقة، وهكذا.
8- تأتيك رسائل على الواتس فيها كتب الكترونية، وبعضها مفيد وبعضها قليل الفائدة، فلا تضيع وقتك في تحميل تلك الكتب ومطالعتها.
9- مع كثرة الكتب الالكترونية أو الورقية، استخدم عادة التركيز على كتاب معين حتى تنتهي منه، واحذر من الفوضى التي تجعل وقتك يمضي بغير فائدة.
10- ليس المهم أن تقرأ الكتاب كاملاً، لذلك أوصيك أن تطالع الكتاب بشكل سريع، ثم تحدد بعض الفصول المهمة بالنسبة لك لتقرأها.
11- بعض الكتب تستحق أن تقرأها مرة أخرى لأنها مليئة بالمعلومات.
12- التنافس مع الآخرين في القراءة يزيد من حماسك للقراءة، فيمكن أن تحدد صفحات معينة من أحد الكتب، وتبدأ القراءة فيه أنت وصاحبك، ثم تحددون وقت للمناقشة فيه، بعد أسبوع مثلاً.
13- اكتب الفوائد الجميلة من الكتاب، ورتبها ثم ارفعها لمواقع التواصل لينتفع الناس بما كتبت.
14- استخدم أسلوب التلخيص لبعض الكتب التي أعجبتك.
15- اقرأ ما يخدم ميولك وتخصصك.
16- تنويع المقروء يجعلك تحب القراءة ولا تمل منها، فاقرأ في كتب العقيدة والفقه والحديث والسيرة والقصص والروايات المفيدة والكتب المعاصرة التي تهتم بتطوير الذات.
17- معرفة منهج المؤلف ومصطلحاته تعينك كثيراً على محبة القراءة وسهولتها عليك.
18- اقرأ المقدمة والخاتمة والفهارس لتعرف أسرار الكتاب والكاتب.
19- ناقش الكاتب بتعليق جميل، وذلك بأن تضيف عليه فوائد أو تنتقد ما فيه بأدب وعلم، وتُعلق على ما ترى أنه يحتاج إلى تعليق ليكون كتابك مليء بالفوائد منك ومن صاحب الكتاب.
20- البعض لا يقرأ الكتب، وإنما يقرأ ما يُكتب في مواقع التواصل وخاصة تويتر، لأنه مليء بالنصوص، وهذا جيد إذا كان ينتقي الحسابات المتميزة في المحتوى، وأقترح أن ينسخ المفيد من تلك التغريدات والمقالات في مفكرة الجوال، ويطالعها بين وقت وآخر، وينشرها لمن يستفيد منها.
من أقوالهم في القراءة:
- الكتاب الذي لا يتعب فيه صاحبه لا تجد في قراءته متعة.
- الذي يكتب يقرأ مرتين.
- لا نُزهة ألذَّ من النظر في عقول الرجال.
أخطاء تقع في القراءة:
1- القراءة بدون وجود هدف، وهذا ظاهر عند الكثير، فهم يقرءون وليس لهم هدف أو مشروع من تلك القراءة، مما يجعل القراءة لا متعة فيها غالباً.
2- التقليد في القراءة، وهذا يظهر عند بعض الناس حينما يقرءون الكتاب الذي يسمعون الثناء عليه بدون الاقتناع بما فيه.
ولهؤلاء أقول: قد أنتفع بثناء صديقي على كتابٍ قرأه، ولكن لا يعني هذا أن أكون مثله فيما يقرأ وفيما يدع، بل لتكن لك شخصيتك وتميزك في اختيار ما يناسبك.
3- الإسراع وعدم الفهم، وهذا نشاهده على بعضهم حينما يكون هدفه الانتهاء من الكتاب بدون العناية بالفهم لمحتواه، ومثل هؤلاء لا يستفيدون.
4- القراءة الناقدة فقط، وهذا نراه عند الشخص الذي يجري النقد في دمه، ولا شك أن هذا نقص في التقوى وجهل بالنفس وحظوظها.
ونحن نقول: اقرأ بقصد الاستفادة، واترك مجال النقد جانباً، فإن وجدت ما يستدعي النقد فاكتب بكل أدب وحكمة وعدل وإنصاف.
5- التسليم لكل ما يقوله المؤلف، وهذا خطأ أيضاً لأن العصمة منتفية عن كل كاتب، والخطأ وارد، والزلل من طبع البشر، فخذ حذرك من بعض ما يُكتب وانتبه لما بين السطور، وخاصة عند بعض المؤلفين الذين لا تعرف مناهجهم.
6- القراءة في الكتب المخالفة للشريعة، مثل كتب المبتدعة، أو الكتب المليئة بالمخالفات، أو الروايات الساقطة.
وهذا من الجهل الكبير أن تسمح لعينك أن تتجول بين حروف المخالفين وأصحاب الأهواء والشبهات والشهوات.
واعلم أن القلب ضعيف والشُبه خطّافة، فارحم قلبك وعقلك وكن ذا تقوى قبل أن تقرأ.
7- الجهل بمراعاة وقت الأسرة والعمل والدراسة مما يجعل القراءة سبباً للتقصير في الحقوق الأخرى، والذكي من يجعل وقت القراءة في الأوقات التي لا تتعارض مع الواجبات الأسرية أو الوظيفية ونحوها.
أخطار تهدد الكتاب:
1- إبقاء الكتاب مفتوحاً.
2- تقليب الصفحات بقوة.
3- وضع الكتب فوق بعض، والصواب أن تكون بجانب بعض.
4- وضع الكتب بشكل مائل.
5- وضع الكتب الكبيرة فوق الصغيرة.
6- تعريض الكتب للأطعمة والمشروبات.
7- وضع الكتاب على الأرض.
8- وضع الكتب في الكراتين فترة طويلة من الزمن.
9- الاتكاء على الكتب.
10- جعل الكتاب على شكل البوق.
11- إعارة الكتاب لمن لا يُقدِّر قيمة الكتاب.
ومضات متفرقة:
1- اكتب في وصيتك أين تكون مكتبتك بعد موتك، والأفضل أن توصي بها لأحد طلاب العلم أو لأحد المراكز أو الجمعيات الإسلامية.
2- القراءة في الكتب الإلكترونية نافعة وتختصر لك الكثير من زيارة المكتبات، وتوفر عليك المال في شراء الكتب، ولكن لا يصح أن تهجر القراءة من الكتاب الورقي.
3- من الطبيعي أن تنسى أكثر ماقرأت، ولكن حينما تكتب الفوائد وتراجعها بين وقت وآخر فسوف ترسخ في ذهنك.
4- تكرار القراءة تجعل عندك عدة معلومات متنوعة، وهذه المعلومات تنشط كلما تحدثت عنها مع الآخرين كالأسرة أو الأقارب أو الزملاء، وحينها ترسخ تلك المعلومات وتعرف الملاحظات التي عليها أو الزيادات التي تحيط بها.
اللهم اجعلنا ممن انتفع بعلمه يارب العالمين.
مكتبة الصوتيات
باب الجمعة ( شرح عمدة الأحكام )
0:00
معالم في الذنوب
0:00
فن اتخاذ القرار
0:00
ألحان وأحزان
0:00
المخلوق الصغير
0:00
عدد الزوار
4973008
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1596 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |