• الاثنين 27 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :06 مايو 2024 م


  • وقفات في طلب العلم

  •  

    قال الإمام أحمد : ماصليتُ غير الفرض، استأثرتُ بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي.

    قلتُ: ولذلك قصة ، فقد قدم أبو زرعة عند الإمام أحمد، فكانا يتذاكران الحديث، فقال أحمد: ماصليتُ غير الفرض.

    ويُستفاد من هذا تقديم الأصلح من الأعمال على قاعدة " إذا تعارضت مصلحتان قُدِّم الأعلى منهما " ، فقدّم الإمام أحمد مذاكرة العلم مع قرينه أبي زرعة على النوافل ، وفي هذا إشارة لفضل العلم على النافلة ، فتأمل.

     - قال عمر الناقد: لما قدم سليمان الشاذكوني بغداد ، قال لي أحمد بن حنبل : اذهب بنا إلى سليمان نتعلم منه نقد الرجال.

    قلتُ: وفي هذا بيان أن النقد علم له أصوله وضوابطه، وشروطه، وموانعه، فليس كل شخص ينقد، بل للنقد أهل يعرفون من ينقدون، ولماذا ينقدون، وكيف ينقدون، إلى غير ذلك من مسائل النقد، ولذلك ينبغي على طالب العلم أن يحذر من التجرؤ على نقد العلماء أو غيرهم بغير علم ، وبغير معرفة لما يتطلبه النقد.

    - لما صنَّف أبو عبيد القاسم بن سلام كتابه " غريب الحديث " عرضه على الخليفة عبد الله بن طاهر فاستحسنه ، وقال: إن عقلاً بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب لحقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش، فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر.

    قلت: وهكذا يكون التقدير للعالم، تفريغه للعلم والتصنيف ونفع الناس وتشجيعه على ذلك .

    -  قال البُخاري: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: إنما الناس بشيوخهم، فإذا ذهب الشيوخ تودع من العيش.

    قلتُ: رحم الله السلف، فقد كانوا يعظمون علمائهم وشيوخهم ويعرفون لهم قدرهم، لأنهم صمام أمان لهذه الأمة من البدع والمنكرات ، وكلما نقص منهم واحداً دخل في الدين من البدع والخرافات ما لا يعلمه إلا الله، فالعلماء نور يهتدي به الناس ، وإذا ذهب النور، تاه الناس ، ويالله ، كم رأينا وسمعنا ممن نسي أو تناسى فضل العلماء ، وكم رأينا من يقدح فيهم ، ويتهمهم بسائر التهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا الإمام أحمد يقول: فإذا ذهب الشيوخ ، تودع من العيش ، فكأن الحياة لا تطيب إلا بوجوده ، فاللهم ارحم موتاهم، واحفظ أحيائهم، وارزقنا الأدب معهم على الوجه الذي يرضيك.

    - ذُكر للإمام أحمد أن رجلاً يشتم أصحاب الحديث ويقول: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام الإمام أحمد، وهو يقول: زنديق زنديق، ونفض ثوبه.

    قلت: إذا كانت الغيبة حرام، فما ظنكم بغيبة العالم وشتمه .

    إن القدح في العالم لا يتناول شخصه، بل يتعدى ذلك للعلم الذي يعلمه ويُعلمه للناس، ولا يقدح فيهم إلا زنديق ، كما قاله الإمام أحمد، وإذا انتُقص العالم وأهين، فمن يثق الناس به، وإذا زالت ثقتهم بالعالم فعمّن يتلقون الدين ؟

    - قال إسحاق الأزرق: ما أدركت أفضل من خالد الطحان، فقيل له: قد رأيت سفيان ؟ قال: كان سفيان رجل نفسه، وخالد رجل عامة.

     قلت: وهنا يظهر الفرق بين العالم المنعزل عن الناس وعن أسئلتهم وهمومهم، وبين العالم الذي يخالط الناس ويساعد ضعيفهم، ويزور مريضهم، ويخاطب عامتهم، ويُفتي لسائلهم، وهو مع الناس في أي مكان ويقصد بذلك رضا الله وحده، فالأول همه نفسه، والثاني مقتدٍ بنبيه عليه الصلاة والسلام، ولا شك في أنه أفضل، وفي الحديث الصحيح: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم .

    - جاء رجل للإمام أحمد وقال له: يا أبا عبد الله انظر في الأحاديث فإن فيها خطأ، فقال أحمد: عليك بأبي زكريا فإنه يعرف الخطأ.

     قلت: في هذا الأثر جُملٌ من الفوائد:

    1 - حرص طلبة العلم على تصفية السُنّة من الخطأ ، سواءً كان ذلك الخطأ في السند أو في المتن.

    2 - أن طالب العلم يسأل العالم المتخصص البارع في الفن الذي يريد السؤال عنه، فهذا السائل جاء للإمام أحمد ليبصره بالخطأ ولم يسئل أي أحد.

    3 - أن العالم قد يجهل بعض الفنون في العلم، وهذا ليس بغريب لأن العلم واسع، فهذا الإمام أحمد مع شدة عنايته بالسنة لم يجب على السائل بل أحاله إلى أبي زكريا.

    4 - أن العالم إن لم يعرف جواب المسألة، فلا يقل: لا أدري، ويسكت، بل يحيل السائل إلى من يستطيع إجابته.

    5 - اعتراف العالم بعلم العالم الآخر، وهذا من صدق التقوى في العلم، ولا يعترف بالفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل.

    فائدة: أبو زكريا المذكور هو ( يحيى بن معين ) وكان الإمام أحمد يكنيه تبجيلاً له وتكريماً.

    - مجد الدين بن تيمية سُئل عن مسألة، فقال: الجواب عنها من ستين وجهاً: الأول، والثاني، وعدها كلها.

     قلت: وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على قوة الحافظة، وسرعة الاستحضار، وهاتان الصفتان من المنن الربانية، وياليتنا نسمع من يستحضر في المسائل قولان بالأدلة، في زمننا هذا، رحم الله السلف وألهم الخلف.

    - قال أبو إسحاق الشيرازي: العلم الذي لا ينتفع به صاحبه، أن يكون الرجل عالماً ولا يكون عاملاً.
    وهذا يؤكد أهمية العمل بالعلم وأن ثمرة العلم هو العمل به ، وأن مجرد كثرة العلم ليس بمدحٍ في ذاته إن لم يكن هناك عملٌ يدل عليه.

    - قال أبو محمد التميمي: يقبح بكم أن تستفيدوا منا، ثم تذكرونا، فلا تترحموا علينا.

    قلت: فمن حق العلماء الترحم عليهم بعد موتهم، فالتزم ذلك ياطالب العلم.

    - قال أبو إسحاق الشيرازي: كنت أعيد كل درس ألف مرة، فإذا كان في المسألة بيت يُستشهد به حفظت القصيدة التي فيها البيت.

    قلت: وذلك من علو الهمة في الطلب، وبالتكرار يثبت العلم.

    - كان الخطيب يمشي وفي يده جزء يطالعه.

     قلت: فهذه أوقاتهم، علم وفائدة حتى في الطريق، لئلا يفوت الزمان، فأين هذا ممن أضاع أيامه في اللهو، ويزعم أنه طالب علم.

    - قال بشر بن الحارث: أدّوا زكاة الحديث، اعملوا من كل مائتين حديث بخمسة أحاديث.

     قلت: وهذا يبين لنا أن زكاة العلم تكون بالعمل به، ولا ننسى أيضاً أن من زكاة العلم تبليغه للناس، ومن بخل بعلمه ولم يعلمه للناس ابتلي بثلاث كما قال سفيان: ينساه ولا يحفظه ، يموت ولا ينتفع به ، أو تذهب كتبه.

    - قال أبو نعيم: ضمنتُ لك أن كل من لا يرجع إلى كتاب لا يؤمن عليه الزلل.

    قلت: ولذلك ينبغي للعالم مُراجعة الكتاب والنظر فيه، والتثبت من العلم ليرسخ ويثبت، ولأن العلم يُنسى، وبالنظر للكتاب يثبت العلم.

    - قال أبو نظرة: كان الصحابة إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرأوا سورة.

     قلت: فهذا هديهم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فينبغي لنا أن نقتدي بهم، فتكون مجالسنا مجالس علم وفائدة.

    - قال ابن مهدي: لا يكون إماماً من يُحدِّث عن كل أحد.

    قلت: فينبغي انتقاء المتحدث الذي يؤخذ منه الحديث، فليس كل متحدث صادق في حديثه.

     


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    سورة القيامة 1-11

    0:00

    تلاوة من سورة الواقعة

    0:00

    محطات إيمانية

    0:00

    العلاقات الأسرية

    0:00

    السعادة الحقيقية

    0:00



    عدد الزوار

    4185850

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1595 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة