الحمدُ للهِ الذي أنعم علينا بنعمة المال، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعد.
فيا أيها الناس، إنَّ المالَ عصَبُ الحياةِ، وأساسٌ مهِمٌّ لتحقيقِ الإنجازاتِ الجميلةِ، وله أثرٌ في تحقيقِ العِفَّةِ عنْ سؤالِ الناس، ويُسْهِمُ في السعادَةِ النَّفْسِيَّة.
والمالُ تحيطُ بِهِ عشرَاتُ الكلِمَاتِ والقواعِدِ والتوجيهَاتِ والأحكَامِ، وقدِ اخترْتُ لكم بعض الكلمات والوصايا المتعلقة بالمال، نسألُ اللهَ أنْ يرزُقَنَا المَالَ الحلالَ، وأنْ يُبَارِكَ لنَا فيهِ، وأنْ يجْعَلَهُ باباً للسعادَةِ في الدنيا، والفوزِ في الآخِرَة.
أولاً: المالُ نعمةٌ مِنَ اللهِ تعالى، ليمتَحِنَكَ هلْ تشكرُهُ عليهِ أمْ لا؟
قالَ تعالَى: (المالُ والبنونَ زينَةُ الحيَاةِ الدنيا)، وقَالَ سبحانَهُ: (إنَّمَا أموالُكُمْ وأولادُكُمْ فتنَةٌ).
وعلامَةُ شكرِ نعمَةِ المَالِ:
1- أنْ تعتَرِفَ بأنَّهُ فضْلٌ مِنَ اللهِ.
2- أنْ تستَخْدِمَهُ فِي الحلالِ وليسَ فِي الحَرَامِ.
3- أنْ تتصدَّقَ بشيءٍ منْهُ فِي أبوابِ الخَيْر.
ثانياً: إذا وُجِدَ المَالُ الصَّالِحُ عندَ العَبْدِ الصالِحِ وكانَ يستخْدِمُهُ فِي الخيرَاتِ فهذِهِ نِعمَةٌ جميلَة.
وفي الحديثِ " نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ مَعَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ " روَاهُ ابنُ حِبان بسنَدٍ صحيح.
ولكنْ قدْ يكونُ هذا المالُ استدراجًا مِنَ اللهِ تَعَالَى لعبْدِهِ، وعلامَةُ ذلِكَ أنْ يكونَ العبْدُ مُصِرًّا على المعاصي، ومعَ ذلكَ تجِدُ أنَّ اللهَ قدْ فتحَ لَهُ أبوابَ المالِ الكثيرَةَ، قالَ تعالَى: (سنستدرِجُهُمْ منْ حيثُ لَا يعلَمُونَ).
ثالثاً: يقولُ تَعالَى: (يا أيُّهَا الذينَ آمنوا لَا تُلْهِكُمْ أموالُكُمْ ولَا أولادُكُمْ عَنْ ذكْرِ الله).
في هذِه الآيةِ ينْهَى اللهُ عبادَهُ أنْ ينشغِلُوا بالمَالِ والوَلَدِ عَنْ ذِكْرِهِ وطاعتِهِ، وأنَّ مَنْ وقعَ في ذلك فَهُوَ مِنَ الخاسرين، وفي هذَا الزمَنِ وجدْنَا أنَّ هناكَ مَنِ انشغَلَ بتحصيلِ المَالِ عَنْ كثيرٍ مِنْ أمورِ دينِهِ، فتجِدُهُ يتأَخَّرُ عَنِ الصلاةِ بسبَبِ وظيفَتِهِ، وَقَدْ يُقَصِّرُ في تَعَلُّمِ دينِهِ بسبَبِ انشِغَالِهِ بأمورِ رِزْقِهِ، حتَّى إِنَّكَ قَدْ تَجِدُ الرجلَ كبيرَ السنِّ جاهلًا بأمورِ دينِهِ، والصوابُ أنْ يكونَ المؤمِنُ متوازناً بينَ طلَبِ رزْقِهِ والعنَايَةِ بأمورِ دينِه.
رابعاً: اعلموا عباد الله أن الحَسَدُ في المَالِ كثيرٌ، وحتَّى تسلَمَ مِنَ الحسَدِ أوصيكَ بِعَدَمِ الكلامِ عنْ نشاطِكَ المَالِيِّ عندَ الآخرينَ، وعدَمِ التصويرِ لمشاريعِكَ أَوْ ممتلكاتِكَ معَ تحصينِ النفسِ بالأذكارِ، والتوَكُّلِ علَى اللهِ تَعَالَى.
ونقولُ لكل مؤمن: إيَّاك أن تحسدَ أخاك لأنّ عنده من المالِ ماليسَ عندك، بل ادعُ له بالبركةِ والتوفيق، وهذا دليل على سلامة قلبك، وواللهِ إن فعلتَ ذلك فسوف ترى التوفيقَ في حياتكَ بإذنِ اللهِ تعالى.
خامساً، ومن الوصايا لكل مسلم: احرِصْ علَى المَالِ الحَلالِ؛ لأنَّهُ بركَة، وسبَبٌ لاستجَابَةِ الدعاءِ، ولأنَّ اللهَ طيبٌ ولا يقبلُ إلا طيباً.
سادساً: أخي الشاب: اعْتَنِ بدراسَتِكَ؛ لأنَّها تؤهلُكَ بإذنِ اللهِ لوظيفَةٍ مُناسبَةٍ تكسبُ منها رزْقاً حَسَنًا.
سابعاً: أخي الموظف: انتبِهْ لوظيفَتِكَ لأنَّهَا مصدَرٌ مهِمٌّ للحصولِ علَى المَالِ بعدَ توفيقِ اللهِ، ومِنْ ذلِكَ أنْ تحذَرَ مِنَ الغيَابِ إلا بِعُذْرٍ، وأنْ تؤدِّيَ المطلوبَ مِنْكَ علَى أحْسَنِ وَجه.
ثامناً: ومن الوصايا المالية لكلَّ مَنْ يبيعُ في المحلَّاتِ أو عبرَ الإنترنت، وغيرِهَا، أنْ يتعَلَّمَ أحكَامَ البيوعِ، حتَّى لَا يقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ أَوِ المُحَرَّمَاتِ المَالِيَّةِ، لأننَا وجدْنَا جَهْلاً كبيراً فِي مَعْرِفَةِ أحكامِ المعامَلاتِ المَالِيَّةِ عنْدَ الكثِيرِ منَ البَائعين.
وليعلَمْ كلُّ بائِعٍ أنَّ في الحلالِ غُنيةً عَنِ الحرَامِ، وأنَّ الحلالَ سبَبٌ للبرَكَةِ، وأنَّ المؤمنَ مسؤولٌ عنْ مالِهِ يومَ القيامَةِ مِنْ أينَ اكتَسَبَهُ وفيمَ أنفقه.
عباد الله، وإن من التنبيهات المالية، أن بعْضُ الشبَابِ لا يقومُ بأيِّ جهدٍ ليستغْنِيَ عَنْ سؤالِ النَّاسِ، وهَذَا خَطَأ، وفِي الحديثِ " لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوه " رواه البخاري.
وإنَّكَ لتتعجَّبُ ممَّنْ يتعوَّدُ على سؤالِ الناسِ وهوَ صحيحُ البَدَنِ، مَعَ أنَّ هناكَ عشراتِ الأعمَالِ التِي يمكِنُ أنْ يكتسِبَهَا ليُعِفَّ نفسَهُ عَنْ سؤالِ النَّاس.
أيها الناس، إن التقوى بوّابَةُ التوفيقِ فِي كُلِّ شيءٍ وخَاصَّةً فِي الأمورِ المالِيَّةِ، قالَ تعالَى " وَمَنْ يتَّقِ اللهَ يجْعَلْ لَهُ مخرجاً - ويرزقْهُ منْ حيثُ لا يحتَسِبُ " والتقوَى هِيَ القيامُ بطاعَةِ اللهِ وَتَرْكُ المَعَاصِي.
أيها الفضلاء، وإن من التنبيهات المالية أن نعلم بأن الزُّهْدُ فِي الدنيا لَا يَعْنِي تركَ المَالِ أوْ إهمَالَ الدراسةِ والوظيفَةِ، وإذَا كانَ اللهُ نهَانَا عَنِ الاغتِرَارِ بالدنيا فِي آياتٍ كمَا فِي قولِهِ تَعَالَى: (فلَا تغرُّنَّكُمُ الحياةُ الدنيا)، فقَدْ أمرَنَا بالسعْيِ فِي طلَبِ الرزْقِ فِي آيات، كمَا قالَ تعالى: (هُوَ الذي جعلَ لكُمُ الأرضَ ذلولًا فامشوا فِي منَاكِبِهَا وكلوا مِنْ رزقِه).
والزُّهْدُ الحقيقِيُّ ألَّا يكونَ المَالُ فِي قلبِكَ فيسيطِرَ علَى أفكارِكَ وحيَاتِكَ، فتنْسَى بِهِ أمورَ دينِكَ، وتوالِي الناسَ عليهِ وتعاديهِمْ عليهِ، ولهَذَا كانَ فِي الصحابَةِ تُجَّارٌ مثلَ أبِي بكرٍ وعثمَانَ وعبدِ الرحمَنِ بن عوفٍ وغيرِهِمْ رضِيَ اللهُ عنهم، وكانوا مجتهدينَ في العَمَلِ الصالِحِ وينفِقُونَ مِنْ أموالِهِمْ في أبوابِ الخير.
اللهم بارك لنا في أموالنا يارب العالمين.
--
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد.
أيها الفضلاء، وإن من الوصايا المالية: ألا تقلِّدْ غيرَكَ في مشروعِهِ التجارِيّ، فَكُلُّ واحِدٍ لَهُ ظروفُهُ وخبراتُهُ وأهدافُهُ، وقدْ رأينا منْ قلَّدَ غيره فوقَعَ في مشكلاتٍ ماليَّة كثيرة.
ومن الوصايا: رتّبِ المهمَّاتِ والأولويَّاتِ الماليةَ في كلِّ شهرٍ أو في كُلِّ ستَّةِ أشهُرٍ أو للسنَةِ كلِّهَا، مثلَ: قضاءِ دَيْنٍ، سدادِ إيجَارِ المنزِلِ، سدادِ تكاليفِ المدارِسِ، شراءِ سيارَةٍ أو إصلاحِها، إكمَالِ بناءِ منزِلِك، وَمَنْ نشَأَ على ترتيبِ الأولوِيَّاتِ بكلِّ حزمٍ فإنَّه سيحقِّقُ أهدافَهُ بإذنِ اللهِ تَعَالى.
ومن التنبيهات المهمة: فَكِّرْ في إيجَادِ مصدَرٍ آخرَ للمَالِ غيرِ الوظيفَةِ، ووسِّعْ دائِرَةَ تفكيرِكَ، ولا تَقُلْ هذا مستحيلٌ، لأنَّ قصصَ الناجحِينَ في ذلِكَ تزدَادُ يوماً بَعْدَ يومٍ، ويمكنُكَ استشَارَةُ الناجِحِينَ ماليّاً حتَّى تستفيدَ مِنْ خبراتِهِمْ.
ومن أهم الوصايا: لا تضَعْ كُلَّ مالِكَ في مشروعٍ واحِدٍ، فقدْ تَخْسَرُ، وبالتَّالِي تَفْقِدُ كلَّ المالِ، وربَّما كانَ هذا المالُ قرضاً، والنتيجَةُ أنَّكَ خسرْتَ المشروعَ، وستقومُ بسدادِ القَرْضِ لسنواتٍ مِنْ راتِبكَ.
والصوابُ أنْ تأخذَ جزْءًا منْ مالِكَ لمشروعِكَ التجَارِيّ، فإنْ نجحْتَ فالحمْدُ للهِ، وإنْ خَسِرْتَ فلنْ تندَمَ كثيراً لأَنَّ المَالَ الذِي استعمَلْتَهُ في ذلك المشروعِ لَمْ يكنْ كثيراً.
أيها الناس، وإن من التنبيهات: ألا تقارنْ حياتَكَ المالِيَّةَ بحياةِ مَنْ هُوَ أكثَرُ مِنْكَ، واحمَدِ اللهَ علَى مَا كتبَهُ لكَ، وكُنْ قنوعاً، وانظُرْ لِمَنْ هُوَ أقَلُّ منكَ مالاً، وربَّمَا كنْتَ فِي نعمٍ كثيرَةٍ لا توجَدُ عندَ بعضِ أصحَابِ الأموال.
وهنا كلام مهم لك أيها المؤمن، إن التساهلُ فِي الديونِ يسبِّبُ المَتَاعِبَ النفسِيَّةَ، وَقَدْ تُضْطَرُّ للكذِبِ فِي مواعيدِكَ مَعَ أصحَابِ المَالِ، وفِي الحدِيثِ أنَّ النبيَّ ﷺ قال لأصحابِهِ " لا تُخِيفُوا أنفُسَكم أوْ قال الأنفُسَ، فقيلَ يا رسولَ اللهِ وبم نُخِيفُ أنفُسَنا؟ قال: الدَّيْنُ " رواه أحمد بسندٍ حسن.
والمصيبةُ حينَمَا يكونُ الدَّيْنُ للكمَالِيَّاتِ كالسفَرِ ونحْوِ ذَلِك.
وأخيراً، إن بعضُ الموظَّفينَ يتساهَلُ فِي بعضِ المعامَلَات الماليَّةِ في عمَلِهِ، فقَدْ يأخُذُ مكافأَةً ماليَّةً علَى انتدَابٍ مَعَ أنَّهُ لم يسافِرْ لذلِكَ الانتِدَابِ، وقَدْ يأخذُ مكافأَةً علَى بعضِ التخصصَاتِ الوظيفِيَّةِ مَعَ أنَّهُ لَا يستحِقُّهَا.
والواجِبُ علَى الموظَّفِ أنْ يتقِيَ اللهَ وأنْ يحذَرَ منْ كُلِ مَالٍ لا يستحِقُّهُ، حتَّى يسلَمَ منَ الإثمِ والعقوبَاتِ الربَّانِيَّةِ، ويسلَمَ أيضاً مِنْ عقوبَةِ مخالَفَةِ النظَامِ فِي تلْكَ الجِهَات.
اللهم إنا نسألك من الخير كله ..
مكتبة الصوتيات
النعمة المنسية (الأمن)
0:00
أحكام صلاة الجمعة - 1
0:00
يا مقلب القلوب
0:00
باب جامع من كتاب عمدة الأحكام ( 2)
0:00
التحذير من الشرك
0:00
عدد الزوار
6945754
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 41 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1691 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 993 ) مادة |
