• الثلاثاء 6 جُمادى الأولى 1447 هـ ,الموافق :28 أكتوبر 2025 م


  • مسائل في الحديث ( 16 - 32 )




  • 16- علم الحديثِ مثلُ بقيةِ العلومِ، فيهِ المعلومَاتُ المهِمَّةُ جداً وفيهِ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ فضولِ العِلْمِ، ولِهَذَا ينبغِي لطَالِبِ العلْمِ العنَايَةُ بالمهِمَّاتِ فيهِ، وألَّا ينشَغِلَ بغيرِ المُهِمّ.

    17- مِنْ أسبَابِ حفظِ الحدِيثِ وفَهْمِهِ أَنْ تكونَ هنَاكَ مُذَاكَرَةٌ بينَ الطُّلَّابِ المشتَغِلينَ فيهِ، قالَ أنسٌ رضِيَ اللهُ عنْهُ: كنَّا نكونُ عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فنسمَعُ مِنْهُ الحديثَ فإذَا قُمْنَا تذاكرْنَاهُ فيمَا بينَنَا حتَّى نحفَظَهُ، وقدْ كانَ هذَا منهَجَ كثيرٍ مِنَ العُلمَاءِ.


    18- قالَ بَعْضُ السلَفِ: القُرْآنُ أحوجُ إلَى السنَّةِ مِنَ السنَّةِ للقُرْآنِ.

    قُلْتُ: والمَعْنَى أنَّ السُنَّةَ تفَسِّرُ القرآنَ وتبيِّنُهُ وتوضِّحُ معانِيَهُ، فالقُرْآنُ يحتاجُ إلَى السُنَّةِ أكثرَ مِنْ حاجَةِ السُنَّةِ إلَى القرآنِ، لأَنَّ السُنَّةَ واضحَةُ المعانِي والعبارَاتِ في الغَالِبِ ولا تحتاجُ إلَى أَنْ يوضِّحَهَا القُرْآنُ.

    19- اعتَنَى علمَاءُ الحديثِ بِكُلِّ تفاصِيلِ الحدِيثِ مِنْ نَاحِيَةِ السنَدِ وَمِنْ نَاحِيَةِ المَتْنِ.

    20- سنَدُ الحَدِيثِ هوَ سلسِلَةُ الرجَالِ الذينَ يروُونَ الحَدِيثَ ابتداءً مِنَ الإمَامِ الذِي صنَّفَ كتابَ الحديثِ كالبُخَارِيِّ مثلاً وَحَتَّى يصلَ إلَى الصحَابِيِّ الذِي رَوَى الحَدِيثَ.

    21- متْنُ الحدِيثِ هُوَ النَصُّ الذِي ينْقُلُهُ الصحَابِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، ومثالُهُ عَنْ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنْهُ قالَ: سمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يقولُ: " إنَّمَا الأعمَالُ بالنِيَّاتِ " فالمَتْنُ هوَ " إنَّمَا الأعمَالُ بالنِيَّاتِ ".

    22- مِنْ جهُودِ العُلَماءِ فِي سَنَدِ الحدِيثِ هُوَ البحْثُ عَنِ الرَّاوِي الذي يكونُ في السَّنَد مِنْ نَاحِيَةِ " اسمِهِ، ومدى حِفْظِهِ، وعقيدَتِهِ، وأخلاقِهِ، وهلِ الْتَقَى بالراوي الذي نَقَلَ عَنْهُ، وتفاصيلَ أُخْرَى " وهذَا مَا يُسمَّى بِعِلْمِ الجرحِ والتعديلِ، ولَهُ عِدَّةُ قواعِدَ وضوابِطَ، وفيهِ عِدَّةُ مؤَلَّفَاتٍ، وكُلُّ ذلِكَ حتَّى يتأكَّدُوا أَنَّ الراوِيَ صادِقٌ وحافِظٌ لذَلِكَ الحديثِ الذِي يرويهِ عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ.

    23- وأمَّا عِنَايَتُهُمْ بِمَتْنِ الحديثِ فيدْخُلُ فِي ذَلِكَ " بيانُ مَعْنَى الحَدِيثِ، والأحكامُ المستنبَطَةُ مِنْهُ، وَهَلْ هو منسُوخٌ أَمْ لا، وَهَلْ هوَ عامٌ أوْ مُطْلَقٌ أَوْ مُقَيَّدٌ، وهل هنَاكَ حديثٌ قَدْ يُعَارِضُهُ فِي الظَّاهِرِ ليجْمَعُوا بينَهُمَا وفْقَ قواعِدَ علمِيَّةٍ دقيقَةٍ " وتفَاصيلُ أخرى تؤكِّدُ عنَايَةَ العلمَاءِ بالكَلامِ المَرْوِيِّ عَنِ النَبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ.

    24- بعْضُ الناسِ يُشَكِّكُ فِي روايَةِ بَعْضِ الصحَابَةِ للحَدِيثِ ويتساءَلُ كَيْفَ يحفَظُونَ مِئَاتِ الأحَاديثِ ولَمْ يكنْ عِنْدَهُمْ وسائِلُ للكتَابَةِ أَوْ للحِفْظِ مثلَ عصرِنَا هذا، والرَّدُّ على هؤلاءِ مِنْ وُجُوهٍ:

    - أنَّ الصَّحَابَةَ عِنْدَهُمْ حفْظٌ بالفِطْرَةِ، وهذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ العَرَبِ قبلَ الإسلاَمِ، وجَاءَ الإسلامُ وزَكَّاهُمْ بالدِّين.

    - أنَّ اللهَ مَنَحَهُمْ تِلْكَ الحَافِظَةَ والفهمَ لِكَيْ يحفَظَ شريعَتَهُ، كمَا قالَ تَعَالَى (إنَّا نَحْنُ نزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لحَافِظُونَ) ومِنْ حِفْظِ اللهِ للشريعَةِ أنْ يهِيِّئَ لَهَا ذلكَ، ومِنهَا قوةُ حفْظِ الصحَابَةِ للكتَابِ والسُنَّة وأمانَتُهُمْ فِي النَّقْلِ والروايَةِ لِمَنْ بَعَدَهُمْ.

    - أنَّ الصحَابَةَ كانَ فيهِمْ مَنْ يكتُبُ الحديثَ مِثلَ عبدِاللهِ بْنِ عمرو وغيرِهِ، وكانَ النبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يأمُرُ بِكَتابَةِ الحديثِ لبَعْضِ مَنْ يسْأَلُهُ، وكانَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يكتُبُ لبعْضِ الأُمَرَاءِ شيئًا منْ ذلِكَ، كمَا كَتَبَ لعمرو بْنِ حزمٍ فِي اليَمَنِ.

    - أنَّ بعْضَ الصحَابَةِ أعطَاهُ اللهُ كرَامَةً عجيبَةً فِي الحفْظِ مِثْلَ أبي هريرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ فَقَدْ دَعَا لَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ بالحِفْظِ، ومِنْهُمُ ابنُ عبَاسٍ فَقَدْ دَعَا لَهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بِفهمِ الكتَابِ والفقْهِ فِي الدينِ.


    25- اعتَنَى علمَاءُ الحَدِيثِ بالتَألِيفِ في جمْعِ الأحادِيثِ فِي كتابٍ واحِدٍ، وقدْ بَدَأَ ذلكَ فِي عهدِ التابعِينَ، فقَدْ أَمَرَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ بكتَابَةِ الحدِيثِ، وكانَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الأحادِيثَ هُوَ الإمَامُ الزُّهْرِي، المُتَوَفَّى سنَّةَ 124هـ.

    26- ثمَّ تَطَوَّرَ التَّأْلِيفُ ليكونَ فِي الأحَادِيثِ التِي عِنْدَ كُلِّ عالِمٍ ليجْمَعَ أحاديثَهُ في كتَابٍ وَاحِدٍ.

    27- ثمَّ تطَوَّرَ التأليفُ ليكونَ فِي مجموعَةٍ مِنَ الأحَادِيثِ، وكلُّ عَالِمٍ يؤلِّفُ عَلَى منهَجٍ معَيَّنٍ، مثلَ مُوطَّأِ مَالِكٍ، ومسنَدِ أحمَدَ وغيرِهِم.

    28- ثمَّ تطَوَّرَ التَّألِيفُ ليكُونَ فِي الأحَادِيثِ الصحيحَةِ فقط، مثلَ البخارِيِّ ومسلِمٍ، وكلُّ ذلكَ كَانَ فِي عهدِ تابِعِي التابِعِين.

    29- كانَ المُجْتَمَعُ في عهْدِ التابِعينَ وبعدَهُمْ مليئًا بطُلابِ الحدِيثِ، وقَدْ كانَ المجْلِسُ الواحِدُ للعَالِمِ يجلِسُ فيهِ نَحْوَ خمسةِ آلافِ طالِبٍ يكتُبُونَ ويتعلَّمُونَ مِنَ الشيوخِ، وكَانَ أغْلَبُ هؤلاءِ علمَاءً لديهِمْ تميزٌ فِي العِلْمِ والحفْظِ والإتقَانِ والعِبَادَةِ والزُّهْدِ وغيرِهَا مِنَ الصِّفَاتِ الجميلَةِ، ومنهمْ " أحمدُ بنُ حنْبَلَ، البخَارِيُّ، مسلِمٌ، سفيانُ الثَّوْرِي " وغيرُهُمْ مِنْ مئَاتِ العُلَماءِ الذينَ كانت لهمْ بصمَةٌ فِي العِنَايَةِ بالحَدِيثِ.

    30- كانَ السَّلَفُ يرونَ أَنَّ الكَلَامَ فِي الرُّوَاةِ لَيْسَ مِنَ الغَيْبَةِ، بلْ إنَّهُمْ يرونَ ذَلِكَ واجباً لتمييزِ حديثِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، حتَّى لا يروِيَ الرجُلُ أحادِيثَ مكذُوبَةً، ثم تنْتَشِرُ عِنْدَ الناسِ، ويعْمَلُ بهَا النَّاسُ فِي عقَائِدِهِمْ وعبَادَاتِهِمْ وأخْلَاقِهِمْ.

    31- في زَمَنِ التابِعِينَ ظَهَرَتْ بعضُ البِدَعِ، وهكَذَا فِي الزَّمَنِ الذي بعْدَهُمْ، وَنَتَجَ مِنْ خلالِهَا ظُهُورُ الأحَادِيثِ الضعيفَةِ والمَوْضُوعَةِ، وتصدَّى لها علمَاءُ الحديثِ مِنْ خِلَالِ نَقْدِ الرُّوَاةِ، ونَقْدِ المَتْنِ.

    32- كانَ السَّلَفُ يرحَلونَ فِي طَلَبِ الحدِيثِ، فيسَافِرُ الوَاحِدُ لعدَّةِ بِلَادٍ ليسمَعَ مِنَ الشيوخِ ويتَعَلَّمَ مِنْهُمُ الأحادِيثِ، وكُلُّ ذلكَ لأجلِ ضبْطِ الحديثِ وروايَتِهِ مِنْ أهلِهِ العارِفِينَ بِهِ، ثُمَّ كتَابَةِ ذَلِك، ثم تعليمِهِ للنَّاسِ، أوْ جمعِ ذلكَ فِي كتَابٍ.



    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    ولقد آتينا لقمان الحكمة

    0:00

    حسن العلاقة مع الأبناء

    0:00

    ثلاثون قصة من حياة العلماء

    0:00

    الصبر الجميل

    0:00

    سورة طه

    0:00



    عدد الزوار

    6813780

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 41 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1687 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة