من أعمال القلوب " الاعتصام بالله تعالى " وسوف أذكر هنا شيء من كلام لابن القيم رحمه الله تعالى، من كتابه مدارج السالكين ( 2 / 110 ).
قال رحمه الله تعالى: ثم ينزل القلب منزل الاعتصام، وهو نوعان: اعتصامٌ بالله، واعتصامٌ بحبل الله. قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، وقال تعالى: ﴿واعتصموا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: ٧٨].
وقال رحمه الله تعالى: مدار السعادة الدنيويَّة والأخرويَّة على الاعتصام بالله، والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلَّا لمن استمسك بهاتين العصمتين، فأمَّا الاعتصام بحبله فإنَّه يعصم من الضّلالة، والاعتصام به يعصم من الهلكة.
* تعاريف الاعتصام بحبل الله.
فقال ابن عبّاسٍ: تمسَّكوا بدين الله.
وقال ابن مسعودٍ: هو الجماعة. وقال: عليكم بالجماعة، فإنَّها حبل الله الذي أمر به، وإنَّ ما تكرهون في الجماعة والطاعة خيرٌ ممَّا تحبُّون في الفُرقة، وقال مجاهدٌ وعطاءٌ: بعهد الله، وقال قتادة والسُّدِّيُّ وكثيرٌ من المفسِّرين: هو القرآن.
قال بعضهم: الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته، مراقِبًا لأمره.
قال ابن القيم: مراقبة الأمر القيام بالطاعة لأجل أنَّ الله أمر بها وأحبَّها، لا لمجرَّد العادة، أو لعلَّةٍ باعثةٍ سوى امتثال الأمر، كما قال طَلْقُ بن حبيب رضي الله عنه في التَّقوى: هي العمل بطاعة الله على نورٍ من الله ترجو ثواب الله، وترك معصية الله على نورٍ من الله تخاف عقاب الله.
وهذا هو الإيمان والاحتساب المشار إليه في كلام النبيِّ ﷺ كقوله: « من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ... ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له »، فالصِّيام والقيام هو الطّاعة، والإيمانُ: مراقبة الأمر، وإخلاص الباعث هو أن يكون الإيمان الآمرَ لا شيءٌ سواه، والاحتساب: رجاء ثواب الله. فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل.
وقال رحمه الله: وأمَّا الاعتصام به فهو التوكُّل عليه والامتناع به، والاحتماء به وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه، ويعصمه ويدفع عنه، فإنَّ ثمرة الاعتصام به هو الدفع عن العبد، والله يدفع عن الذين آمنوا، فيدفع عن عبده المؤمن به إذا اعتصم به كلَّ سبب يفضي إلى العَطَب ويحميه منه، فيدفع عنه الشُّبهاتِ والشّهوات، وكيدَ عدوِّه الباطن والظاهر، وشرَّ نفسه، ويدفع عنه موجب أسباب الشرِّ بعد انعقادها بحسب قوَّة الاعتصام به وتمكُّنه.
فائدة: مِن أساس الاعتصام بالله أن تقطع علائق الباطن والظاهر.
قال ابن القيم: والأصل هو قطع علائق الباطن، فمتى قطعها لم تضرَّه علائق الظاهر، فمتى كان المال في يدك وليس في قلبك لم يضرَّك ولو كَثُر، ومتى كان في قلبك ضرَّ ولو لم يكن في يديك منه شيءٌ.
قيل للإمام أحمد رحمه الله: يكون الرجل زاهدًا ومعه ألفُ دينار؟ قال: نعم، على شريطة أن لا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت. ولهذا كان الصّحابة رضي الله عنهم أزهدَ الأمَّة مع ما بأيديهم من الأموال.
وإنّما يُحمد قطع العلائق الظاهرة في موضعين: حيث يخاف منها ضررًا في دينه أو حيث لا يكون فيها مصلحة راجحة، والكمال من ذلك قطع العلائق التي تصير كلاليبَ على الصِّراط تمنعه من العبور، وهي كلاليب الشَّهوات والشُّبهات، ولا يضرُّه ما تعلَّق به بعدها.
اللهم ارزقنا الاعتصام بك في كل الأحوال.
مكتبة الصوتيات
الألباني وعلو الهمة
0:00
تلاوة من سورة الرعد - 28-29
0:00
ثمرات الإيمان ( 1 )
0:00
لماذا بكى عمر ؟!
0:00
أنواع الناس عند سماع الذكر
0:00

عدد الزوار
6265743
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 38 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1671 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |