• الاربعاء 6 شَعْبان 1446 هـ ,الموافق :05 فبراير 2025 م


  • حاجتنا إلى الهداية تتجدد كل وقت






  • قال ابن القيم رحمه الله تعالى: والهدايةُ هي العلمُ بالحقِّ مع قصده وإيثاره على غيره، فالمهتدي هو العالِمُ بالحقِّ المريدُ له، وهي أعظمُ نعمةٍ لله على العبد، ولهذا أمرنا سبحانه أن نسأله هدايةَ الصِّراط المستقيم كلَّ يومٍ وليلةٍ في صلواتنا الخمس؛ فإنَّ العبدَ محتاجٌ إلى معرفة الحقِّ الذي يرضي اللهَ في كلِّ حركةٍ ظاهرةٍ وباطنة، فإذا عرفها فهو محتاجٌ إلى من يُلْهِمُه قصدَ الحقِّ فيجعلُ إرادتَه في قلبه، ثمَّ إلى من يُقْدِرُه على فعله.

    ومعلومٌ أنَّ ما يجهلُه العبدُ أضعافُ أضعاف ما يعلمُه، وأنَّ كلَّ ما يعلمُه أنه حقٌّ لا تطاوعُه نفسُه على إرادته، ولو أراده لعجز عن كثيرٍ منه؛ فهو مضطرٌّ كلَّ وقتٍ إلى هدايةٍ تتعلَّقُ بالماضي وبالحال وبالمستقبل.

    أما الماضي، فهو محتاجٌ إلى محاسبة نفسه عليه، وهل وقع على السَّداد فيشكر الله عليه ويستديمُه، أم خرج فيه عن الحقِّ فيتوبَ إلى الله تعالى منه ويستغفره، ويعزمَ على أن لا يعود؟

    وأما الهدايةُ في الحال، فهي مطلوبةٌ منه فإنه ابنُ وقته، فيحتاجُ أن يعلمَ حكمَ ما هو متلبِّسٌ به من الأفعال، هل هو صوابٌ أم خطأ؟

    وأما المستقبل، فحاجتُه فيه إلى الهداية أظهر؛ ليكونَ سيرُه على الطريق.

    وإذا كان هذا شأن الهداية عُلِمَ أنَّ العبدَ أشدُّ شيءٍ اضطرارًا إليها، وأنَّ ما يوردُه بعض الناس من السؤال الفاسد، وهو أنَّا إذا كنَّا مهتدين فأيُّ حاجةٍ بنا أن نسأل الله أن يهدينا؟ وهل هذا إلا تحصيلُ الحاصل؟ أفسدُ سؤالٍ وأبعدُه عن الصواب، وهو دليلٌ على أنَّ صاحبه لم يحصِّل معنى الهداية، ولا أحاط علمًا بحقيقتها ومسمَّاها؛ فلذلك تكلَّفَ من تكلَّفَ الجوابَ عنه بأنَّ المعنى: ثَبِّتنا على الهداية وأدِمْها لنا .

    ومن أحاط علمًا بحقيقة الهداية، وحاجة العبد إليها، عَلِمَ أنَّ الذي لم يحصُل له منها أضعافُ ما حصَل له، وأنه كلَّ وقتٍ محتاجٌ إلى هداية متجدِّدة، لا سيَّما والله تعالى خالقُ أفعال القلوب والجوارح، فهو كلَّ وقتٍ محتاجٌ إلى أن يخلقَ الله له هدايةً خاصَّة، ثمَّ إن لم تُصْرَف عنه الموانعُ والصوارفُ التي تمنعُ مُوجَبَ الهداية وتَصْرِفُها لم ينتفع بالهداية، ولم يتمَّ مقصودُها له؛ فإنَّ الحكمَ لا يكفي فيه وجودُ مقتضيه، بل لا بد مع ذلك من عدم مانعه ومُنافيه.

    ومعلومٌ أنَّ وساوس العبد وخواطرَه وشهوات الغيِّ في قلبه كلٌّ منها مانعٌ من وصول أثر الهداية إليه، فإن لم يصرفها الله عنه لم يهتد هدًى تامًّا؛ فحاجتُه إلى هداية الله له مقرونةٌ بأنفاسه، وهي أعظمُ حاجةٍ للعبد.

    مفتاح دار السعادة 1 / 231


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    وهو قائم يصلي في المحراب

    0:00

    كيف تقوي إيمانك

    0:00

    تلاوة من سورة طه 99-113

    0:00

    الإظهار العاطفي

    0:00

    مواقف إيمانية

    0:00



    عدد الزوار

    5243608

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 29 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1627 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة