من أخبار عبدالله بن المبارك

عدد القراءات : 104

1-كان عبدا لله بن المبارك إذا خرج إلى مكة قال: بُغضُ الحياةِ وخوفُ الله أخرجني وبيعُ نفسي بما ليست له ثمناً إني وزنتُ الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا.

التعليق: تأمل في هذه الأبيات تجد الزهد في الحياة، والتعلق بالآخرة، وهذا هو الواجب على كل مسلم، ألا يغتر بهذه الدنيا لأنها إلى زوال، وأن يجعل الآخرة نصب عينيه لأنه دار الخلود.

2 - قال نعيم بن حماد: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق، يصير كأنه ثور منحور، أو بقرة منحورة من البكاء، لا يجترئ أحد منّا أن يسأله عن شيء إلا دفعه.

التعليق: في هذا بيان كيف كان العلماء يبكون من خشية الله تعالى، مع شدة علمهم بالله وبشريعة الله، وهذا هو شأن طالب العلم، أن تكون له خشية وإنابة إلى الله تعالى.

3- قال عبدة بن سليمان المروزي: كنا في سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو، فدعا الى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة، فطعنه فقتله، فازدحم إليه الناس، فنظرتُ فإذا هو عبدالله بن المبارك، وإذا هو يكتم وجهه بكُمّهِ، فأخذتُ بطرف كُمّهِ فمددته فإذا هو هو، فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا.

التعليق:

-كان العلماء في السابق يشاركون في نصرة الدين في كل باب، فهم في المساجد يعلمون الناس، ويقفون مع المحتاج، وإذا نادى منادي الجهاد كانوا مع المؤمنين.

-كان السلف يخفون أعمالهم الصالحة بقدر مايستطيعون، فانظر هنا كيف فعل ابن المبارك، يكتم وجهه لئلا يعرفه أحد، ولما ظهرت شجاعته في قتل الكفار، ثم رآه بعض الناس عاتبه على ذلك.

4- قال علي بن الحسن: سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قُرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به؟ فقال له: اذهب فاحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبعُ هناك عين، ويُمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ.

التعليق: في هذه القصة دليل على أن الصدقة لها أثر في شفاء المريض، وقد جاء في الحديث " داووا مرضاكم بالصدقة " وحسّنهُ بعضهم.
ويستفاد من القصة: أن صدقة الماء من أنفع الصدقات، كما جاء في حديث سَعدِ بنِ عُبادَةَ رَضِي اللهُ عَنه: أنَّ أمَّه ماتَتْ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أمِّي ماتَت؛ أفأتصَدَّقُ عنها؟
أي: أَتنفَعُها صدَقَتي لها، فيَعودُ عليها ثَوابُها وتُؤجَرُ بها؟
فقال صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: نعَم.
فقال سعدٌ رَضِي اللهُ عَنه: فأيُّ الصَّدقَةِ أفضَلُ؟
أي: أيُّ أعمالِ الصَّدقاتِ تكونُ أكثَرَ أجرًا وأنفَعَ؟
فقال صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: سَقْيُ الماءِ . رواه النسائي بسند حسن .

5- قال ابن المبارك: أول منفعة العلم أن يفيد بعضهم بعضاً.

التعليق: وهذا هو عين الصواب، أن ترى طالب العلم يحرص على أن ينفع أخيه وصديقه في طلب العلم، مِن خلال المُجالسة والمُذاكرة، وألَّا يكتم علمه ولايتكبر به على الناس، وهذا دليل على الصدق في العلم وظهور البركة فيه.

6- قال ابن المبارك: إن البصراء لا يأمنون من أمور، مِن ذنبٍ قد مضى لا يدري ما يصنعُ فيه الرب عز وجل، ومن عُمرٍ قد بقي لا يدري ما فيه من الهلكة، وفضلٍ قد أُعطي العبد لعله مكرٌ واستدراج، وضلالة قد زُيّنت يراها هدى، وزيغُ قلب ساعة فقد يُسلب المرءُ دينهُ ولا يشعر.

التعليق: هذه كلمات عظيمة، فلنتأملها جيداً.

- الخوف من الذنوب السابقة، التي لاتدري لعل الله أن يغفر لها، وقد لايغفر، وهذا ليس فيه قنوط من رحمة الله، بل فيه تغليب لجانب الخوف حتى يحذر المؤمن ولايتساهل.

- الحذر من الأيام القادمة، وهل سيكون فيها المرء تقياً لله تعالى أم أنه سيُفتن، ويخسر دنياه وآخرته.

- أن يتأمل المؤمن في نِعم الله عليه وأن يخشى أن تكون استدراجاً من الله، وهذا ليس من باب سوء الظن بالله، بل إنها من باب تغليب جانب الحذر من الذنوب التي تجعل المرء يغفل عن الدنيا التي قد يفتحها الله عليه من باب البلاء والامتحان له.

- أن يحذر المؤمن من بعض الشبهات التي قد تكون جميلة في ظاهرها، ولكن وراءها ضلالة وانتكاسة عن طريق الهداية، لأن اتباع الهوى يهوي بصاحبه في المهلكات في الدنيا، ثم يهوي به في الآخرة إلى النار.

سير أعلام النبلاء 8 / 91 3

مواد آخرى من نفس القسم

قلوب تعلّقت بالمساجد

وقفات من حياة نوح عليه السلام

العبادة قبل التأليف من سمات العلماء

مكتبة الصوتيات