• الاحد 26 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :05 مايو 2024 م


  • هل يعرض الرجل ابنته على الزواج من الصالحين



  • من القضايا التي نسمع الحديث عنها في بعض المجالس ، مسألة جواز عرض الرجل ابنته أو أخته على أهل الخير والصلاح للزواج بها .


    ولقد جرت عادة الناس بأن يبحث الرجل عن المرأة التي يرغب الزواج بها، ويخطبها من وليها، فإذا اتفقا، وكتب لهما الوفاق والوئام تزوجها على عادة الناس، وفقًا للشريعة الغراء.


    وقد يقع من بعض العقلاء والحكماء خلاف هذه العادة،
    فيبحث الرجل عن الزوج الصالح لابنته من أهل الكفاءة والديانة والأمانة، فيعرضها عليه، ويحصل هذا غالبًا ممن لديهم بُعْد نظر، وحسن تفكير، وليس أدلّ على ذلك من فعل أمير المؤمنين عمر الفاروق .

    عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال : إن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر - أي مات زوجها - خنيس ابن حذافة ، قال عمر بن الخطاب : 
    أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي، ثم لقيني فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا .

    قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت : إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع في شيئًا ، وكنت أوجدَ عليه مني على عثمان فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله ﷺ، فأنكحتها إياه .
    فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت عَلَي حين عرضت عَلي حفصة فلم أرجع عليك ؟ قال: قلت : نعم .
    قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضتَ علي إلا أني كنتُ علمت أن رسول الله ﷺ قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سِرَّ رسول الله ﷺ، ولو تركها النبي ﷺ لقبلتُها . رواه البخاري .

    وقال الرجل الصالح لموسى عليه السلام: ( إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين ) .
    قال القرطبي : فيه عرض الولي بنته على الرجل؛ وهذه سنة قائمة .


    هكذا كان شأن الرعيل الأول من أصحاب سيد المرسلين ﷺ في فهمهم للإسلام، وأخذهم بآدابه، واجتهادهم في تحري الصالحين لبناتهم أو أخواتهم، وصراحتهم في العرض، وعدم تحرجهم في القبول أو الرفض، إذ كان هدف الجميع دائمًا القيام بحق الله تعالى، سواء بالنسبة لبناتهم وأخواتهم، باعتبارهن أولى الناس ببرهم واجتهادهم، أو بالنسبة لإخوانهم في الله باعتبارهم أحق الناس بمصاهرتهم وإكرامهم .

    ولكن غفلة كثير من الناس في هذا الزمان عن هذه الآداب السامية، قلب الأوضاع في نظرهم، وأصبح التأسي بمثل هؤلاء الكرام البررة محل غرابة واستنكار، وظنّه البعض محاولة لترويج بضاعة كاسدة، فأحجم ذوو النفوس العالية عن عرض بناتهم وأخواتهم على أقرب الناس إليهم، ضَنُّا بكرامتهم أن تمتهن .


    ونقول لهؤلاء : إنكم لستم بأفضل من عمر بن الخطاب ، وقد عرض ابنته حفصة على عثمان وأبي بكر  ، ولا من سعيد بن المسيب، وقد زوَّج ابنته على أحد طلبته دون طلب من التلميذ ، وكان يخطبها ولد أمير المؤمنين .

    بل لقد بلغ من سماحة الإسلام وواقعيته، أنه - من ناحية أخرى - أباح للمرأة أن تعرض نفسها على الرجل الصالح، وأن تقترح زواجها منه رغبة في صلاحه، واطمئنانًا إلى تقواه ، لا سيما إذا لم يكن لها ولي ينوب عنها في التعبير عن ذلك .

    عن أنس قال :
    جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ، تعرض عليه نفسها- أي: ليتزوجها- قالت: يا رسول الله : ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس - وكانت حاضرة: ما أقل حياءها ! واسوأتاه … واسوأتاه .
    فقال أنس  أي لابنته : هي خير منكِ، رغبت في النبي ﷺ، فعرضت نفسها عليه ) .
    فلا حرج على الفتاة إذا بلغت مبلغ الزواج،
    وتقدم لها خاطب كفؤ دَين على خلق، أن تطالب وليها بالزواج الحلال تعف نفسها بالطريقة المشروعة، وعلى الأب أن يلبي رغبتها، وييادر بتزويجه .

    وقد خطبت خديجة بنت خويلد رسول الله ﷺ قبل البعثة لنفسها، فكانت خير زوجة له ﷺ، ناصرته وآوته وأعانته بمالها ونفسها، ولم يعب أحد ذلك، وكان يخطبها كبار قريش وأشرافهم، وكانت تسمى في الجاهلية : الطاهرة .

    انظر : عودة الحجاب 2 / 365


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    تأملات في سورة الملك

    0:00

    الإمام أحمد والصبر

    0:00

    الحكمة

    0:00

    ما أجمل الإنكسار

    0:00

    صلاح الأمة في علو الهمة

    0:00



    عدد الزوار

    4184419

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1595 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة