9- في البخاري مرفوعاً : « من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله » فانظر كيف جعل النية الصالحة سبباً قوياً للرزق وأداء الله عنه ، وجعل النية السيئة سبباً للتلف والإتلاف .
18- عند الترمذي والنسائي : « والمؤمن من أمِنهُ الناس على دمائهم وأموالهم » .
فسّر المؤمن بأنه الذي يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم ، فإن الإيمان إذا دار في القلب وامتلأ به ، أوجب لصاحبه القيام بحقوق الإيمان التي من أهمها : رعاية الأمانات ، والصدق في المعاملات ، والورع عن ظلم الناس في دمائهم وأموالهم .
ومن كان كذلك عرف الناس هذا منه ، وأمنوه على دمائهم وأموالهم ، ووثقوا به ، لما يعلمون منه من مراعاة الأمانات ، فإن رعاية الأمانة من أخص واجبات الإيمان ، كما قال صلى الله عليه وسلم : « لا إيمان لمن لا أمانة له » .
25- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق الله ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ، ولينته » . وفي لفظ « فليقل : آمنت بالله ورسله » متفق عليه . وفي لفظ « لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا : من خلق الله ؟ » .
الحلول عند الوساوس :
الأمر الأول - : الإنتهاء ، لأن الله تعالى جعل للأفكار والعقول حداً تنتهي إليه ، ولا تتجاوزه ، ويستحيل لو حاولت مجاوزته أن تستطيع ، لأنه محال ، ومحاولة المحال من الباطل والسفه ، ومن أمحل المحال التسلسل في المؤثرين والفاعلين ، فإن المخلوقات لها ابتداء ، ولها انتهاء ، وقد تتسلسل في كثير من أمورها حتى تنتهي إلى الله الذي أوجدها وأوجد ما فيها من الصفات والمواد والعناصر " وأن إلى ربك المنتهى " .
فإذا وصلت العقول إلى الله تعالى وقفت وانتهت ، فإنه الأول الذي ليس قبله شيء ، والآخر الذي ليس بعده شيء .
فأوليته تعالى لا مبتدأ لها مهما فرضت الأزمان والأحوال ، وهو الذي أوجد الأزمان والأحوال والعقول التي هي بعض قوى الإنسان ، فكيف يحاول العقل أن يتشبث في إيراد السؤال الباطل ، فالفرض عليه المحتم في هذه الحال : الوقوف ، والانتهاء .
وهنا نفهم الأمر بالانتهاء الذي يبطل التسلسل الباطل ، وبالتعوذ من الشيطان الذي هو الملقي لهذه الشبهة ، وبالإيمان الصحيح الذي يدفع كل ما يضاده من الباطل ، والحمد لله .
( فبالانتهاء ) : قطع الشر مباشرة .
( وبالاستعاذة ) : قطع السبب الداعي إلى الشر .
( وبالإيمان ) اللجأ والاعتصام بالاعتقاد الصحيح اليقيني الذي يدفع كل معارض .
38- قوله صلى الله عليه وسلم : « احرص على ما ينفعك واستعن بالله » كلام جامع نافع ، محتو على سعادة الدنيا والآخرة .
والأمور النافعة قسمان : أمور دينية ، وأمور دنيوية .
والعبد محتاج إلى الدنيوية كما أنه محتاج إلى الدينية ، فمدار سعادته وتوفيقه على الحرص والاجتهاد في الأمور النافعة منهما ، مع الاستعانة بالله تعالى ، فمتى حرص العبد على الأمور النافعة واجتهد فيها ، وسلك أسبابها وطرقها ، واستعان بربه في حصولها وتكميلها : كان ذلك كماله ، وعنوان فلاحه .
ومتى فاته واحد من هذه الأمور الثلاثة : فاته من الخير بحسبها ، فمن لم يكن حريصاً على الأمور النافعة ، بل كان كسلاناً ، لم يدرك شيئا ، فالكسل هو أصل الخيبة والفشل .
فالكسلان لا يدرك خيراً ، ولا ينال مكرمة ، ولا يحظى بدين ولا دنيا ومتى كان حريصاً ، ولكن على غير الأمور النافعة : إما على أمور ضارة ، أو مفوتة للكمال كان ثمرة حرصه الخيبة ، وفوات الخير ، وحصول الشر والضرر ، فكم من حريص على سلوك طرق وأحوال غير نافعة لم يستفد من حرصه إلا التعب والعناء والشقاء .
40- كلام عظيم في منهج طلب العلم .
أما العلم النافع : فهو العلم المُزكي للقلوب والأرواح ، المثمر لسعادة الدارين .
وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث وتفسير وفقه ، وما يعين على ذلك من علوم العربية بحسب حالة الوقت والموضع الذي فيه الإنسان ، وتعيين ذلك يختلف باختلاف الأحوال .
والحالة التقريبية : أن يجتهد طالب العلم في حفظ مختصر من مختصرات الفن الذي يشتغل فيه .
فإن تعذر أو تعسّر عليه حفظه لفظاً ، فليكرره كثيراً ، متدبراً لمعانيه ، حتى ترسخ معانيه في قلبه .
ثم تكون باقي كتب هذا الفن كالتفسير والتوضيح والتفريع لذلك الأصل الذي عرفه وأدركه ، فإن الإنسان إذا حفظ الأصول وصار له ملكة تامة في معرفتها هانت عليه كتب الفن كلها : صغارها وكبارها ، ومن ضيّع الأصول حُرم الوصول .
فمن حرص على هذا الذي ذكرناه ، واستعان بالله : أعانه الله ، وبارك في علمه ، وطريقه الذي سلكه .
ومن سلك في طلب العلم غير هذه الطريقة النافعة : فاتت عليه الأوقات ، ولم يدرك إلا العناء ، كما هو معروف بالتجربة .
والواقع يشهد به ، فإن يسّر الله له معلماً يحسن طريقة التعليم ، ومسالك التفهيم : تم له السبب الموصل إلى العلم .
60- حديث « لا ضرر ولا ضرار » هذا يشمل أنواع الضرر كله .
والضرر يرجع إلى أحد أمرين : إما تفويت مصلحة ، أو حصول مضرة بوجه من الوجوه ، فالضرر غير المستحق لا يحل إيصاله وعمله مع الناس ، بل يجب على الإنسان أن يمنع ضرره وأذاه عنهم من جميع الوجوه .
فيدخل في ذلك : التدليس والغش في المعاملات وكتم العيوب فيها ، والمكر والخداع والنجش ، وتلقي الركبان ، وبيع المسلم على بيع أخيه ، والشراء على شرائه .
ومثله الإجارات ، وجميع المعاملات والخِطبة على خِطبة أخيه .
فكل هذا من المضارة المنهي عنها ، وكل معاملة من هذا النوع ، فإن الله لا يبارك فيها ، لأنه من ضارّ مسلماً ضاره الله ، ومن ضارّه الله ، ترحّل عنه الخير ، وتوجه إليه الشر وذلك بما كسبت يداه .
63- وكذلك الضرار في الوصايا : كما قال تعالى : " من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار " بأن يخص أحد ورثته بأكثر مما له ، أو ينقص الوارث ، أو يوصي لغير وارثه بقصد الإضرار بالورثة .
63- كما يدل الحديث بمنطوقه : أن من ضارّ وشاقّ ضرّه الله وشقّ عليه ، فإن مفهومه يدل على : أن من أزال الضرر والمشقة عن المسلم فإن الله يجلب له الخير ، ويدفع عنه الضرر والمشاق ، جزاءً وفاقاً ، سواء كان متعلقاً بنفسه أو بغيره .
85- ولذلك قال أصحابنا : الحيوانات أقسام خمسة : من حيث الطهارة ، النجاسة .
أولها : نجس حياً وميتاً في ذاته وأجزائه وفضلاته ، وذلك كالكلاب والسباع كلها ، والخنزير ونحوها .
الثاني : ما كان طاهراً في الحياة نجساً بعد الممات ، وذلك كالهرة وما دونها في الخلقة ، ولا تحله الذكاة ولا غيرها .
الثالث : ما كان طاهراً في الحياة وبعد الممات ، ولكنه لا يحل أكله ، وذلك كالحشرات التي لا دم لها سائل .
الرابع : ما كان طاهراً في الحياة وبعد الذكاة ، وذلك كالحيوانات المباح أكلها ، كبهيمة الأنعام ونحوها .
الخامس : ما كان طاهراً في الحياة وبعد الممات ، ذُكّي أو لم يُذك وهو حلال ، وذلك كحيوانات البحر كلها والجراد .
114- في الحديث : « وإذا استنصحك فانصح له » .
أي : إذا استشارك في عمل من الأعمال : هل يعمله أم لا ؟ فانصح له بما تحبه لنفسك ، فإن كان العمل نافعاً من كل وجه فحثه على فعله ، وإن كان مضراً فحذره منه ، وإن احتوى على نفع وضرر فاشرح له ذلك ووازن بين المصالح والمفاسد ، وكذلك إذا شاورك على معاملة أحد من الناس أو تزويجه أو التزوج منه فابذل له محض نصيحتك ، واعمل له من الرأي ما تعمله لنفسك ، وإياك أن تغشه في شيء من ذلك ، فمن غش المسلمين فليس منهم ، وقد ترك واجب النصيحة .
116- اتباع الجنازة فيه حق لله ، وحق للميت ، وحق لأقاربه الأحياء .
119- حديث « أسرعوا بالجنازة " .
إذا كان هذا مأموراً به في أمور تجهيزه ، فمن باب أولى الإسراع في إبراء ذمته من ديون وحقوق عليه ، فإنه إلى ذلك أحوج .
127- والصبر كسائر الأخلاق يحتاج إلى مجاهدة للنفس وتمرينها ، فلهذا قال : « ومن يتصبر » أي : يجاهد نفسه على الصبر « يصبره الله » ويعينه ، وإنما كان الصبر أعظم العطايا ، لأنه يتعلق بجميع أمور العبد وكمالاته .
وكل حالة من أحواله تحتاج إلى صبر ، فإنه يحتاج إلى الصبر على طاعة الله ، حتى يقوم بها ويؤديها ، وإلى صبر عن معصية الله حتى يتركها لله ، وإلى صبر على أقدار الله المؤلمة ، فلا يتسخطها ، بل إلى صبر على نعم الله ومحبوبات النفس ، فلا يدع النفس تمرح وتفرح الفرح المذموم ، بل يشتغل بشكر الله ، فهو في كل أحواله يحتاج إلى الصبر وبالصبر ينال الفلاح ، ولهذا ذكر الله أهل الجنة فقال : " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب . سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " .
130- الصدقة لا تنقص المال ، لأنه لو فُرض أنه نقصٌ من جهة ، فقد زاد من جهات أخر ، فإن الصدقة تبارك المال ، وتدفع عنه الآفات وتُنميه ، وتفتح للمتصدق من أبواب الرزق وأسباب الزيادة أموراً ما تفتح على غيره فهل يقابل ذلك النقص بعض هذه الثمرات الجليلة ؟
فالصدقة لله التي في محلها لا تنفد المال قطعاً ، ولا تنقصه بنص النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالمشاهدات والتجربات المعلومة ، هذا كله سوى ما لصاحبها عند الله : من الثواب الجزيل ، والخير والرفعة .
135- « كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله تعالى : إلا الصوم ، فإنه لي ، وأنا أجزي به ، يدع شهوته وطعامه من أجلي " متفق عليه .
الصائم لما ترك محبوبات النفس التي طُبعت على محبتها ، وتقديمها على غيرها ، وأنها من الأمور الضرورية ، فقدّم الصائم عليها محبة ربه ، فتركها لله في حالة لا يطلع عليها إلا الله ، وصارت محبته لله مقدمة وقاهرة لكل محبة نفسية ، وطلب رضاه وثوابه مقدماً على تحصيل الأغراض النفسية ، فلهذا اختصه الله لنفسه ، وجعل ثواب الصائم عنده .
فما ظنك بأجر وجزاء تكفل به الرحمن الرحيم الكريم المنان ، الذي عمت مواهبه جميع الموجودات ، وخص أولياءه منها بالحظ الأوفر ، والنصيب الأكمل ، وقدر لهم من الأسباب والألطاف التي ينالون بها ما عنده على أمور لا تخطر له بالبال ، ولا تدور في الخيال ؟ فما ظنك أن يفعل الله بهؤلاء الصائمين المخلصين ؟
وهنا يقف القلم ، ويسيح قلب الصائم فرحاً وطرباً بعمل اختصه الله لنفسه ، وجعل جزاءه من فضله المحض ، وإحسانه الصرف ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
161- جميع ما يصل إلى العبد من آثار عمله ثلاثة :
الأول : أمور عمل بها الغير بسببه وبدعايته وتوجيهه .
الثاني : أمور انتفع بها الغير أيّ نفع كان ، على حسب ذلك النفع باقتدائه به في الخير .
الثالث : أمور عملها الغير وأهداها إليه ، أو صدقة تصدق بها عنه أو دعا له ، سواء أكان من أولاده الحسيين أو من أولاده الروحيين الذين تخرجوا بتعليمه ، وهدايته وإرشاده ، أو من أقاربه وأصحابه المحبين ، أو من عموم المسلمين ، بحسب مقاماته في الدين ، وبحسب ما أوصل إلى العباد من الخير ، أو تسبب به ، وبحسب ما جعل الله له في قلوب العباد من الود الذي لا بد أن تترتب عليه آثاره الكثيرة التي منها : دعاؤهم ، واستغفارهم له .
168- وأما الوصية للوارث ، فالحديث دل على منعها ، وعلّل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : « إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث » .
فمن أوصى لوارث فقد تعدى حدود الله ، وفضّل بعض الورثة على بعض ، وسواء وقع ذلك على وجه الوصية أو الهبة للوارث ، كما هو اتفاق العلماء ، أو على وجه الوقف لثلثه على بعض ورثته .
وشذ بعضهم في هذه المسألة ، فأجازها ، وهو مناف للفظ الحديث ومعناه .
وأما الوصية للأجنبي ، أو للجهات الدينية ، فتجوز بالثلث فأقل ، وما زاد على الثلث ، يتوقف على إجازة الورثة .
180- معنى قوله تعالى " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " .
أي : لا تجعلوا اليمين عذراً لكم وعرضة ومانعاً لكم من فعل البر والتقوى ، والصلح بين الناس إذا حلفتم على ترك هذه الأمور ، بل كفّروا أيمانكم ، وافعلوا البر والتقوى ، والصلح بين الناس .
187- في الحديث : « من تطبّب ولم يُعلم منه طب ، فهو ضامن » رواه أبو داود والنسائي .
هذا الحديث يدل بلفظه وفحواه على : أنه لا يحل لأحد أن يتعاطى صناعة من الصناعات وهو لا يحسنها ، سواء كان طباً أو غيره ، وأن من تجرأ على ذلك ، فهو آثم .
وما ترتب على عمله من تلف نفس أو عضو أو نحوهما ، فهو ضامن له ، وما أخذه من المال في مقابلة تلك الصناعة التي لا يحسنها ، فهو مردود على باذله ; لأنه لم يبذله إلا بتغريره وإيهامه أنه يحسن ، وهو لا يحسن ، فيدخل في الغش ، و « من غشنا فليس منا » .
201 - اعلم أن الإحسان المأمور به نوعان :
أحدهما : واجب ، وهو الإنصاف ، والقيام بما يجب عليك للخلق بحسب ما توجه عليك من الحقوق .
والثاني : إحسان مستحب ، وهو ما زاد على ذلك من بذل نفع بدني ، أو مالي ، أو علمي ، أو توجيه لخير ديني ، أو مصلحة دنيوية ، فكل معروف صدقة ، وكل ما أدخل السرور على الخلق صدقة وإحسان ، وكل ما أزال عنهم ما يكرهون ، ودفع عنهم ما لا يرتضون من قليل أو كثير ، فهو صدقة وإحسان .
202- الإحسان : هو بذل جميع المنافع من أيّ نوع كان ، لأي مخلوق يكون ، ولكنه يتفاوت بتفاوت المحسن إليهم ، وحقهم ومقامهم ، وبحسب الإحسان ، وعظم موقعه ، وعظيم نفعه ، وبحسب إيمان المحسن وإخلاصه ، والسبب الداعي له إلى ذلك .
204- ضوابط الأطعمة .
الأصل في جميع الأطعمة الحل ، فإن الله أحلّ لعباده ما أخرجته الأرض من حبوب وثمار ونبات متنوع ، وأحلّ لهم حيوانات البحر كلها حيها وميتها .
وأما حيوانات البر ، فأباح منها جميع الطيبات ، كالأنعام الثماني وغيرها ، والصيود الوحشية من طيور وغيرها .
وإنما حرّم من هذا النوع الخبائث وجعل لذلك حداً وفاصلاً ، وربما عيّن بعض المحرمات ، كما عيّن في هذا الحديث الحمر الأهلية ، والبغال وحرّمها وقال : « إنها رجس » .
وأما الحمر الوحشية: فإنها حلال ، وكذلك حرّم ذوات الأنياب من السباع ، كالذئب والأسد والنمر والثعلب والكلب ونحوها ، وكل ذي مخلب من الطير يصيد بمخلبه ، كالصقر والباشق ونحوهما .
وما نُهي عن قتله كالصرد .
أو أمر بقتله كالغراب ونحوها ، فإنها محرمة .
وما كان خبيثاً ، كالحيات والعقارب والفئران وأنواع الحشرات .
كذلك ما مات حتف أنفه من الحيوانات المباحة ، أو ذُكّي ذكاة غير شرعية ، فإنه محرم . والله أعلم .
205- الأمور ثلاثة أقسام :
قسم مشترك بين الرجال والنساء من أصناف اللباس وغيره ، فهذا جائز للنوعين ؛ لأن الأصل الإباحة ، ولا تشبه فيه .
وقسم مختص بالرجال ، فلا يحل للنساء ، وقسم مختص بالنساء ، فلا يحل للرجال .
ومن الحكمة في النهي عن التشبه : أن الله تعالى جعل للرجال على النساء درجة ، وجعلهم قوّامين على النساء ، وميّزهم بأمور قدرية ، وأمور شرعية ، فقيام هذا التمييز وثبوت فضيلة الرجال على النساء ، مقصود شرعاً وعقلاً .
فتشبه الرجال بالنساء يهبط بهم عن هذه الدرجة الرفيعة ، وتشبه النساء بالرجال يبطل التمييز .
وأيضا ، فتشبه الرجال بالنساء بالكلام واللباس ونحو ذلك : من أسباب التخنث ، وسقوط الأخلاق ، ورغبة المتشبه بالنساء في الاختلاط بهن ، الذي يخشى منه المحذور ، وكذلك بالعكس .
وهذه المعاني الشرعية ، وحفظ مراتب الرجال ومراتب النساء ، وتنزيل كل منهم منزلته التي أنزله الله بها ، مستحسن عقلاً ، كما أنه مستحسن شرعاً .
وإذا أردتَ أن تعرف ضرر التشبه التام ، وعدم اعتبار المنازل ، فانظر في هذا العصر إلى الاختلاط الساقط الذي ذهبت معه الغيرة الدينية ، والمروءة الإنسانية ، والأخلاق الحميدة ، وحل محله ضد ذلك من كل خلق رذيل .
209- أصول الطب : تدبير الغذاء ، بأن لا يأكل حتى تصدق الشهوة وينهضم الطعام السابق انهضاماً تاماً ، ويتحرى الأنفع من الأغذية ، وذلك بحسب حالة الأقطار والأشخاص والأحوال ، ولا يمتلئ من الطعام امتلاء يضره مزاولته ، والسعي في تهضيمه ، بل الميزان قوله تعالى : " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا " .
ويستعمل الحمية عن جميع المؤذيات في مقدارها ، أو في ذاتها ، أو في وقتها ، ثم إن أمكن الاستفراغ ، وحصل به المقصود ، من دون مباشرة الأدوية ، فهو الأولى والأنفع ، فإن اضطر إلى الدواء ، استعمله بمقدار ، وينبغي أن لا يتولى ذلك إلا عارف وطبيب حاذق .
واعلم أن طيب الهواء ، ونظافة البدن والثياب ، والبعد عن الروائح الخبيثة ، خير عون على الصحة .
كذلك الرياضة المتوسطة فإنها تقوي الأعضاء والأعصاب والأوتار ، وتزيل الفضلات ، وتهضم الأغذية الثقيلة ، وتفاصيل الطب معروفة عند الأطباء ولكن هذه الأصول التي ذكرناها يحتاج إليها كل أحد .
211- أخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : أن الرؤيا الصالحة من الله ، أي : السالمة من تخليط الشيطان وتشويشه .
وذلك لأن الإنسان إذا نام خرجت روحه ، وحصل لها بعض التجرد الذي تتهيأ به لكثير من العلوم والمعارف ، وتلطفت مع ما يلهمها الله ، ويلقيه إليها الملك في منامها .
فتتنبه وقد تجلت لها أمور كانت قبل ذلك مجهولة ، أو ذكرت أمورا قد غفلت عنها ، أو تنبهت لأحوال ينفعها معرفتها ، أو العمل بها ، أو حذرت مضارا دينية أو دنيوية لم تكن لها على بال ، أو اتعظت ورغبت ورهبت عن أعمال قد تلبست بها ، أو هي بصدد ذلك ، أو تنبهت لبعض الأعيان الجزئية لإدخالها في الأحكام الشرعية .
فكل هذه الأمور علامة على الرؤيا الصالحة ، التي هي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وما كان من النبوة فهو لا يكذب .
215- فمن قام بالإسلام ظاهرا وباطنا فهو المحسن : " ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا " .
فيشتغل هذا المحسن بما يعنيه ، مما يجب عليه تركه من المعاصي والسيئات ، ومما ينبغي له تركه كالمكروهات وفضول المباحات التي لا مصلحة له فيها ، بل تفوت عليه الخير .
فقوله صلى الله عليه وسلم : « من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » يعم ما ذكرنا .
217- أولى الناس بِبِرك ، وأحقهم بمعروفك : أولادك ، فإنهم أمانات جعلهم الله عندك ، ووصّاك بتربيتهم تربية صالحة لأبدانهم وقلوبهم ، وكل ما فعلته معهم من هذه الأمور ، دقيقها وجليلها ، فإنه من أداء الواجب عليك ، ومن أفضل ما يقربك إلى الله ، فاجتهد في ذلك ، واحتسبه عند الله ، فكما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم ، فأنت قائم بالحق مأجور ، فكذلك - بل وأعظم من ذلك - إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة ، والمعارف الصادقة ، والتوجيه للأخلاق الحميدة ، والتحذير من ضدها .
220- فالخير الذي يصيبه العبد من جليسه الصالح أبلغ وأفضل من المسك الأذفر ، فإنه إما أن يُعلمك ما ينفعك في دينك ودنياك ، أو يهدي لك نصيحة ، أو يحذرك من الإقامة على ما يضرك .
فيحثك على طاعة الله وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، ويبصرك بعيوب نفسك ، ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله ، فإن الإنسان مجبول على الاقتداء بصاحبه وجليسه ، والطباع والأرواح جنود مجندة ، يقود بعضها بعضا إلى الخير ، أو إلى ضده .
وأقل ما تستفيده من الجليس الصالح - وهي فائدة لا يستهان بها - أن تنكف بسببه عن السيئات والمعاصي ، رعاية للصحبة ، ومنافسة في الخير ، وترفعا عن الشر ، وأن يحفظك في حضرتك ومغيبك ، وأن تنفعك محبته ودعاؤه في حال حياتك وبعد مماتك ، وأن يدافع عنك بسبب اتصاله بك ، ومحبته لك .
وتلك أمور لا تباشر أنت مدافعتها ، كما أنه قد يصلك بأشخاص وأعمال ينفعك اتصالك بهم .
وفوائد الأصحاب الصالحين لا تعد ولا تحصى ، وحسب المرء أن يعتبر بقرينه ، وأن يكون على دين خليله .
229- في الحديث : « لا تغضب » يتضمن أمرين عظيمين :
أحدهما : الأمر بفعل الأسباب ، والتمرن على حسن الخلق ، والحلم والصبر ، وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخلق ، من الأذى القولي والفعلي .
فإذا وُفق لها العبد ، وورد عليه وارد الغضب ، احتمله بحسن خلقه ، وتلقاه بحلمه وصبره ، ومعرفته بحسن عواقبه ، فإن الأمر بالشيء أمر به ، وبما لا يتم إلا به ، والنهي عن الشيء أمر بضده ، وأمرٌ بفعل الأسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه ، وهذا منه .
الثاني : الأمر - بعد الغضب - أن لا ينفذ غضبه : فإن الغضب غالباً لا يتمكن الإنسان من دفعه ورده ، ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه ، فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه من الأقوال والأفعال المحرمة التي يقتضيها الغضب .
239- الأسباب التي تحصل بها المقاصد نوعان .
1- نوعٌ يشاهد بالحس ، وهو القوة بالشجاعة القولية والفعلية ، وبحصول الغنى والقدرة على الكسب ، وهذا النوع هو الذي يغلب على قلوب أكثر الخلق ، ويعلقون به حصول النصر والرزق ، حتى وصلت الحال بكثير من أهل الجاهلية أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر ، ووصلت بغيرهم إلى أن يتضجروا بعوائلهم الذين عدم كسبهم ، وفقدت قوتهم ، وهذا كله قصر نظر ، وضعف إيمان ، وقلة ثقة بوعد الله وكفايته ، ونظر للأمور على غير حقيقتها .
النوع الثاني : أسباب معنوية ، وهي قوة التوكل على الله في حصول المطالب الدينية والدنيوية ، وكمال الثقة به ، وقوة التوجه إليه والطلب منه .
240- فكم من إنسان كان رزقه مقتراً ، فلما كثرت عائلته والمتعلقون به ، وسّع الله له الرزق من جهات وأسباب شرعية قدرية إلهية .
250- أبلغ ما يكون من الفتن وأشده فتنة النساء ، فإن فتنتهن عظيمة ، والوقوع فيها خطير وضررها كبير ، فإنهن مصائد الشيطان وحبائله ، كم صاد بهن من معافى فأصبح أسير شهوته ، رهين ذنبه ، قد عزّ عليه الخلاص ، والذنب ذنبه ، فإنه الذي لم يحترز من هذه البلية ، وإلا فلو تحرز منها ، ولم يدخل مداخل التهم ، ولا تعرّض للبلاء ، واستعان باعتصامه بالمولى ، لنجا من هذه الفتنة ، وخلص من هذه المحنة .
253- حديث شعب الإيمان ، يدلَّ على أن شعب الإيمان بعضها يرجع إلى الإخلاص للمعبود الحق ، وبعضها يرجع إلى الإحسان إلى الخلق ، ونبّه بإماطة الأذى على جميع أنواع الإحسان القولي والفعلي ، الإحسان الذي فيه وصول المنافع ، والإحسان الذي فيه دفع المضار عن الخلق .
256- حديث « ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ، ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه ، فلا يرى إلا ما قدم ، وينطر أشأم منه ، فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة » متفق عليه .
أن من أعظم المنجيات من النار ، الإحسان إلى الخلق بالمال والأقوال ، وأن العبد لا ينبغي له أن يحتقر من المعروف ولو شيئا قليلا ، والكلمة الطيبة تشمل النصيحة للخلق بتعليمهم ما يجهلون ، وإرشادهم إلى مصالحهم الدينية والدنيوية .
وتشمل الكلام المُسر للقلوب ، الشارح للصدور ، المقارن للبشاشة والبشر ، وتشمل الذكر لله والثناء عليه ، وذكر أحكامه وشرائعه .
259- قال سبحانه في سورة الضحى " وأما السائل فلا تنهر " وهذا يشمل السائل عن العلوم النافعة والسائل لما يحتاجه من أمور الدنيا ، من مال وغيره .
271- حديث « من أحب أن يُبسط له في رزقه ، ويُنسأ له في أثره ، فليصل رحمه » متفق عليه .
فكما وصل رحمه بالبر والإحسان المتنوع ، وأدخل على قلوبهم السرور ، وصل الله عمره ، ووصل رزقه ، وفتح له من أبواب الرزق وبركاته ، ما لا يحصل له بدون هذا السبب الجليل .
281- قال تعالى " وقل رب أدخلني مُدخل صدقٍ وأخرجني مُخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً " .
ومدخل الصدق ومخرجه ، أن تكون أسفار العبد ، ومداخله ومخارجه كلها تحتوي على الصدق والحق ، والاشتغال بما يحبه الله ، مقرونة بالتوكل على الله ، ومصحوبة بمعونته .
305- الحاكم محتاج إلى أمور ثلاثة :
الأول : العلم بالطرق الشرعية ، التي وضعها الشارع لفصل الخصومات والحكم بين الناس .
الثاني : أن يفهم ما بين الخصمين من الخصومة ، ويتصورها تصوراً تاماً ، ويدع كل واحد منهما يدلي بحجته ، ويشرح قضيته شرحا تاما ، ثم إذا تحقق ذلك وأحاط به علما .
احتاج إلى الأمر الثالث : وهو صفة تطبيقها وإدخالها في الأحكام الشرعية ، فمتى وفق لهذه الأمور الثلاثة ، وقصد العدل ، وفُق له ، وُهدي إليه ، ومتى فاته واحد منها ، حصل الغلط ، واختل الحكم . والله أعلم .
تم يوم الأربعاء 30 رمضان س 2 ظهراً 1442 هـ
مواد آخرى من نفس القسم
مكتبة الصوتيات
قواعد في الإصلاح ورسائل للمصلحين
0:00
رسالة إلى داعشي
0:00
شهادة الجوارح
0:00
ويحذركم الله
0:00
الشباب والشهوة
0:00
عدد الزوار
5130830
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 27 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1616 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |