• الاربعاء 22 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :01 مايو 2024 م


  • حديث " الجوع يا رسول الله "

  •  

    عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه ﷺ ذاتَ يَوْمٍ -أَوْ لَيْلَةٍ- فَإِذا هُوَ بِأَبي بَكْرٍ وعُمَرَ رضي اللَّه عنهما ، فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُما هذِهِ السَّاعَةَ ؟
    قَالا: الجُوعُ يَا رَسولَ اللَّه ، قالَ : وَأَنا ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لأَخْرَجَني الَّذِي أَخْرَجَكُما ، قُوما ، فقَاما مَعَهُ ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الأَنْصارِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ في بيتهِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ المَرْأَةُ قالَتْ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا .
    فقال لَهَا رَسُولُ اللَّه ﷺ : أَيْنَ فُلانٌ ؟
    قالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الماءَ ، إِذْ جاءَ الأَنْصَاريُّ ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّه ﷺ وَصَاحِبَيْهِ ، ثُمَّ قالَ : الحَمْدُ للَّه، مَا أَحَدٌ اليَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيافًا مِنِّي، فانْطَلقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ ، فَقَالَ: كُلُوا، وَأَخَذَ المُدْيَةَ .
    فَقَالَ لَهُ رسُولُ اللَّه ﷺ: إِيَّاكَ وَالحَلُوبَ، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذلكَ العِذْقِ وشَرِبُوا، فلمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَووا .
    قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ لأَبي بكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّه عنهما: وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هذَا النَّعيمِ يَوْمَ القِيامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هذا النَّعِيمُ  . رواه مسلم .

    هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد :

    1- فيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه رضي الله عنهم من التقلل من الدنيا ، وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش في أوقات ، وقد زعم بعض الناس أن هذا كان قبل فتح الفتوح والقرى عليهم ، وهذا زعم باطل ؛ فإن راوي الحديث أبو هريرة ، ومعلوم أنه أسلم بعد فتح خيبر ، فإن قيل : لا يلزم من كونه رواه أن يكون أدرك القضية ، فلعله سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره .
    فالجواب : أن هذا خلاف الظاهر ولا ضرورة إليه ، بل الصواب خلافه ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يتقلب في اليسار والقلة حتى توفي صلى الله عليه وسلم ، فتارة يوسر ، وتارة ينفد ما عنده ، كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير " ، وعن عائشة : " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعا حتى قبض " ، و " توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير استدانه لأهله " ، وغير ذلك مما هو معروف .

    فكان النبي صلى الله عليه وسلم في وقت يوسر ، ثم بعد قليل ينفد ما عنده لإخراجه في طاعة الله من وجوه البر ، وإيثار المحتاجين ، وضيافة الطارقين ، وتجهيز السرايا ، وغير ذلك .
    وهكذا كان خلق صاحبيه رضي الله عنهما ، بل أكثر أصحابه ، وكان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم مع برهم له صلى الله عليه وسلم وإكرامهم إياه وإتحافه بالطرف وغيرها ، ربما لم يعرفوا حاجته في بعض الأحيان ؛ لكونهم لا يعرفون فراغ ما كان عنده من القوت بإيثاره به ، ومن علم ذلك منهم ربما كان ضيق الحال في ذلك الوقت كما جرى لصاحبيه ، ولا يعلم أحد من الصحابة علم حاجة النبي صلى الله عليه وسلم وهو متمكن من إزالتها إلا بادر إلى إزالتها ، لكن كان صلى الله عليه وسلم يكتمها عنهم إيثارا لتحمل المشاق ، وحملا عنهم .

    وقد بادر أبو طلحة حين قال : " سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف فيه الجوع " إلى إزالة تلك الحاجة .

    ‏2 - وأما قولهما رضي الله عنهما : " أخرجنا الجوع " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما " فمعناه : أنهما لما كانا عليه من مراقبة الله تعالى ، ولزوم طاعته ، والاشتغال به ، فعرض لهما هذا الجوع الذي يزعجهما ، ويقلقهما ، ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة ، وتمام التلذذ بها سعيا في إزالته بالخروج في طلب سبب مباح يدفعانه به ، وهذا من أكمل الطاعات ، وأبلغ أنواع المراقبات  .

    3 - ‏وقوله : ( بيوتكما ) هو بضم الباء وكسرها ؛ لغتان قرئ بهما في السبع ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما " .
    وفيه جواز ذكر الإنسان ما يناله من ألم ونحوه ، لا على سبيل التشكي وعدم الرضا ، بل للتسلية والتصبر ، كفعله صلى الله عليه وسلم هنا ، ولالتماس دعاء أو مساعدة على التسبب في إزالة ذلك العارض ، فهذا كله ليس بمذموم ، إنما يذم ما كان تشكيا وتسخطا وتجزعا .

    ‏5 - وقوله صلى الله عليه وسلم : وأنا والله ، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف .

    6 - ‏وقوله : ( فأتى رجلا من الأنصار ) هو أبو الهيثم ، وفيه جواز الإدلال على الصاحب الذي يوثق به كما ترجمنا له ، واستتباع جماعة إلى بيته ، وفيه منقبة لأبي الهيثم ؛ إذ جعله النبي صلى الله عليه وسلم أهلاً لذلك وكفى به شرفا ذلك .

    7 - ‏وقوله : ( فقالت : مرحبا وأهلا ) كلمتان معروفتان للعرب ، ومعناه : صادفت رحبا وسعة وأهلا تأنس بهم ، وفيه استحباب إكرام الضيف بهذا القول وشبهه ، وإظهار السرور بقدومه ، وجعله أهلا لذلك ، كل هذا وشبهه إكرام للضيف ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " .

    8 - وفيه جواز سماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة .

    9 - وجواز إذن المرأة في دخول منزل زوجها لمن علمت علماً محققا أنه لا يكرهه بحيث لا يخلو بها الخلوة المحرمة .

    10 - ‏وقولها : ( ذهب يستعذب لنا الماء ) أي : يأتينا بماء عذب ، وهو الطيب ، وفيه جواز استعذابه وتطييبه .

    11 - ‏قوله : ( الحمد لله ، ما أحد اليوم أكرم ضيفا مني ) فيه فوائد ، منها : استحباب حمد الله تعالى عند حصول نعمة ظاهرة ، وكذا يستحب عند اندفاع نقمة كانت متوقعة ، وفي غير ذلك من الأحوال .

    12 - ومنها استحباب إظهار البشر ، والفرح بالضيف في وجهه ، وحمد الله تعالى وهو يسمع على حصول هذه النعمة ، والثناء على ضيفه إن لم يخف عليه فتنة ، فإن خاف لم يثن عليه في وجهه .

    13 - وفيه دليل على كمال فضيلة هذا الأنصاري وبلاغته وعظيم معرفته ؛ لأنه أتى بكلام مختصر بديع في الحسن في هذا الموطن رضي الله عنه .

    ‏14 - قوله : ( فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب ، فقال : كلوا من هذه ) العذق هنا بكسر العين وهي الكباسة ، وهي الغصن من النخل ، وإنما أتى بهذا العذق الملون ليكون أطرف ، وليجمعوا بين أكل الأنواع ، فقد يطيب لبعضهم هذا ولبعضهم هذا .
    وفيه دليل على استحباب تقديم الفاكهة على الخبز واللحم وغيرهما ، وفيه استحباب المبادرة إلى الضيف بما تيسر .
    وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف ، وهو محمول على ما يشق على صاحب البيت مشقة ظاهرة ؛ لأن ذلك يمنعه من الإخلاص وكمال السرور بالضيف ، وربما ظهر عليه شيء من ذلك فيتأذى به الضيف ، وقد يحضر شيئاً يعرف الضيف من حاله أنه يشق عليه ، وأنه يتكلفه له فيتأذى لشفقته عليه ، وكل هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " ؛ لأن أكمل إكرامه إراحة خاطره ، وإظهار السرور به .
    وأما فعل الأنصاري وذبحه الشاة فليس مما يشق عليه ، بل لو ذبح أغناما بل جمالا وأنفق أموالا في ضيافة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما كان مسرورا بذلك مغبوطا فيه ، والله أعلم .

    15 - ‏قوله : ( فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما : والذي نفسي بيده ، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة ) فيه دليل على جواز الشبع ، وما جاء في كراهة الشبع فمحمول على المداومة عليه ؛ لأنه يقسي القلب وينسي أمر المحتاجين ، وأما السؤال عن هذا النعيم فقال القاضي عياض : المراد السؤال عن القيام بحق شكره ، والذي نعتقده أن السؤال هنا سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها ، وإظهار الكرامة بإسباغها لا سؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة ، والله أعلم .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    ماذا يحب الرجل من زوجته ؟!

    0:00

    العلاقات الأسرية

    0:00

    نعمة العين

    0:00

    تأملات من سورة الشورى - 2

    0:00

    عشرون رسالة من زوجتك

    0:00



    عدد الزوار

    4174146

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة