• الخميس 19 جُمادى الأولى 1446 هـ ,الموافق :21 نوفمبر 2024 م


  • التقصير في بر الأب




  • الحمد لله الذي يحبُ أهلَ البرِ والإحسان.

    والصلاة والسلام على سيدِ المحسنين وإمام المتقين.

    أما بعد.

    في ذلك البيت يوجدُ ذلك الرجلُ المسكين الذي قد لا يُلتفت له في بعضِ الأحيان، رجلٌ قضى سنوات عُمرهِ لكي تأكل وتشرب وتلبس.

    كانت أمنية ذلك الرجل أن تكون متميزاً في دراستك وأن ترسمَ خريطةَ مستقبلك.

    لم يطلبْ منك أن تساعدهُ في جلبِ المال، بل كان ليلهُ ونهارهُ في كيفَ يجمعُ المالَ لا لنفسهِ بل لأجلك أنت وأمِّك وأخواتِك.

    ربما بحثَ عن فرصةِ عملٍ آخر لكي يزيدَ دخلهُ المادي لكي يُسعدك أكثر.

    كان يعرقُ في الشمس، كان يواجهُ في عملهِ عدة ضغوطات، كان يقترض لأجلك أنت وبقية أسرتك.

    كان يخرجُ بك في الليلِ البارد لأن حرارتك مرتفعة، كلُّ أمنياته في تلك الساعة أن تُشفى من مرضك.

    كان يقلق لا لنفسه بل لصحتك، ولعجزه أحياناً عن تلبيةِ مطالبك.

    كان ذلك الرجل يفكرُ في ليلهِ ونهارهِ كيف ستكونُ أنت في مستقبلك؟

    كان والدك يدعو لك كثيراً، ولكن يحزنه أنك لاتبالي به في كثير من الأحيان.

    أيها الابن، بكل صراحة ألا تشعر أنك مقصرٌ في بثِّ عواطِفك لوالدك؟

    إنك تُقِّبل يدَ أمك ورأسها، أمّا والدك فلا تفعل ذلك معه، لماذا؟

    إنك تفرحُ بالجلوسِ مع أمّك وتتحدثُ معها بكل أدب، أما والدك فلا، لماذا؟

    إنك لا تنتبه لذلك؛ لأن قلبك قاسي.

    نعم.

    نحن ندعو لبر الأم والرحمةِ بها وحسنِ صحبتها، ولكن لايعني هذا أن تهمل والدك.

    لولا اللهُ ثم والدك لما وجدتُ أنتَ على الحياة.

    لولا اللهُ ثم والدك لما عشتَ أنتَ وأمك في بيت يمتلئُ بصنوف الخيرات.

    لولا اللهُ ثم والدك لما لبستَ وأكلتَ ودرست.

    لعله يدفعُ لك لتسافر للترفيه بينما هو لم يسافر منذُ سنوات.

    لعله يشتري لك جوالْ جديد بينما هو لم يغير جواله منذ سنوات.

    لعل والدك لم يغير سيارته ولكنه اشترى لك سيارة جديدة.

    ما أقسى قلوبَ بعضِ الشباب والبنات.

    هذا يرفعُ صوته على أبيه، وتلك تخاصم والدها في محل العطور لأنه رفض عطراً غالي الثمن، وثالث لم يتصل على والده للسلام عليه بعدما سافر بينما يتصل على زملاءه كل يوم.

    أيها الأبناء، إن الله يأمركم بالوالدين " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ".

    وقال تعالى " وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ".

    إن والديك بحاجةٍ إلى أن تصبرَ عليهما، فربما رفع أحدهما صوتُه عليك أو غضب على فعلك.

    وحينها تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم " ففيهما فجاهد ".

    يا ولدي.

    لن يبقى لك صديقك، فارجع لوالدك واعتذر منه وأحسن صحبتك له.

    يا ولدي، انتبه لدراستك ومستقبلك، هذه أمنية والدك فحققها لكي يشعر بالسعادة حينما يراك في مقدمة الناجحين في الحياة.

    يا ولدي، لا تنشغل بدنياك عن والدك، واقترب منه وساعده في أعماله ومواعيده، لقد تعبَ والدك كثيراً وتقدم به السن.

    يا ولدي لقد شابت لحية أبيك، وهو بحاجةٍ لك.

    فاقترب منه بحنانك وكلامك الطيب وعاطفتك الصادقة.

    إن تلك اللحظات هي الدواء لوالدك من هموم الحياة التي أحاطت به منذ خمسين سنة.

    والدك قد يحتاح لبعض مالك فلا تبخل عليه، واحتسب ذلك في ميزان حسناتك، " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً ".

    يا بني، لا تفتح مواضيعَ محزنة أمامَ والدك، تكفيهَ أحزانُ الحياة، واكتم همومك، ولا يشعر منك إلا بالبسمةِ والأملِ والتفاؤل.

    إن بِرَّك بوالدك سوف تجده في ولدك في الأيامِ القادمة.

    يا ولدي، إن بِّرك بوالديك يجعلك من الذين تُستجابُ دعواتهم، ودليل ذلك قصة الثلاثة الذين دخلوا الكهف ونزلت حجرة فأغلقت عليهم فدعوا الله بصالح أعمالهم وكان منهم ذلك البار بوالديه فاستجاب الله لهم ودفعوا الصخرة وخرجوا يمشون.

    اللهم اغفر لنا تقصيرنا في بر والدينا.

     

     --------------

    الحمد لله.

    معاشر الكرام، لقد تحدث الوعاظُ والدعاةُ كثيراً عن هذا الموضوع، وكلنا بحاجةٍ للتذكير بشأن الوالدين لأن البعض بدأ يقصر في ذلك وخاصةً بسببِ الإدمانِ على مواقع التواصل.

    وهنا مظاهرْ جديدة للعقوق:

    ١- عدم التحدث معهم بسبب الجوال.

    ٢- إهمال جانب الأب والتركيز على الأم.

    ٣- الانشغال بالسفر مع الزوجة والتنزه معها هناك وهناك وإهمال الوالدين، والواجب أن يكون هناك توازن بين زيارة الوالدين وخدمتهم وبين مراعاة ظروف زوجتك وأولادك.

    ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول : أعط كل ذي حق حقه.

    ٤- بعض الشباب يرفع صوته على والده حينما يوقظه للصلاة وهذا لا يجوز.

    ٥- إهمالُ دراستك وكثرةُ الخروج من المنزل يبغض والديك ويجلبُ لهم القلق تجاه مستقبلك، فاتق الله في مراعاة ذلك.

    أيها الشباب، هذه ومضات حول العناية بالوالد، لأنه بحاجة للكلام عنه.

    فاتقوا في آبائكم وأمهاتكم، وتنافسوا في البر بهما، وتوبوا إلى الله من كل لحظةٍ أخطأتم فيها على والديكم.

    اللهم أرزقنا بر والدينا أحياءً وأمواتاً .

    اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية والسرور .

    ومن كان منهم ميتاً فاجعل قبره روضةً من رياض الجنان .

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    تأملات في سورة الزلزلة

    0:00

    هدايا الرحمن

    0:00

    أجمل رحلة في العالم

    0:00

    أحكام الوضوء

    0:00

    إنه غفور شكور

    0:00



    عدد الزوار

    4970399

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1596 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة