• السبت 03 ذوالقعدة 1445 هـ ,الموافق :11 مايو 2024 م


  • الجزء ( 2 ) المجموعة 3

  •  


    148 – الكلام عن مسألة صلاة الجماعة ، وهو مبحث جميل ومتنوع .

    وتلخيص ذلك :

    ذهب جماعة إلى أنها فرض عين وقال بذلك عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية وغيرهم ، وبالغ داود فجعلها شرطا للصلاة ، وقيل إنها سنة مؤكدة ، وقيل إنها فرض كفاية .

    وفي البخاري إرادة الرسول صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن الصلاة وهذا أقوى الأدلة ، وإنما ترك ذلك لمافي رواية أحمد " لولا مافي البيوت من النساء والذرية " ، وفيه إشارة إلى أن فعلهم فعل المنافقين والتحذير من التشبه بهم .

    151 - ابن حجر يمدح كتابه الفتح ، حيث قال " واجتمع في الأجوبة على هذه المسألة مالا تجده مجموعاً في غير هذا الشرح ".

    151- كان صلى الله عليه وسلم يقسم كثيراً ب " والذي نفسي بيده " وفيه الرد على من كره أن يحلف بالله مطلقاً ، وعلى جواز الإقسام على الأمر الذي لاشك فيه تنبيهاً على عظم شأنه .

    148- حديث 644 عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً ، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء .

    فيه فوائد :

    1- جواز أخذ أهل الجرائم على غِرة لأنه صلى الله عليه وسلم همّ بذلك في الوقت الذي عهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة فأراد أن يبغتهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد ، وفي السياق إشعار بأنه تقدم منه زجرهم عن التخلف بالقول حتى استحقوا التهديد بالفعل .

    2- جواز العقوبة بالمال ، كذا استدل به كثير من القائلين بذلك من المالكية وغيرهم ، وفيه نظر .

    3- استدل به ابن العربي وغيره على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاوناً بها ونوزع في ذلك .

    4- فيه الرخصة للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفي في بيته ويتركها .

    5- استدل به على جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا كان في ذلك مصلحة ، قال ابن بزيزة : وفيه نظر لأن الفاضل في هذه الصورة يكون غائباً وهذا لا يختلف في جوازه واستدل به ابن العربي على جواز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك .

    155- حديث " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " وفي لفظ " جزء . ضعفاً ".

    155- مالفرق بين رواية " خمس وعشرين وسبع وعشرين " ؟

    فقيل : 1- لعله صلى الله عليه وسلم أخبر بالخمس ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع وتعقب بأنه يحتاج إلى التاريخ وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه لكن إذا فرعنا على المنع تعين تقدم الخمس على السبع من جهة أن الفضل من الله يقبل الزيادة لا النقص .

    2- أن اختلاف العددين باختلاف مميزهما وعلى هذا فقيل الدرجة أصغر من الجزء وتعقب بأن الذي روي عنه الجزء روي عنه الدرجة .

    3- وقال بعضهم الجزء في الدنيا والدرجة في الآخرة وهو مبني على التغاير .

    4- الفرق بقرب المسجد وبعده .

    5- الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع .

    6- الفرق بإيقاعها في المسجد أو في غيره .

    7- الفرق بالمنتظر للصلاة وغيره.

    8- الفرق بإدراك كلها أو بعضها .

    9- الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم .

    158- الكلام على حديث أبي سعيد " فإن صلّاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة " ولم يذكر توجيه مناسب فيما يظهر لي ، وقال ابن باز رحمه الله تعالى في الحاشية : إن هذا محمول على من صلى في الفلاة من غير ترك للجماعة عند إمكانها ، فأتم ركوعها وسجودها مع كونه خالياً بربه بعيداً عن الناس فشكر الله له هذا الإخلاص والاهتمام بأمر الصلاة فضاعف له هذا التضعيف .

    154- حديث 647 " صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه اللهم صل عليه اللهم ارحمه ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة " .

    159- في الحديث السابق " مادام في مصلاه " .
    أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد وكأنه خرج مخرج الغالب وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمراً على نية انتظار الصلاة كان كذلك .

    160 – ومن فوائد الحديث :

    1- استدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة .

    2- فيه دليل على تفضيل صالحي الناس على الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار والدعاء لهم .

    3- استدل بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطاً لصحة الصلاة لأن قوله على صلاته وحده يقتضي صحة صلاته منفرداً لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل فإن ذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة المنفرد وما لا يصح لا فضيلة فيه .

    160- كلما كثر العدد في الجماعة كان أفضل ودليله مارواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعاً " صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله " وله شاهد قوي في الطبراني .

    161- حديث 650 قالت أم الدرداء : دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت: ما أغضبك ؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً .

    المراد أن أبا الدرداء أنكر ما عليه الناس في زمنه من تغير ولم يبق فيهم إلا محافظتهم على الصلاة جماعة .

    قال ابن حجر : فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان ؟

    من فوائد الحديث :

    1- في هذا الحديث جواز الغضب عند تغير شيء من أمور الدين .

    2- إنكار المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثر منه .

    3- القسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع .

    164- حديث 655 عن أنس بن مالك قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم . وقال مجاهد: في قوله: " ونكتب ما قدموا وآثارهم " قال: خطاهم .

    656 - عن أنس أن بني سلمة أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم فينزلوا قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم قال: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعروا المدينة فقال: ألا تحتسبون آثاركم ، قال مجاهد: خطاهم آثارهم ، أن يمشى في الأرض بأرجلهم .

    الفوائد :

    1- الاحتساب وإن كان أصله العد لكنه يستعمل غالباً في معنى طلب تحصيل الثواب بنية خالصة .

    2- أن أعمال البر إذا كانت خالصة تكتب آثارها حسنات .

    3- استحباب السكنى بقرب المسجد إلا لمن حصلت به منفعة أخرى أو أراد تكثير الأجر بكثرة المشي .

    واختلف فيمن كانت داره قريبة من المسجد فقارب الخطا بحيث تساوي خطا من داره بعيدة هل يساويه في الفضل أو لا ؟ وإلى المساواة جنح الطبري ، وروى ابن أبي شييبة من طريق أنس قال : مشيت مع زيد بن ثابت إلى المسجد فقارب بين الخطا وقال أردت أن تكثر خطانا إلى المسجد ، وهذا لا يلزم منه المساواة في الفضل وإن دل على أن في كثرة الخطا فضيلة لأن ثواب الخطا الشاقة ليس كثواب الخطا السهلة .

    واستنبط منه بعضهم استحباب قصد المسجد البعيد ولو كان بجنبه مسجد قريب ، وإنما يتم ذلك إذا لم يلزم من ذهابه إلى البعيد هجر القريب وإلا فإحياؤه بذكر الله أولى وكذا إذا كان في البعيد مانع من الكمال كأن يكون إمامه مبتدعاً .

    165- حديث 657 عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ".

    يدل هذا على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين ومنه قوله تعالى " ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى " وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهما لأن العشاء وقت السكون والراحة ، والصبح وقت لذة النوم .

    166- قال البخاري باب اثنان فما فوقهما جماعة .

    هذه الترجمة لفظ حديث ورد من طرق ضعيفة منها في ابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري وفي معجم البغوي من حديث الحكم بن عمير وفي أفراد الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو وفي البيهقي من حديث أنس .

    167- قوله " مادام في مصلاه ما لم يحدث " وفيه زيادة على ما هنا وأن المراد بالحدث حدث الفرج لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب الأولى لأن الأذى منهما يكون أشد أشار إلى ذلك ابن بطال.

    169- حديث 660 . السبعة الذين يظلهم الله في ظله , قال الحافظ : وقد أفردته في جزء سميته معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال .

    169- " في ظله " وقيل المراد :

    1- بظله كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض .

    2- وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن " سبعة يظلهم الله في ظل عرشه " فذكر الحديث وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده أيضا تقييد ذلك بيوم القيامة ، فيرجح أن المراد ظل العرش .

    169- قوله " إمام عادل " يلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه " أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط ، وقدّمه في الذكر لعموم النفع به .

    170- قوله " وشاب نشأ في عبادة ربه " خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى .

    170- قوله " في عبادة ربه " في رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان " بعبادة الله " وهي رواية مسلم وهما بمعنى ، زاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر " حتى توفي على ذلك "  أخرجه الجوزقي ، وفي حديث سلمان " أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله ".

    170- قوله " معلق في المساجد " هكذا في الصحيحين وظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل مثلاً إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجاً عنه ويدل عليه رواية الجوزقي " كأنما قلبه معلق في المسجد " ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد " معلق بالمساجد " وكذا رواية سلمان " من حبها " وزاد الحموي والمستملي " متعلق " بزيادة مثناة بعد الميم وكسر اللام زاد سلمان " من حبها " وزاد مالك " إذا خرج منه حتى يعود إليه " .

    171- في قوله " ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال " قال الحافظ : والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها .

    171- " فقال إني أخاف الله " زاد في رواية كريمة " رب العالمين " والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه ، قال عياض قال القرطبي : إنما يصدر ذلك عن شدة الخوف من الله تعالى .

    172 - في مسند أحمد من حديث أنس بإسناد حسن مرفوعاً " إن الملائكة قالت يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت فهل أشد من الحديد قال نعم النار قالت فهل أشد من النار قال نعم الماء قالت فهل أشد من الماء قال نعم الريح قالت فهل أشد من الريح قال نعم بن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله " .

    176- عن ابن عباس قال : كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أتصلي الصبح أربعاً . أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والبزار والحاكم وغيرهم .

    قال النووي : الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام ، والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة .

    178- حديث 664 قالت عائشة : لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس وأعاد فأعادوا له ، أعاد الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فخرج أبو بكر فصلى فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه . قيل للأعمش: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبوبكر يصلي بصلاته ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، فقال: برأسه نعم .

    179- قوله " إنكن لأنتن صواحب يوسف " صواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط كما أن صواحب صيغة جمع والمراد زليخا فقط ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به .

    183 – فوائد الحديث :

    1- تقديم أبي بكر وترجيحه على جميع الصحابة .

    2- فضيلة عمر بعده .

    3- جواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب .

    4- ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه وخصوصا لعائشة.

    5- جواز مراجعة الصغير الكبير والمشاورة في الأمر العام .

    6- الأدب مع الكبير لهمِّ أبي بكر بالتأخر عن الصف .

    7- إكرام الفاضل لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي مع الصف فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه .

    8- أن البكاء ولو كثر لا يبطل الصلاة لأنه صلى الله صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء لم يعدل عنه ولا نهاه عن البكاء .

    9- أن الإيماء يقوم مقام النطق واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته ويحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق.

    10- تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها ، ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى ، وقال الطبري إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك حتى إنه صلى خلفه .

    11- استدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر .

    12- جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلغ عنه ويلتحق به من زحم عن الصف .

    13- جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض وهو قول الشعبي واختيار الطبري .

    14- فيه اتباع صوت المكبر .

    16- استدل به الطبري على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة .

    17- جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة .

    188- قوله " فابدؤوا بالعشاء " حمل الجمهور هذا الأمر على الندب ، ثم اختلفوا فمنهم من قيده بمن كان محتاجاً إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية ، وزاد الغزالي ما إذا خشي فساد المأكول ، ومنهم من لم يقيده وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق وعليه يدل فعل ابن عمر .

    189- روى ابن حبان من طريق بن جريج عن نافع أن بن عمر كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس وكان أحياناً يلقاه وهو صائم فيقدم له عشاؤه وقد نودي للصلاة ثم تقام وهو يسمع فلا يترك عشاءه ولا يعجل حتى يقضي عشاءه ثم يخرج فيصلي .

    قال النووي : في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من ذهاب كمال الخشوع ، ويلتحق به ما في معناه مما يشغل القلب وهذا إذا كان في الوقت سعة فإن ضاق صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز التأخير .

    وفيه دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أول الوقت .

    وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس أنهما كانا يأكلان طعاماً وفي التنور شواء فأراد المؤذن أن يقيم فقال له ابن عباس لا تعجل لئلا نقوم وفي أنفسنا منه شيء ، وفي رواية ابن أبي شيبة لئلا يعرض لنا في صلاتنا .

    وله عن الحسن بن علي قال : العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة ، وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تشوف النفس إلى الطعام فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجوداً وعدماً .

    190- قال ابن الجوزي : ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله وليس كذلك وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة ، ثم إن طعام القوم كان شيئاً يسيراً لا يقطع عن لحاق الجماعة غالباً .

    تنبيه : ما يقع في بعض كتب الفقه " إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء " لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ كذا في شرح الترمذي لشيخنا أبي الفضل .

    191- قوله " في مهنة أهله " بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيهما وقد فسرها في الحديث بالخدمة .

    192- قوله " إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة " استشكل نفي هذه الإرادة لما يلزم عليها من وجود صلاة غير قربة ومثلها لا يصح ، وأجيب بأنه لم يرد نفي القربة وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة وكأنه قال ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور صلاة معينة من أداء أو إعادة أو غير ذلك وإنما الباعث لي عليه قصد التعليم وكأنه كان تعين عليه حينئذ لأنه أحد من خوطب بقوله صلوا كما رأيتموني أصلي ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العبادة .

    196- حديث 684 عن سهل بن سعد الساعدي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال : أتصلي للناس فأقيم ؟ قال: نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن امكث مكانك فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلما انصرف قال: يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق من رابه شيء في صلاته، فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء .

    وفي هذا الحديث فوائد :

    1- فضل الإصلاح بين الناس وجمع كلمة القبيلة وحسم مادة القطيعة .

    2- توجه الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك وتقديم مثل ذلك على مصلحة الإمامة بنفسه .

    3- استنبط منه توجه الحاكم لسماع دعوى بعض الخصوم إذا رجح ذلك على استحضارهم .

    4- جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر .

    5- أن الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيره وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصير النائب مأموماً من غير أن يقطع الصلاة ولا يبطل شيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين ، وادعى ابن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وادعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم ، ونوقض بأن الخلاف ثابت فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز وعن ابن القاسم في الإمام يحدث فيستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف ويتم الأول أن الصلاة صحيحة .

    6- جواز إحرام المأموم قبل الإمام .

    7- أن المرء قد يكون في بعض صلاته إماماً وفي بعضها مأموما .

    8- فضل أبي بكر على جميع الصحابة ، واستدل به جمع من الشراح ومن الفقهاء كالروياني على أن أبا بكر كان عند الصحابة أفضلهم لكونهم اختاروه دون غيره .

    9- جواز تقديم الناس لأنفسهم إذا غاب إمامهم ، قالوا ومحل ذلك إذا أمنت الفتنة والإنكار من الإمام وأن الذي يتقدم نيابة عن الإمام يكون أصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به .

    10- أن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن الفاضل يوافقه بعد أن يعلم أن ذلك برضا الجماعة ، وكل ذلك مبني على أن الصحابة فعلوا ذلك بالاجتهاد وقد قدمنا أنهم إنما فعلوا ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم .

    11- أن الإقامة واستدعاء الإمام من وظيفة المؤذن وأنه لا يقيم إلا بإذن الإمام .

    12- أن فعل الصلاة لا سيما العصر في أول الوقت مقدم على انتظار الإمام الأفضل .

    13- جواز التسبيح والحمد في الصلاة لأنه من ذكر الله ولو كان مراد المسبح إعلام غيره بما صدر منه .

    14- رفع اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء .

    15- استحباب حمد الله لمن تجددت له نعمة ولو كان في الصلاة .

    16- جواز الالتفات للحاجة .

    17- أن مخاطبة المصلي بالإشارة أولى من مخاطبته بالعبارة وأنها تقوم مقام النطق لمعاتبة النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على مخالفة إشارته .

    18- جواز شق الصفوف والمشي بين المصلين لقصد الوصول إلى الصف الأول لكنه مقصور على من يليق ذلك به كالإمام أو من كان بصدد أن يحتاج الإمام إلى استخلافه أو من أراد سد فرجة في الصف الأول أو ما يليه مع ترك من يليه سدها ولا يكون ذلك معدوداً من الأذى .

    قال المهلب : لا تعارض بين هذا وبين النهي عن التخطي لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرها لأن له أن يتقدم بسبب ما ينزل عليه من الأحكام ، وأطال في تقرير ذلك وتعقب بأن هذا ليس من الخصائص وقد أشار هو إلى المعتمد في ذلك فقال ليس في ذلك شيء من الأذى والجفاء الذي يحصل من التخطي وليس كمن شق الصفوف والناس جلوس لما فيه من تخطي رقابهم.

    19- كراهية التصفيق في الصلاة .

    20- الحمد والشكر على الوجاهة في الدين .

    21- أن من أكرم بكرامة يتخير بين القبول والترك إذا فهم أن ذلك الأمر على غير جهة اللزوم وكأن القرينة التي بينت لأبي بكر ذلك هي كونه صلى الله عليه وسلم شق الصفوف إلى أن انتهى إليه فكأنه فهم من أن يؤم الناس وأن أمره إياه بالاستمرار في الإمامة من باب الإكرام له والتنويه بقدره فسلك هو طريق الأدب والتواضع ورجح ذلك عنده احتمال نزول الوحي في حال الصلاة لتغيير حكم من أحكامها وكأنه لأجل هذا لم يتعقب صلى الله عليه وسلم اعتذاره برد عليه .

    22- جواز إمامة المفضول للفاضل .

    23- سؤال الرئيس عن سبب مخالفة أمره قبل الزجر عن ذلك .

    24- إكرام الكبير بمخاطبته بالكنية .

    25- اعتماد ذكر الرجل لنفسه بما يشعر بالتواضع من جهة استعمال أبي بكر خطاب الغيبة مكان الحضور إذ كان حد الكلام أن يقول أبو بكر ما كان لي فعدل عنه إلى قوله ما كان لابن أبي قحافة لأنه أدل على التواضع من الأول.

    26- جواز العمل القليل في الصلاة لتأخر أبي بكر عن مقامه إلى الصف الذي يليه وأن من احتاج إلى مثل ذلك يرجع القهقرى ولا يستدبر القبلة ولا ينحرف عنها .

    27- استنبط ابن عبد البر منه جواز الفتح على الإمام لأن التسبيح إذا جاز جازت التلاوة من باب الأولى والله أعلم .

    201- في حديث ابن مسعود عند مسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ".

    قال الحافظ : ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفاً بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة ، فأما إذا كان جاهلاً بذلك فلا يقدم اتفاقاً والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان فالأقرأ منهم بل القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاؤوا بعدهم .

     204- قال البخاري باب إنما جعل الإمام ليؤتم به .

    هذه الترجمة قطعة من حديث والمراد بها أن الائتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه في أحوال الصلاة فتنتفي المقارنة والمسابقة والمخالفة إلا ما دل الدليل الشرعي عليه .

    روى عبد الرزاق أن عمر رضي الله عنه قال : أيما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود فليضع رأسه بقدر رفعه إياه . وإسناده صحيح .

    205- حديث 687 في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم قالت عائشة  " فأغمي عليه " .

    فيه أن الإغماء جائز على الأنبياء لأنه شبيه بالنوم ، قال النووي جاز عليهم لأنه مرض من الأمراض بخلاف الجنون فلم يجز عليهم لأنه نقص .

    .. وقد صرح الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بالناس في مرض موته في المسجد إلا مرة واحدة وهي هذه التي صلى فيها قاعداً وكان أبو بكر فيها أولاً إماماً ثم صار مأموماً يسمع الناس التكبير .

    206- استدل بهذا الحديث على أن استخلاف الإمام الراتب إذا اشتكى أولى من صلاته بهم قاعداً لأنه صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ولم يصل بهم قاعداً غير مرة واحدة .

    207- مسألة صلاة الإمام بالناس قاعداً .

    مذهب أحمد هو الجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين :

    إحداهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعداً لمرض يرجى برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعوداً .

    ثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائماً لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً سواءً طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعداً أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائماً وصلوا معه قياماً بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالساً فلما صلوا خلفه قياماً أنكر عليهم .

    209- حديث 688 عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً .

    سبب مرضه : إنما كانت قدمه صلى الله عليه وسلم انفكت كما في رواية بشر بن المفضل عن حميد عن أنس عند الإسماعيلي .

    وفي رواية يزيد عن حميد عن أنس " جحش ساقه أو كتفه " ولا ينافي ذلك كون قدمه انفكت لاحتمال وقوع الأمرين وقد تقدم تفسير الجحش بأنه الخدش والخدش قشر الجلد .

    204- حديث 689 " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع، فاركعوا  ".

    قال النووي وغيره : متابعة الإمام واجبة في الأفعال الظاهرة وقد نبه عليها في الحديث فذكر الركوع وغيره بخلاف النية فإنها لم تذكر .

    204 - حديث 689 عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعوداً .

    وفي الحديث من الفوائد :

    1- مشروعية ركوب الخيل والتدرب على أخلاقها .

    2- التأسي لمن يحصل له سقوط ونحوه بما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة وبه الأسوة الحسنة.

    3- يجوز عليه صلى الله عليه وسلم ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك بل ليزداد قدره رفعة ومنصبه جلالة .

    214- حديث 690 عن البراء رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً ثم نقع سجوداً بعده .

    الفوائد :

     استدل به على جواز النظر إلى الإمام لاتباعه في انتقالاته .

    214- حديث 691 عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  أما يخشى أحدكم - أو: لا يخشى أحدكم - إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار  .

    في الحديث فوائد :

    1- في بعض الروايات " الوجه " وبعضها " الرأس " والظاهر أنه من تصرف الرواة قال عياض هذه الروايات متفقة لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه .

    قلت – الحافظ - : لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضا وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة .

    2- خص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل .

    3- ظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات وبذلك جزم النووي في شرح المهذب .

    4- مع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته وعن ابن عمر تبطل وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد ، وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته : ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث ، قال : ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب .

    5- اختلف في معنى الوعيد المذكور فقيل : يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام ويرجح هذا المجازي أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين ، لكن ليس في الحديث ما يدل على أن ذلك يقع ولا بد وإنما يدل على كون فاعله متعرضاً لذلك .

    وقال ابن بزيزة : يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معاً وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك .

    6- قال صاحب القبس : ليس للتقدم قبل الإمام سبب إلا طلب الاستعجال ودواؤه أن يستحضر أنه لا يسلم قبل الإمام فلا يستعجل في هذه الأفعال والله أعلم .

    219- في الأثر " كانت عائشة يؤمها غلامها ذكوان في المصحف " .

    وصله أبو داود في كتاب المصاحف من طريق أيوب عن بن أبي مليكة ، ووصله ابن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاماً لها عن دبر فكان يؤمها في رمضان في المصحف .

    استدل به على جواز قراءة المصلي من المصحف ومنع منه آخرون لكونه عملاً كثيراً في الصلاة .

     220-  حديث 694 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يصلون لكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم .

    في الحديث فوائد :

    1- قال ابن المنذر : هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه .

    2- قوله " وإن أخطؤوا " أي ارتكبوا الخطيئة ولم يرد به الخطأ المقابل للعمد لأنه لا إثم فيه .

    3- قال المهلب : فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه.

    4- قال البغوي في شرح السنة : فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدثاً أنه تصح صلاة المأمومين وعليه الإعادة .

    222- حديث 695 عن عبيد الله بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه - وهو محصور – فقال : إنك إمام عامة ونزل بك ما نرى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج ؟ فقال : الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم .

    في قوله " وإذا أساؤا فاجتنب " فيه :

    1- تحذير من الفتنة والدخول فيها ومن جميع ما ينكر من قول أو فعل أو اعتقاد .

    2- وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة ولا سيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة .

    3- وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة ، وفيه رد على من زعم أن الجمعة لا يجزئ أن تقام بغير إذن الإمام .

    223- قال أصحابنا : يستحب أن يقف المأموم دون الإمام قليلاً ، وفي حديث ابن عباس بلفظ فقمت إلى جنبه وظاهره المساواة .

    224- نقل بعضهم الاتفاق على أن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام إلا النخعي .

    225- الأصح عند الشافعية لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة واستدل ابن المنذر أيضا بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في شهر رمضان قال فجئت فقمت إلى جنبه وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطا فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بنا تجوز في صلاته الحديث وهو ظاهر في أنه لم ينو الإمامة ابتداءً وائتموا هم به وأقرهم وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه البخاري .

    وذهب أحمد إلى التفرقة بين النافلة والفريضة فشرط أن ينوي في الفريضة دون النافلة وفيه نظر لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وحده فقال " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه " أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .

    229-  حديث 701 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل فكأن معاذا تناول منه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : فتان، فتان، فتان . ثلاث مرار - أو قال : فاتناً فاتناً فاتناً - وأمره بسورتين من أوسط المفصل .

    معنى الفتنة ها هنا أن التطويل يكون سبباً لخروجهم من الصلاة ، وروى البيهقي في الشعب بإسناد صحيح عن عمر قال : لا تبغضوا إلى الله عباده يكون أحدكم إماماً فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه .

    * سائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا .

    وفي الحديث فوائد :

    1- استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين ، وأما من قال لا يكره التطويل إذا علم رضا المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة ، فعلى هذا يكره التطويل مطلقاً إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم .

    2- أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة .

    3- جواز إعادة الصلاة الواحدة في اليوم الواحد مرتين .

    4- جواز خروج المأموم من الصلاة لعذر وأما بغير عذر فاستدل به بعضهم وتعقب ، وقال ابن المنير لو كان كذلك لم يكن لأمر الأئمة بالتخفيف فائدة ، وفيه نظر لأن فائدة الأمر بالتخفيف المحافظة على صلاة الجماعة ولا ينافي ذلك جواز الصلاة منفرداً.

    5- جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلي فيه بالجماعة إذا كان بعذر .

    6- الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام .

    7- يؤخذ منه تعزيز كل أحد بحسبه والاكتفاء في التعزيز بالقول والإنكار في المكروهات ، وأما تكراره ثلاثاً فللتأكيد وقد تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه .

    8- فيه اعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر .

    233- قوله " فليخفف " قال ابن دقيق العيد : التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم طويلاً بالنسبة لعادة آخرين ، وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلاً .

    قال الحافظ : وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : أنت إمام قومك واقدر القوم بأضعفهم . إسناده حسن وأصله في مسلم .

    233- قال البخاري باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء .

    يريد أن عموم الأمر بالتخفيف مختص بالأئمة فأما المنفرد فلا حجر عليه في ذلك .

    237- حديث 707 عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه .

     استدل بهذا الحديث على :

    1- جواز إدخال الصبيان المساجد .

    2- جواز صلاة النساء في الجماعة مع الرجال .

    3- شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه .

    4- مراعاة أحوال الكبير منهم والصغير .

    241- فائدة : أطلق جماعة التسوية بين الضحك والبكاء في الصلاة ، وقال المتولي لعل الأظهر في الضحك البطلان مطلقاً لما فيه من هتك حرمة الصلاة وهذا أقوى من حيث المعنى والله أعلم .

    247- قوله " أو ليخالفن الله بين وجوهكم " أي إن لم تسووا ، والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد أو يراد بها سد الخلل الذي في الصف .

    واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته والمراد تسوية الوجه بتحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا أو نحو ذلك فهو نظير ما تقدم من الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار ، وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة وعلى هذا فهو واجب والتفريط فيه حرام .

    243 - قوله " وتراصوا " بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل ويحتمل أن يكون تأكيداً لقوله أقيموا والمراد بأقيموا سووا كما وقع في رواية معمر عن حميد عند الإسماعيلي بدل أقيموا واعتدلوا .

    وفيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة .

    وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة .

    244- فوائد الصف الأول :

    قال العلماء في الحض على الصف الأول :

    1- المسارعة إلى خلاص الذمة .

    2- السبق لدخول المسجد .

    3- القرب من الإمام .

    4- استماع قراءته والتعلم منه .

    5- الفتح عليه .

    6- التبليغ عنه .

    7- السلامة من اختراق المارة بين يديه .

    8- سلامة البال من رؤية من يكون قدامه وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين .

    246- صح عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف ، وصح عن سويد بن غفلة قال : كان بلال يسوي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة ، وما كان عمر وبلال يضربان أحداً على ترك غير الواجب ، وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة .

    249- المرأة لا تصف مع الرجال بجانبهم وأصله ما يخشى من الافتتان بها فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور .

    249- أخرج النسائي بإسناد صحيح عن البراء رضي الله عنه قال " كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه " ولأبي داود بإسناد حسن عن عائشة مرفوعاً " إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف " .

    وأما ما رواه ابن ماجة عن ابن عمر قال : " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن ميسرة المسجد تعطلت فقال : من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر " ففي إسناده مقال .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    قصة المكان البعيد

    0:00

    ماذا قال الشافعي عند الموت

    0:00

    تلاوة من سورة الحديد

    0:00

    المكان العجيب

    0:00

    سورة القيامة 1-11

    0:00



    عدد الزوار

    4195168

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1595 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة