• السبت 11 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :20 ابريل 2024 م


  • من فوائد الحسنات في الدنيا

  •  


    الحمد لله الذي جعل للإيمان ثمرات وفوائد يجنيها العبد في حياته الدنيا والآخرة ، والصلاة والسلام على من أرشدنا إلى الإيمان وحثنا على الثبات عليه .

    أما بعد، 
    معاشر المؤمنين ، إن من توفيق الله تعالى للعبد المؤمن أن يوفقه للأعمال الصالحة ، ولكن ياترى هل القائم بهذه الأعمال يستفيد منها في حياته الدنيا أم أنها مجرد أقوال وأعمال جامدة لاروح فيها ولا نعيم من ورائها ؟

    إن المتأمل في نصوص الكتاب والسنة يجد عدة فوائد للحسنات يحصل عليها المرء عند قيامه بها ، ومن تلك الفوائد :

    - مضاعفة الحسنات إلى أضعاف كثيرة ، وهذا من فضل الله وكرمه أن جعل الحسنات تتضاعف وأما السيئة فلا تتضاعف ، قال تبارك وتعالى: " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " .

    بل بلغ من الكرم الرباني أن من همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة ، فإن عملها كتبها الله وضاعفها له ، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري .

    - ومنها : حصول طمأنينة القلب وانشراح الصدر ، وهذا شيء يلاحظه الإنسان في نفسه ، أنه كلما تقرّب المرء إلى ربه كلما وجد الأنس والسرور ، ومصداق ذلك في كتاب ربنا ، قال تعالى : " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " .

    وقال تعالى : " الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " .

    وعلى العكس من ذلك فكلما زاد المرء في السيئات كلما زادته همومه وأحزانه ، كما قال تعالى : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا " .

    - ومنها : البركة في الرزق ، وقد جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يُبسط له في رزقه و أن ينسأ له في أثره فليصل رحمه " رواه البخاري .

    وتأمل هنا أن من جاء بصلة الرحم بارك الله له في رزقه وفي عمره ، فكيف بمن جاء بأعمال أخرى وحسنات أكثر ، لا شك أن الله سيبارك الله له ويزيده من فضله .

    - ومنها : القوة في الجسد ، وتأمل في نداء هود عليه السلام إلى قومه " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ " .

    فانظر كيف ذكر هود عليه الصلاة والسلام أن الاستغفار والتوبة من فوائدها القوة في الجسد ، ومما يؤكد هذا المعنى القصة التي جاءت بين علي وفاطمة رضي الله عنهما .

    وملخص القصة :

    أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فلم تجده، ووجدت عائشة رضي الله عنها فأخبرتها .

    قال علي رضي الله عنه : فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخذنا مضاجعنا فقال : " ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا أربعاً وثلاثين فإنه خير لكما من خادم " .

    قال علي رضي الله عنه : فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل له : ولا ليلة صفين ؟ قال : : ولا ليلة صفين .

    فانظر هنا كيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الذكر عند النوم سبباً للاستغناء عن الخادم وذلك لإن الذكر يقوي الجسد ويمنحه القوة والنشاط .

    - ومنها : حفظ الله لصاحب الحسنات ، وهذا واضح في الحديث الصحيح : ( احفظ الله يحفظك ) . رواه أحمد والترمذي .

    والمقصود من الحديث : احفظ أوامر الله بالامتثال واحفظ محارم الله بالانتهاء ، والنتيجة : يحفظك الله ، أي يحفظ لك دينك ويحفظ لك دنياك بل وصحتك وما تملك ، بل من معاني الحفظ الرباني أن يحفظ أسرتك من كل سوء.

    ومن لطيف ما يُذكر هنا : أن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى كان يقول لابنه : إني لأزيد في صلاتي من أجلك .


    - ومن فوائد الحسنات معاشر المؤمنين :

     الزيادة في الخير والهداية ، قال جل وعلى : " وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ " ، وهذا أمر نلاحظه أن الحسنات ينادي بعضها بعضا ، وعلى العكس نجد أن السيئات ينادي بعضها بعضا .

    - ومنها : محبة الله تعالى ، وقد جاءت النصوص بإثبات محبة الله تعالى لبعض الأعمال والأوصاف ، ومنها : " وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " .

    والآيات أكثر من أن تُذكر وأشهر من أن تُحصر ، فالعاقل يحرص على أن يبادر إلى هذه الأعمال والأوصاف لكي يفوز بحب الله تعالى له ، نسأل الله الكريم أن يجعلنا ممن فاز بحب الرحمن .

    ومنها :  تفريج الكربات والأزمات ، وياترى كم هي الكربات والأزمات التي تنزل بنا في هذه الحياة ؟

    ألسنا بحاجة إلى وسيلة تخفف عنا هذه المصائب ؟ نعم .

    إن الحسنات والصالحات التي حفظها الله لك ستنفعك عند ورود المصائب ، قال تعالى : " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا " ، وقال جل وعلا " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً " وفي الحديث الصحيح : تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة . رواه أحمد .

    ولهذا كلما زادت التقوى في حياتنا فُزنا بالدفاع الرباني والعون الإلهي في أزمات هذه الحياة .


    اللهم حقق لنا هذه الفوائد يارب العالمين .

    -------

    الحمد لله وكفى ،،

     

    - ومن ثمرات الحسنات معاشر المؤمنين توسيع أبواب الرزق .

    قال تبارك وتعالى : " ومن يتق الله يجعل له مخرجا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " .

    إننا نحتاج إلى المزيد من أبواب الرزق وخاصة في زمننا هذا المليء بالمطالب المالية ، وتأتي التقوى لتضيف علينا جانباً كبيراً من جوانب الرزق الكريم من الرزاق جل وعلا .

    - ومنها : استجابة الدعاء ، وهذه من الكرامات التي يمنحها الله تعالى لأصحاب الحسنات والقربات ، وقد جاءت هذه الكرامة صريحة في الحديث القدسي المشهور : ( و ما يزال عبدي يتقربُ إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببتهُ كنتُ سمعهُ الذي يسمعُ به و بصرهُ الذي يبصرُ به و يدهُ التي يبطشُ بها و رجلهُ التي يمشي بها و لإن سألني لأعطينّه و لإن استعاذني لأعيذنّه ) رواه البخاري .

    وهذه الاستجابة الربانية لأولئك الصالحين والعابدين إنما كانت بسبب مداومتهم على الحسنات وملازمتهم لها كما في ظاهر الحديث ( ومايزال ) التي تفيد الاستمرار والمداومة .

    ومن فوائد الحسنات : تكفير السيئات .

    وقد جاءت النصوص ببيان تكفير الحسنات للسيئات ومحوها له ، قال جل وعلا : " وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ " ، وفي الحديث الصحيح : واتبع السيئة الحسنة تمحها . 

    فيا من أزعجته الذنوب وآلمته السيئات انطلق إلى أبواب الحسنات لكي تمحو سيئاتك.

    واعلموا رحمني الله وإياكم أن حسن الخاتمة لا تكون إلا لأهل الإيمان والصالحات .

    قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ " .

    وهذه الثلاث تكون عند الموت كما قال العلماء ، وعندما نتأمل في أحوال بعض الصالحين عند موتهم نرى حقيقة الخاتمة الحسنة ، فمنهم من يموت وهو ساجد ، وآخر يموت وهو يطوف في الحرم ، ومنهم من يموت وهو صائم ، وكثيرون نرى الابتسامة عليهم عند موتهم ، ولاشك أن هذه من نتائج الاستقامة ودليل على صدق العبد ومحبته وملازمته للحسنات.

    أيها الفضلاء ، اجتهدوا في الحسنات لعل الله أن يمنحكم ثمراتها وفوائدها .

    اللهم تقبل منا وتجاوز عنا .



     


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    مجالسة العلماء

    0:00

    مرض الأمم

    0:00

    الشتاء.. أحكام وآداب

    0:00

    صور من تواضع النبي عليه الصلاة والسلام

    0:00

    فما ظنكم برب العالمين

    0:00



    عدد الزوار

    4139378

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة