• الخميس 19 جُمادى الأولى 1446 هـ ,الموافق :21 نوفمبر 2024 م


  • من ثمرات الحسنات في الدنيا

  •  


    من توفيق الله تعالى للعبد المؤمن أن يوفقه للأعمال الصالحة ، ولكن يا ترى هل القائم بهذه الأعمال يستفيد منها في حياته الدنيا أم أنها مجرد أقوال وأعمال جامدة لاروح فيها ولا نعيم من ورائها ؟.

    إن المتأمل في نصوص الكتاب والسنة يجد عدة فوائد للحسنات يحصل عليها المرء عند قيامه بها، ومن تلك الفوائد :

    1- مضاعفة الحسنات إلى أضعاف كثيرة ، وهذا من فضل الله وكرمه أن جعل الحسنات تتضاعف وأما السيئة فلا تتضاعف ، قال تبارك وتعالى: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) 

    بل بلغ من الكرم الرباني أن من همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة ، فإن عملها كتبها الله وضاعفها له ، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري .

    2- حصول طمأنينة القلب وانشراح الصدر ، وهذا شيء يلاحظه الإنسان في نفسه ، أنه كلما تقرب المرء إلى ربه كلما وجد الأنس والسرور، ومصداق ذلك في كتاب ربنا، قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

    وقال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) .

    وعلى العكس من ذلك فكلما زاد المرء في السيئات كلما زادته همومه وأحزانه ، كما قال تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) .

    3- البركة في الرزق ؛ وقد جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يُبسط له في رزقه و أن ينسأ له في أثره فليصل رحمه ) رواه البخاري .

    وتأمل هنا أن من جاء بصلة الرحم الذي هو من الأعمال الصالحة ومن الحسنات العظيمة بارك الله له في رزقه وفي عمره كما قال العلماء في بيان معنى الحديث ، فكيف بمن جاء بأعمال أخرى وحسنات أكثر ، لا شك أن الله سيبارك الله له ويزيده من فضله .

    4- القوة في الجسد ، وتأمل في نداء هود عليه السلام إلى قومه ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ  ) فانظر كيف ذكر هود عليه الصلاة والسلام أن الاستغفار والتوبة من فوائدها القوة في الجسد.

    ومما يؤكد هذا المعنى القصة التي جاءت بين علي وفاطمة رضي الله عنهما .

    وملخص القصة :
    أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فلم تجده ووجدت عائشة رضي الله عنها فأخبرتها .

    قال علي رضي الله عنه : فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخذنا مضاجعنا فقال : ( ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا أربعاً وثلاثين فإنه خير لكما من خادم ) .

    قال علي رضي الله عنه : فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    قيل له: ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين . رواه مسلم .

    فانظر هنا كيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الذكر عند النوم سبباً للاستغناء عن الخادم ؛ وذلك لأن الذكر يقوي الجسد ويمنحه القوة والنشاط .

    5- حفظ الله لصاحب الحسنات ، وهذا واضح في الحديث الصحيح : ( احفظ الله يحفظك ) . رواه أحمد والترمذي .

    والمقصود من الحديث ، احفظ أوامر الله بالامتثال واحفظ محارم الله بالانتهاء ، والنتيجة ، يحفظك الله ، أي يحفظ لك دينك ويحفظ لك دنياك بل وصحتك وما تملك ، بل من معاني الحفظ الرباني أن يحفظ أسرتك من كل سوء.

    ومن لطيف ما يُذكر هنا : أن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى كان يقول لابنه : إني لأزيد في صلاتي من أجلك .

    ومما يؤكد هذا المعنى ما جاء في سورة الكهف في قصة الغلامين ، قال تعالى : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) فعندما تتأمل في هذه القصة تجد أن الله حفظ المال لهم بسبب صلاح والدهم .

    6- الزيادة في الخير والهداية ، قال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) وقال تعالى : ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ) .
    وهذا أمر نلاحظه أن الحسنات ينادي بعضها بعضاً ، وعلى العكس نجد أن السيئات ينادي بعضها بعضاً .

    7- التأييد بالكرامات ، والكرامة : شيء خارق للعادة يظهرها الله تعالى على أيدي الصالحين تأييداً لهم ودفاعاً عنهم.

    وتأمل في قصة أصحاب الكهف لما غادروا بلدهم وتركوا أقوامهم لأجل الله ثم دخلوا في الكهف كيف ناموا أكثر من 300 سنة ولم يتغير فيهم شيء ولم يضرهم ، بل إن الله أجرى عليهم كرامات أخرى ومنها ما جاء في قوله تعالى : ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) .

    قال العلماء : فائدة تقليب الله لهم وهم نيام أن يحفظ لهم أجسادهم من التعفن ؛ لأن المرء لو نام على جهة واحدة فترة طويلة لماتت الخلايا التي في ذلك الجنب ولم يستطع التحرك ، ولهذا نجد في المستشفيات أن المريض الذي لايستطيع التحرك لا بد أن يدخل عليه الممرض ليقلبه ذات اليمين وذات الشمال ، فسبحان الله العظيم .

    8- محبة الله تعالى ، وقد جاءت النصوص بإثبات محبة الله تعالى لبعض الأعمال والأوصاف ، ومنها : ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .

    ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )  ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ )  ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )  ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) .

    والآيات أكثر من أن تُذكر وأشهر من أن تُحصر ، فالعاقل يحرص على أن يبادر إلى هذه الأعمال والأوصاف لكي يفوز بحب الله تعالى له ، نسأل الله الكريم أن يجعلنا ممن فاز بحب الرحمن .

    9- تفريج الكربات والأزمات ، ويا ترى كم هي الكربات والأزمات التي تنزل بنا في هذه الحياة ؟ ألسنا بحاجة إلى وسيلة تخفف عنا هذه المصائب ؟ نعم .

    إن الحسنات والصالحات التي حفظها الله لك ستنفعك عند ورود المصائب، قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا ) وقال جل وعلا: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) .
    وفي الحديث الصحيح : ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة )رواه أحمد وهو في صحيح الجامع .

    ولهذا كلما زادت التقوى في حياتنا كلما فُزنا بالدفاع الرباني والعون الإلهي في أزمات هذه الحياة .

    10- توسيع أبواب الرزق ، قال تبارك وتعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) .

    وكم نحن بحاجة إلى مزيد من أبواب الرزق وخاصة في زمننا هذا المليء بالمطالب المالية ، وتأتي " التقوى " لتضيف علينا جانباً كبيراً من جوانب الرزق الكريم من الرزاق جل وعلا .

    11- استجابة الدعاء ، وهذه من الكرامات التي يمنحها الله تعالى لأصحاب الحسنات والقربات ، وقد جاءت هذه الكرامة صريحة في الحديث القدسي المشهور : ( و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمعُ به و بصره الذي يبصر به و يدهُ التي يبطشُ بها و رجلهُ التي يمشي بها و لإن سألني لأعطينه و لإن استعاذني لأعيذنه ) رواه البخاري .

    وهذه الاستجابة الربانية لأولئك الصالحين والعابدين إنما كانت بسبب مداومتهم على الحسنات وملازمتهم لها كما في ظاهر الحديث " وما يزال " التي تفيد الاستمرار والمداومة .

    12- السلامة من وصف الخسران ، قال تعالى : ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) .

    فهنا نجد أن الله وصف الإنسان بالخسارة إلا على من جاء بالإيمان والعمل الصالح ، فهو سالم من الوصف بالخسارة .

    13- الثبات عند المصائب والنجاة منها ، وفي قصة أصحاب الكهف نجد التثبيت الرباني فتأمل قوله تعالى : ( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ).

    وفي قصة أم موسى نجد تثبيت الله لها في المصيبة التي نزلت بها عندما أراد فرعون قتل الأطفال ثم رمت بابنها موسى عليه السلام في البحر والتقطه آل فرعون.

    قال جل وعلا مبيناً هذا التثبيت والتأييد الرباني ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )  قال البغوي رحمه الله تعالى : ( لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ) بالعصمة والصبر والتثبيت .اهـ

    فمن أراد المزيد من التثبيت والمزيد من التأييد والرعاية من الله جل وعلا فليحافظ على حسناته وليداوم عليها وليسر على المنهج المستقيم الذي يرضي الله تبارك وتعالى .

    14- الفوز بولاية الله ونصرته وتأييده ، قال جل وعلى : ( وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) والمراد أن الله ينصرهم ، قاله القرطبي رحمه الله تعالى.

    قال العلماء : على قدر إيمانك وحسناتك تكون ولاية الله لك وعلى قدر ما ينقص من إيمانك تنقص ولاية الله لك .

    15- تكفير السيئات ، وقد جاءت النصوص ببيان تكفير الحسنات للسيئات ومحوها له ، قال جل وعلا : ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ ) وقال سبحانه وبحمده: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) وفي الحديث الصحيح : ( واتبع السيئة الحسنة تمحها ).

    فيا من أزعجته الذنوب وآلمته السيئات انطلق إلى أبواب الحسنات لكي تمحو سيئاتك.

    16- الانتفاع بالذكرى ، قال تبارك وتعالى : ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) وقال جل وعلا : ( سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ).

    والمراد أن صاحب الإيمان تنفعه الذكرى والموعظة أكثر من غيره لأن حسناته وإيمانه وهدايته تؤثر على قبول الموعظة وتجعله مستجيباً لها .

    17- حسن الخاتمة ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) .

    وهذه الثلاث تكون عند الموت كما قال العلماء ، وعندما نتأمل في أحوال بعض الصالحين عند موتهم نرى حقيقة الخاتمة الحسنة ، فمنهم من يموت وهو ساجد ، وآخر يموت وهو يطوف في الحرم ، ومنهم من يموت وهو صائم ، وكثيرون نرى الابتسامة عليهم عند موتهم ، ولا شك أن هذه من نتائج الاستقامة ودليل على صدق العبد ومحبته وملازمته للحسنات.

     


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    يوم الجمع

    0:00

    تأملات في سورة الغاشية

    0:00

    مقدمة شريط/ 40 نداء لطالب التحفيظ

    0:00

    وإذا تتلى عليهم آياتنا

    0:00

    تزويج الأبناء

    0:00



    عدد الزوار

    4970399

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1596 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة