الحمد لله الذي يرى ويسمع كل ما في الكون من سر ومن إعلان ، فهو العليم وهو الخبير وهو الشهيد وهو البصير ، فسبحانه ما أعظمه وهو المحيط وهو السميع فلا إله إلا الله أحاط بكل شيء علماً فأين نذهب عن علمه وإحاطته ؟
وأصلي وأسلم على البشير النذير الذي أضاء لنا الطريق وبين لنا السبيل.
أخي الكريم ، أين تذهب ؟
انتبه ، عليك شهود يراقبونك في أي مكان وفي أي زمان فأين تذهب ؟.
وأنت يا أختاه انتبهي واعلمي أن هناك شهود يشهدون على أفعالك ويراقبون جميع تحركاتك فاحذري.
فأما الشاهد الأول : فهو هذه الأرض التي نمشي عليها ونأكل عليها وننام عليها ونطيع الله عليها ، ومنّا من يعصي الله عليها.
هذه الأرض لها يوم ستتحدث فيه وتتكلم فيه بما عملتَ عليها ، وسوف يأتي اليوم الذي تفضحك فيه وتكشف أسرارك.
ولعلك تقول : ما هو الدليل على أن الأرض ستشهد يوم القيامة ؟
فأقول : يقول الله تعالى: ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) .
يا ترى هل تذكر ذلك الشاب الذي يتجول بسيارته للذهاب إلى أمكان النساء لكي ينظر إليهن ويغمزهن هل تذكَّرَ شهادة الأرض عليه ؟
أخي ، أتذكرُ لما كنتَ في ذلك المكان الذي تيسرت لك فيه المعصية وبدأت في فعلها ، نعم إن الناس لم ينتبهوا لجريمتك ولم يشهدوا عليك ولكن الأرض التي فعلتَ تلك المعصية عليها سوف تشهد عليك ، نعم إنك غافل ولكن الأرض لا تغفل .
ويا ترى تلك الفتاة التي تتجول في الأسواق وتبرز جمالها ولباسها وتريد من الناس أن ينظروا لها .
يا ترى هل شعرتْ أن تلك الأرض سوف تخبر عنها وتكشف عن جرائمها وسيئاتها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟.
وأما الشاهد الثاني فهم الملائكة الذين يكتبون علينا أعمالنا ويسجلون علينا سيئاتنا وحسناتنا ، قال تعالى: ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًاكَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) .
أيها الأخ الحبيب ، أتذكر في تلك الليلة لما كنت أمام جهاز التلفاز وكنت تنظر إلى ما تبثه القنوات من تلك الصور المحرمة ؟ لعلك تذكرت ذلك الموقف ، هل كنت وحدك ؟.
إنك لو علمت أن الملائكة قد كتبوا عليك تلك المعصية لما فعلت تلك المعصية.
وهناك شاب آخر قد بدأ في معاكسة الفتيات ، يا ترى هل علم بأن الملائكة الكاتبين قد سجلوا عليه سوء عمله ؟.
وتلك الفتاة التي سمعت الأذان ولكنها تساهلت في أداء الصلاة حتى خرج وقتها ولم تصل تلك الصلاة ؛ لأنها انشغلت بالمكالمة الهاتفية أو لعلها كانت تشاهد الأفلام والقنوات أو لعلها على مواقع التواصل .
إنني أجزم أن تلك الفتاة غافلة عن شهادة الملائكة وأنهم يكتبون عليها أعمالها .
وبعد تلك الكتابة من الملائكة يا ترى ماذا سيجري بعد ذلك ؟
عندما تموت سيُطوى كتابك ، ولكنك سوف تلتقي معه عندما تخرج من قبرك، وسوف تُعطى هذا الكتاب الذي كتبته عليك الملائكة في الدنيا.
وسوف يأمرك الله جـل وعلا بأن تقرأه عندما تقف بين يديه قال تعالى: ( وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) .
إنها لحظة عجيبة ، إنها ساعة حرجة عندما يقف العبد حافياً عارياً أمام الجبار جلَّ جلاله ومع العبد كتاب ، وهذا الكتاب هو ديوان الحسنات والسيئات.
فما هو شعورك يا من كان ليلة في السهر على القنوات ونهاره في النوم عن الصلوات ؟ ما حالك يا عبد الله عندما ترى سيئاتك في ذلك الكتاب؟
ويا ليت الأمر ينتهي عند مجرد رؤيتك له بل تؤمر بقراءته ، فماذا ستقرأ وماذا ستجد ؟
ماذا ستقرأ يا من عقّ والديه ؟ ماذا ستقرأ يا من أهمل تربية أبنائه ؟
ماذا ستقرأ يا آكل الربا ؟ ماذا ستقرأ يا شارب الدخان ؟ .
قال تعالى: ( يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) .
وأقول لتلك الفتاة التي غفلت عن ربها وأعرضت عن طاعة مولاها: ماذا ستجدين في ذلك الكتاب الذي ( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّاأَحْصَاهَا ) .
يا أختاه ستقرأين أعمالك هناك فماذا ستقرأين ؟ أما لباسك فحرام وأما وقتك فضياع في الآثام . يا أختاه ، الأمر خطير ، فمتى ستحذرين ؟
أوصيك أن تحفظي هذه الآية: ( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) .
وأما الشاهد الثالث: فهي الجوارح التي هي من نعم الله علينا ، اليدان والقدمان واللسان والعينان والأذنان بل وسائر الجلود ، ستأتي يوم القيامة لتشهد عليك يا عبد الله وستشهد عليك يا أختاه.
إنه مشهد لا مثيل له ، يقف العبد أمام ربه ويبدأ الحساب ثم تبدأ الجوارح لتكشف الأسرار ولتخبر بالفضائح والجرائم التي فعلتها في أيامك السابقة .
قال تعالى ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ).
وبعد ذلك ماذا يجري ( وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ ) .
وهل يقف الحد عند ذلك ؟ لا ، بل ( وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .
فيا حسرتاه عندما تنطق اليدان وتخبر عنك أيها الإنسان وتقول: يا رب بيده فتح المقاطع المحرمة ، بيده حرك " ريموت " القنوات الآثمة .
يا رب بيده لمس المرأة الأجنبية ورفع السماعة لمعاكسات الفتيات.
يارب بيده شرب الدخان والشيشة والمخدرات وبيده تعاطى الخمر والمسكرات.
وتلك الفتاة تنطق يداها فما عساها تقول ؟
يا رب بيدها لبست العباءة الضيقة ، وبيدها وضعت المكياج والعطور لكي تمر بها أمام الرجال.
وتتكلم القدمان ، أنا للحرام ذهبت ، وعن الصلاة قعدت وإلى بلاد الحـرام مشيت ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) .
وإن الأمر يزداد حرجاً وشدة عندما تنطق سائر الجلود ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
وكأني بذلك الشاب يقف متعجباً وهو يرى العين تشهد عليه بكل نظرة سيئة.
إنه متعجب وهو يسمع شهادة الأذنان بكل أغنية وفاحشة استمع إليها.
وبعد ذلك يحصل الأمر الغريب يخاطب المرء جوارحه ( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ) لم يا عين تشهدين ؟ لم يا أذن تشهدين ؟ لم يا قدم تتكلمين ؟! ولكن الجواب أعظم ( قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) .
وينتهي ذلك المشهد العجيب.
ولكن يا ترى ما حالك هناك ؟ وهل ستكون ممن شهدت له الجوارح بالطاعات أم ستكون ممن تفضحه جوارحه أمام الله خالق الكائنات؟.
وأخيراً يا ترى هل بقي أحد يشهد علينا ؟
نعم ، إنه الواحد الأحد رب الشهود ، إنه الواحد المعبود ( أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) الذي يراك أينما كنت ويعلم بحالك.
( إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) فسبحان العليم بعباده ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) .
فسبحان الذي لا تخفى عليه خافيه ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ) فسبحان من يعلم ما في الصدور.
والله إن من أكبر أسباب ضعفنا وتقصيرنا هو " الغفلة عن مراقبة الله تعالى" وإلا فلو أن العبد الذي يخلو بذنوبه ويبتعد عن الناس لكي لا يروه .
لو يعلم ذلك العبد بعلم الله به ورؤيته له لما فعل تلك الفعلة السيئة ولكنه غفل عن الله، فتمادى في الشهوات ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) .
وذلك الشاب الذي يعاكس الفتيات لو تذكر وهو في حديثه مع تلك الفتاة لو تذكر هذه الآية ( وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ) لترك المعاكسات والشهوات.
إن الواحد منا لو يعلم أن أحداً من الناس علم بذنب من ذنوبه لأصابه الحياء ، فأين الحياء من الله تعالى ؟
وأقول لتلك الأخت المؤمنة قبل أن تلبس ذلك اللباس المحرم لتفتن الشباب: تذكري أن الجبار الذي على العرش استوى يراك ويعلم ما تفعلين ، وهو عليم بذات الصدور.
فإلى كل مؤمن ومؤمنة تذكروا أن من أسماء الله ، العليم ، البصير ، الشهيد، الخبير ، المحيط ، السميع ، وكلها توجب مراقبة الله في كل حين.
فيا من يسافر للعصيان تذكر نظر الواحد المنان ، ويا من يتمتع بالنظر الحرام أنسيت رؤية الملك العلام ؟
ويا من يسهر على الآثام إن الله يراك ويعلم بحالك فأين ستذهب ؟
وأخيراً ، متى نحذر من شهادة الشهود ؟
إن الأمر خطير ويوم العرض عسير ، وهناك تبدو الأسرار وتنكشف الفضائح.
أسأل الله لي ولكم التوفيق لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
مكتبة الصوتيات
مشاهد من يوم القيامة
0:00
بين الزوجين
0:00
كيف تجعل ابنك يحب القرآن
0:00
مناهي لفظية - 1
0:00
تزكية النفوس
0:00
عدد الزوار
5014564
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1600 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |