• الاربعاء 6 شَعْبان 1446 هـ ,الموافق :05 فبراير 2025 م


  • الناس بين طلب العلم والعمل به





  • يختلف طلاب العلم في همتهم في العلم وعملهم به، وهنا تقسيم جميل لابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة 1 / 315 ، يقول : 

    الناسُ في هذا على أربعةِ أضرُب:

    الضربُ الأول: من رُزِقَ علمًا، وأُعِينَ مع ذلك بقوَّة العزيمة على العمل به؛ وهذا الضربُ هم خلاصةُ الخلق، وهم الموصوفون في القرآن بقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، وقوله: ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص: ٤٥]، وبقوله: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام: ١٢٢]؛ فبالحياة نالَ العزيمة، وبالنُّور نالَ العلم، وأئمةُ هذا الضرب هم أولو العزم من الرسل.

    الضربُ الثاني: من حُرِمَ هذا وهذا؛ وهم الموصوفون بقوله: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال: ٢٢]، وبقوله: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٤٤]، وبقوله: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ [الروم: ٥٢]، وقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: ٢٢].

    وهذا الضربُ شرُّ البريَّة، وعند أنفسهم أنهم يعلمون، ولكنْ ظاهرًا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون.

    ويتعلَّمون، ولكنْ ما يضرُّهم ولا ينفعهم.

    وينطقون، ولكنْ عن الهوى ينطقون.

    ويتكلَّمون، ولكنْ بالجهل يتكلَّمون.

    ويجادِلون، ولكنْ بالباطل ليدحضوا به الحقَّ.

    ويتفكرون ويبيِّتون ولكنْ ما لا يرضى من القول يبيِّتون.

    ويَدْعُون، ولكن مع الله إلهًا آخر يَدْعُون.

    ويَذْكُرون، ولكن إذا ذُكِّروا لا يَذْكُرون.

    ويصلُّون، ولكنهم من المصلِّين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراؤون، ويمنعون الماعون.

    ويَحْكمون، ولكن حُكْمَ الجاهلية يبغون.

    ويكتبون، ولكن يكتبونَ الكتابَ بأيديهم، ثمَّ يقولون: هذا من عند الله؛ ليشتروا به ثمنًا قليلًا، فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم وويلٌ لهم مما يكسبون.

    ويقولون: إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس، قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء؟! ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون!  

    الضربُ الثالث: من فُتِحَ له بابُ العلم وأُغلِقَ عنه بابُ العزم والعمل؛ فهذا في رتبة الجاهل أو شرٌّ منه.

    فهذا جهلُه كان خيرًا له وأخفَّ لعذابه من علمه، فما زاده العلمُ إلا وبالًا وعذابًا، ومع هذا لا مطمعَ في صلاحه، فإنَّ التائه عن الطريق يُرجى له العَوْدُ إليها إذا أبصرها، فإذا عرفها وحاد عنها عمدًا فمتى تُرجى هدايته؟ قال تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٨٦].

    الضربُ الرابع: من رُزِقَ حظًّا من العزيمة والإرادة، ولكن قلَّ نصيبُه من العلم والمعرفة؛ فهذا إذا وُفِّق له الاقتداءُ بداعٍ من دعاة الله ورسوله كان من الذين قال الله فيهم: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٦٩ - ٧٠].


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    غياب العلماء وظهور الجهل

    0:00

    همسات للشباب

    0:00

    قواعد في الرقية الشرعية

    0:00

    قصة سجين

    0:00

    القلب السليم

    0:00



    عدد الزوار

    5246973

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 29 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1627 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة