• الثلاثاء 01 جُمادى الآخرة 1446 هـ ,الموافق :03 ديسمبر 2024 م


  • مشاهد من داخل السجن






  • هناك وخلف قضبان الحديد تيسرت لي زياراتٌ للسجناء لإلقاء بعض الكلمات، جلستُ مع بعضهم ، تحاورتُ مع إدارة السجن.

    أيها الفضلاء ، أتيتُ إليكم بهذه المشاهد :

    1- خلف قضبانِ الحديد، يرقدُ ذلك الرجل الذي تجاوز الخمسين، رأيتهُ يمشي وسلاسلُ القيد قد ملأتِ المكانَ بصوتها، وقفَ أمامي وأمام مدير السجن.

    نزلت دموعه، ثم نطق وقال: سعادةَ المدير، زوجتي ماتت قبل يوم، وليس لبناتي إلا أنا.

    فقال المدير، حسناً، فرجع الرجل، فقلتُ للمدير: ماقصةُ هذا؟

    قال: هذا مروجُ مخدرات وجاء الحكم بالقصاص عليه.

    قلتُ في نفسي: ماذا استفاد من جريمته إلا خسارةَ دينه، وأذية وطنه، والإضرار بأسرته، والتشويه لسمعته، والنهايةُ القصاص والموتُ بسيف العدل.

    ذهبَ خيالي لبدايةِ سيرهِ في هذا الطريق فوقفَ بي الخيال على صديق السوء الذي طالما أغراهُ بالمال، إنها جلسات كان الشيطانُ ضيفَهم فيها، والنهايةُ الإقامة خلفَ قضبانِ الحديد.

    2 - وراء قضبان الحديد، شابٌ أخذهُ الحماس مع أصدقاءِ الحي للانتقامِ من بعض الشباب، وكما يقال " الفزعة يا شباب ".

    ويخرجُ معهم، وتبدأ المخاصمةُ مع الشباب بالكلمات، ثم بالأفعال، ثم يُخرِج الشابُ تلك السكين ليضعها في ظهرِ ذلك الشاب، وينفجرُ الدمُ معلناً موته.

    ويتمُ القبضُ عليه، ويبدأ بالاعتراف ولكن ماذا عساه أن يقول؟ أما زملاؤه فكانوا شهوداً عليه، أما هو فترتفع قضيته وتدور أوراقهُا بين المحاكم.

    أما زملاؤه فعادوا لحياتِهم ولعبِهم وتناسوا قصةَ صاحبِهم وكأنهم لم يكونوا سبباً في إيقاعه في الجريمة.

    أما إن سألتني عن والده فلا تسل عن الحزنِ والبكاءِ الذي تجدد في حياته، وهو يتنقل بين المسؤلين والشيوخ لعله أن ينالَ شفاعةً منهم في إقناعِ والدِ القتيل بأن يعفو.

    أما والدتهُ فهي في عالمِ الدموع تلتحفُ بها في كلِ ليلة، تناجي ربها لعل والد القتيل أن يعفو ليعودَ لها ولدُها لتشمُ رائحته وتُقبّله.

    وبعد سنوات من الهم والأسى ينزل الحكم عليه بالقصاص ليسيلَ دمهُ في ساحة العدل وليكون عبرةً لغيرهِ من الشبابِ الذين يتساهلون في الدماء.

    إن الدماء في شريعة الإسلام محترمة، والنصوص في ذلك متوافرة .

    قال تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ).

    وقال صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا عند الله أهون من قتل مسلم بغير حق.

    3 - خلفَ أسوارِ الحديد، يرقد ذلك الشاب الذي أهمله والديه، عاش في مشاهدة ذلك العنف الأسري، وربما نشأ في أسرةٍ مطلقة.

    فلم يجد حنان الأمومة ولا رعاية الأبوة، فكان الشارعُ هو الراعي لمراحلهِ العمرية، وتنقّل بين الأصدقاء في تلك المعاصي والجرائم حتى كان السجنُ منزلهُ بسبب تلك الجرائم.

    أيها الآباء، الله الله في رعاية أولادكم، وتذكروا قول نبيكم " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " رواه البخاري.

    ولا يصح أن تنشغلوا عنهم بسبب تجارةٍ أو لعبٍ أو سفرٍ واستراحاتٍ أو علمٍ أو دعوة ونحوها، رتبوا أوقاتكم ووازنوا بين الأولويات في حياتكم واجعلوا لأسرتكم النصيبَ الأكثر.

    إن أعظمَ مشروع يخرجُ من بيتكم هو ذلك الولد الصالح الناجح في دينه ودنياه، وتلك الفتاة التي تنشأ في ظل العفاف والأدب والحياء.


    معاشر الكرام، حينما نتحدث عن القصص المؤلمة والجراح المحزنة، فلابد أن نتحدث عن الحلول لتلك المشكلات، ويجب أن نضع الدواء لطالبي العلاج.

    فنقول: إن من الحلول في حماية الشباب والفتيات من أسوار الحديد:

    1 - أعظمُ حصنٍ على الإطلاق هو حصنُ الإيمان فهو الواقي لك بإذن الله من قضبان الحديد.

    إن مَن عاش في ظل الهداية وابتعد عن أسباب الغواية لاشك أنه في حفظ الرحمن، وفي الحديث الصحيح " احفظ الله يحفظك ".

    2 - ومن الحصون المهمة : تلك الأسرة التي امتلأت بالحب والتدين والتربية.

    إن الواقع الأسري أكبرَ معين على أن ينشأ أفراده في حمايةٍ من الانحراف والضلال. 

    إن الوالدَ الذي يربي أولاده وبناته على الدينِ وكريمِ الأخلاق لاشك أنه سيضعُ أسساً كبيرة لحمايتهم من قضبان الحديد، وتلك الأم التي تعتني بأسرتها وتربيهم وتشعرُ بالمسؤليةِ تجاههم هي أيضاً تمثلُ دوراً كبيراً في حفظهم من الفسادِ والضياع.

    3 - ومن الحصون لحماية أولادنا وبناتنا: نشر الوعي والمعرفة، في المدارس، في الجامعات، في المسجد، في الجلسات مع الأقارب والزملاء، وفي مواقع التواصل.
     
    اللهم احفظ مجتمع المسلمين من كل سوء .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    وصايا نبوية

    0:00

    بناتنا والإجازة

    0:00

    صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ( 5 )

    0:00

    الجلوس مع الأبناء

    0:00

    تلاوة من سورة ق

    0:00



    عدد الزوار

    5014564

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1600 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة