مسألة: الفرق بين الهمّ والعزم، أن الهمّ هو ترجيح قصد الفعل، وهو أرفع من مجرد الخاطرة، وأما العزم فهو القصد المؤكد على فعل الشيء مع فعل شيء من مقدماته.
مسألة: الخواطر السيئة بدون عمل، لا إثم فيها، لحديث (إن الله تجاوز لأمتي ماحدثت به أنفسها مالم تعمل أو تتكلم) رواه مسلم، ومِن ذلك أحاديث الوسوسة في العقيدة التي اشتكى منها الصحابة، فقال ﷺ: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم، وفي بعض الروايات قال: الحمد لله الذي رد كيده للوسوسة. رواه ابن حبان.
مسألة: من عزم على فعل الحسنات بعزمٍ صادق.
قال ﷺ: (يقول الله للملائكة: وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها، فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة) رواه البخاري.
قال ابن تيمية: وهذه قاعدة الشريعة أن من كان عازماً على الفعل عزماً جازماً وفعل ما يقدر عليه منه كان بمنزلة الفاعل.
ويدل عليه قوله تعالى ﴿وَمَن يُهاجِر في سَبيلِ اللَّهِ يَجِد فِي الأَرضِ مُراغَمًا كَثيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ ثُمَّ يُدرِكهُ المَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفورًا رَحيمًا﴾ [النساء: ١٠٠]
ومما يؤكد ذلك، ماجاء في الحديث " إن أقواماً بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر " متفق عليه.
بل إن من اعتاد على العمل الصالح وحصل له مانع معتبر فإنه مأجور حتى لو لم يعمل، كما في الحديث " إذا مرض العبد أو سافر، كُتِب له مثلُ ما كان يعمل مقيماً صحيحاً " رواه البخاري.
ومما يؤكد ذلك: ما جاء في الحديث " ما من امرئ تكون له صلاة بليل، فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه " رواه النسائي بسندٍ صحيح.
وحديث " مَن توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلّوا أعطاه الله جل وعز مثل أجر مَن صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك مِن أجرهم شيئاً " رواه أبو داود بسندٍ صحيح.
قال العلماء: هذا الذي فاتته صلاة الجماعة كان عنده عذر، لأن الأصل أنه حريص عليها وليس كالذي يتكاسل عنها دائماً.
وأصرح حديث في هذا الباب، قوله ﷺ " مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر رجل آتاه الله مالا وعلما، فهو يعمل بعلمه في ماله، ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما، فهو يخبط في ماله، ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله علما ولا مالا، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهما في الوزر سواء ". رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
تنبيه، قوله " فهما في الأجر سواء " يرى بعض العلماء الاستواء في أصل الثواب بدون مضاعفة للحسنات، وأن المضاعفة خاصة بمن يعمل.
مسألة: الذي يهم الهمّ بالسيئة على أحوال:
الحالة الأولى: أن يهمّ بها ثم يتركها لأجل الله، فهذا على خير ومأجور، وقد جاء في الحديث القدسي (إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة، فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة) رواه البخاري.
الحالة الثانية: أن يفعل بعض مقدمات السيئة ثم يتركها لله تعالى، كما جاء ذلك في حديث أصحاب الغار (ومنهم الشاب الذي كان يريد ابنة عمه لفعل الفاحشة ثم قام عنها) فكانت حسنة له.
تنبيه: ليحذر المؤمن أن يترك الذنب لأجل الناس لأنه قدّم خوفه من الناس على الخوف من الله تعالى.
مسألة: هل يعاقب على العزم المؤكد على الذنب ولو لم يعمل؟
الجواب: نعم، والدليل قصة أصحاب الزرع الذين عزموا على منع المساكين من الصدقة، كما وردت في سورة القلم، فجاءت العقوبة قبل ذهابهم، لأنهم عزموا على الفعل.
ومما يدل عليه، قوله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) ، وقوله تعالى ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)، فتأمل كيف جاء التهديد بمجرد محبة نشر الفاحشة حتى لو لم يعمل، فكيف إذا عمل؟
تنبيه: الغالب أن مَن عزم على الذنب أنه يعمل بعض مقدماته وليست القضية مجرد خاطرة.
الحالة الثالثة: مَن فعل بعض أسباب الذنب، ثم عجز عن إكماله، فهذا يأثم بالإجماع، ويدل عليه حديث " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار "، فقيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟
فقال صلى الله عليه وسلم: " إنه كان حريصا على قتل صاحبه " رواه البخاري.
فانظر كيف عُوقب المقتول بالنار لأنه كان حريص على القتل، وقد قام بشيء من مقدماته ولكنه عجز عن القتل.
تنبيه: لا يلزم مِن استواءهم في النار أن يكونا في درجة واحدة في العذاب بالإجماع.
مسألة: ذكر بعض العلماء أنه يأثم لمجرد النية للعود لها في المستقبل، قال ابن رجب: ومتى اقترن العملُ بالهمّ، فإنه يعاقب عليه، سواء كان الفعل متأخرًا أو متقدمًا، فمن فعل محرمًا مرة، ثم عزم على فعله متى قدر عليه، فهو مُصِرٌّ على المعصية، ومعاقب على هذه النية، وإن لم يَعُدْ إلى عمله إلا بعد سنين عديدة.
نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من الذنوب.
مواد آخرى من نفس القسم
مكتبة الصوتيات
لا تقنط
0:00
قصة سجين
0:00
تلاوة من سورة النازعات 34-41
0:00
الإحسان إلى الناس
0:00
سورة يونس
0:00
عدد الزوار
5014564
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 24 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1600 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |