الحكمة في ترك القرار

عدد القراءات : 118

بعض الناس يظن أن الحكمة في الإقدام على فعل الشيء، وهذا ليس على إطلاقه، فقد تكون الحكمة في ترك القرار الذي عزمتَ عليه، وخاصةً إذا تبين لك أن فيه مفاسد كثيرة.

وهنا أمثلة:

1- قد يريد الواحد منّا أن يعاقب ولده بعقوبة معينة، فتقولُ له الأم لا تفعل، ثم يتردد، ولكنه يُصرُ على ذلك ويظنّ أنه مِن كمال الرجولة أن يُصر على ذلك القرار، ثم بعد أن يُعاقب ولده يتبين له أنه أخطأ في ذلك.

2- قد تريد الفتاة أن تتدخل تخصصاً معيناً في الجامعة ثم يتبين لها بعد ذلك أنه لا يناسبها، ولكنها تُصر على ذلك لأنها لا تُحب أن تتراجع عن ذلك القرار، وقد يكونُ السبب أنّ بعض صديقاتها سيدخلون نفس التخصص ولا تحب أن تخالفهم، ولكنها بعد سنة ربما تتمنى أنها لم تتخذ هذا القرار، وأنّ الأولى أن تكون شجاعة وحكيمة في ترك ذلك التخصص.

3- بعض الشباب يرغب أن يدخل مشروعاً تجارياً، لأن بعض الزملاء عزموا على الدخول فيه، وفي نفس الوقت يحب أن يشاركهم – مع أنه متردد – ولكنه لا يحب أن يوصف بأنه جبان عن اتخاذ ذلك القرار، فيكمل معهم، ثم بعد أسابيع ربما ندم وقد يكون قد خسر بعض المال في مشروع لم يكن مقتنعاً به 100%.

4- بعض الرجال يختلف مع زوجته ثم يسمع نصيحة من صديقه القائل: تزوج عليها وعش حياتك، ثم يعزم على ذلك، مع أن نفسه غير مطمئنة لذلك القرار، ولكنه يستمر ويرى أنه من الخطأ أن يتراجع عن هذا القرار، فيتزوج، ويتورط بالديون والمشاكل من الأولى والثانية، وبعد تراكم الهموم يختار قرار الطلاق لتلك الزوجة الثانية التي فتحت له بوابة المشكلات، مع أن العيب ليس فيها، ولكن في قراره الذي كان بدون أي دراسة أو استشارة، ولو أنه تراجع عن قراره وسعى في الصلح مع زوجته بعدة وسائل لكان أفضل.

5- بعض الشباب يجد عند مديره في العمل بعض المشكلات، فيرغب الانتقال لقسم آخر – مع أن العمل مريح من زوايا أخرى – ولكنه بعد أن رتب أوراق النقل ظهر له أن الأفضل التراجع عن ذلك، ولكنه أصر، ثم بعد ذلك اكتشف أن العمل الثاني فيه صعوبات أشد مما كان يجده من مديره السابق، فلو أنه تراجع عن ذلك القرار لكان خيراً له.

6- بعض النساء تختلف مع زوجها، ثم تذهب لأهلها، وتطلب الطلاق، فينصحها أهلها، ويعتذر الزوج لها، ويسعى في إرجاعها، ولكنها ترفض مع أن الخلاف بينهما يمكن أن يُتدارك بالعفو والاعتذار والتفاهم، ولكنها أصرت وعاندت، وبعد الطلاق بستة أشهر، ندمت وبدأت في محاولة الرجوع لزوجها، ولكن بعد فوات الأوان.

7- بعض الناس يحصل بينه وبين أقاربه شيء من الخلاف حول بعض المسائل في القبيلة أو العادات التي تكون بينهم، ويشتد الخلاف فيُصرُّ بعض هؤلاء على الانعزال عن قبيلتهم ويتخذون لهم سياسة معينة تخالف أغلب أهل القبيلة، وتحدث الخلافات وتقع المفاسد والقطيعة بين تلك القبيلة، ولو أنهم تراجعوا عن ذلك القرار، وبحثوا عن الحلول المناسبة التي تجمع بين القلوب لكان أفضل من الإصرار على الانعزال وإحداث الفرقة بين القبيلة الواحدة.

والأمثلة أكثر مما ذكرت، فنصيحتي لكل مَن يرغب في اتخاذ القرار أن يتأنى كثيراً وأن يعلم أن الحكمة ليست دائماً في المبادرة، فقد يكون التراجع في بعض الأحيان هو الحكمة، وهذا يتحقق بالدعاء والاستخارة والاستشارة وجمع المعلومات وتحكيم العقل وليس الهوى.

ومضة : قال تعالى ﴿ يُؤتِي الحِكمَةَ مَن يَشاءُ وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوتِيَ خَيرًا كَثيرًا وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُولُو الأَلبابِ ﴾ [البقرة: ٢٦٩]