سلامة القلب عند ابن حنبل وابن تيمية

عدد القراءات : 557

قال عبد الله بن محمد الورّاق: كنتُ في مجلس أحمد بن حنبل فقال: مِن أين أقبلتم؟

قلنا من مجلس أبي كُريب، فقال: اكتبوا عنه فإنه شيخٌ صالح، فقلنا: إنه يطعنُ عليك، فقال: فأيّ شيء حيلتي، شيخٌ صالح قد بُلي بي. السير 11/ 316

تعليق: إنك لتتعجب مِن أخلاق الإمام أحمد بن حنبل، وسلامة قلبه لمن يتكلم فيه مِن أهل العلم، فانظر كيف يُثني على أحد المعاصرين له، الذين يطعنون فيه لحسدٍ أو لسوءِ نية أو غير ذلك.

ومع ذلك لمّا قيل إنه يطعن فيك، لم يتكلم فيه بسوء بل مدحه وقال: شيخ صالح ابتلي بي ، أي بالكلام فيّ.

وفي زمننا نجد أن الخلاف بين الدعاة وأهل العلم قائم - وهذا شيء طبيعي -، ولكنك قد لا تجد مثل صفاء قلب الإمام أحمد، بل تجد عند البعض سوء الكلام والطعن في الذات وتفسير النيات وربما الكذب والبهتان في الاتهامات.

فما أعجبَ التقوى إذا سكنت قلوب أهل العلم، وما أصعبَ الحال حين تُفقد.

ثم تعال معي إلى ابن تيمية وأخلاقه مع المخالفين له في المسائل.

قال ابن القيم: كان بعض أصحاب ابن تيمية يقول: وودتُ أني لأصحابي مثل ابن تيمية لأعدائه. مدارج السالكين 2 /359

قلت: المتأمل في سيرة ابن تيمية يجد أن له خصوم كثير من جميع الفرق والجماعات سواء المنتسبة لأهل السنة أو غيرهم.

ولكن ومع كل ذلك إلا أن ابن تيمية كان لديه ميزان عجيب في التعامل مع المخالفين، فهو رحيم بهم، يلتمس لهم العذر، يسامح، ويحسن لبعضهم، ومن المواقف الغريبة ما نقلها ابن القيم حيث قال:

جئتُ يوماً مُبشراً له بموتِ أكبر أعدائه، وأشدّهم عداوة وأذى له، فنهرني وتَنكَّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزَّاهم، وقال: إنّي لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فُسّروا به ودعوا له، وعظَّموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه. مدارج السالكين ٣/ ١٣٩

قلت: أتمنى مِن الدعاة وأهل العلم أن يرفقوا ببعض، ويلتمسوا الأعذار لبعض، وحينما يرغبون في النصيحة فليأخذوا بأحسنِ الأساليب، وإذا كان الواحد منّا يأخذ بالكثير مِن آراء ابن تيمية ويقرأ كُتُبه، فيا ترى لماذا لا نأخذ بشيء مِن أدب ابن تيمية في تعامله مع الآخرين؟

مواد آخرى من نفس القسم

سقوط العالِم

الشافعي يتجاهل الردود الشخصية

العلماء وحراسة الشريعة

مكتبة الصوتيات