• السبت 11 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :20 ابريل 2024 م


  • ألحان وأحزان



  • الحمد لله الذي بيده مفاتيح السعادة والتوفيق ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرشدنا لما فيه سعادتنا ونجاتنا .

    أيها الفضلاء .

    نحن في زمننا اختلطتِ الأمورُ ببعضها وأصبحت بعضُ المحرمات عند بعضِ الناسِ من العادات التي لا يستغنون عنها، بل ويرونها من جمالياتِ الحياة .

    يغرد بعضهم ويقول: إن تحريم الغناء من أسباب انحراف الشباب للفئات الضالة ، فيالله العجب !

    أيها الكرام ، سيكونُ حديثنا هذا اليوم عن الغناءِ وحكمهِ وكلامِ العلماءِ فيه وماهي المفاسد التي ظهرت بعد الغناء وتنبيهات متفرقة حول هذا المنكر الخطير .

    أولاً : الغناءُ يصنفه العلماءُ بأنه من كبائر الذنوب ودليل ذلك :

    ١- قولُه تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ " .
    جاء تفسير الآية بأن لهو الحديثِ هو الغناء؛ كما قال ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وغيرهم من الصحابة، وهكذا فسره جماعةٌ من التابعين .

    2- قوله صلى الله عليه وسلم " ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ". رواه البخاري وغيره .
    فانظر كيف قال " يستحلون " وهذا يعني أن هذه الأمور من المحرمات ولكن بعض الناس استحلها وجعلها حلالاً ، وتأمل كيف ذكر المعازف مع الخمر والحرير والزنا .

    3- قوله صلى الله عليه وسلم : " ليكوننّ في هذه الأمة خسفٌ وقذف ومسخ وذلك إذا شربوا الخمر واتخذوا القينات وضربوا المعازف ". والحديث رواه الترمذي بسند صحيح .

    وهذا الحديث فيه الوعيدُ والتخويف ، ولو تأملنا جيداً لوجدنا أن هذه الثلاث تساهل فيها بعض الناس فهو يسمعُ الغناء ، وربما تابع الرقص في القنوات ومقاطع الجوال ولعله ممن يشرب الخمور .

    وحينما يغلبُ هذا على المجتمع فهذا مؤشرٌ خطير على الانحراف وهو منذرٌ بعقوبةِ الله عز وجل .

    وأما أقوالُ العلماءِ في الغناء ، فقد نقلَ أكثر من عشرين عالم إجماع العلماء على تحريمه ومنهم القرطبي وابن الصلاح وابن رجب ، وفتاوى العلماءِ المعاصرين على تحريمه ولاعبرة بمن أباحه لأن قوله شاذ مخالف لإجماع العلماء .

    وحولَ الغناء أهمسُ ببعض المسائل والتنبيهات :

    ١- لا يجوز حضور المناسبات التي تحتوي على المعازف ، ومن حضر فليقم بالنصيحة ، فإن بقي المنكر كما هو فلايجوز البقاء في هذا المكان .

    ويجب أن نذكر ولي أمر الزوجة أن يمنع الغناء في ليلة زفاف ابنته وأن يقنع أسرته بذلك حتى لا تبدأ ابنته حياتها الزوجية بمعصية الله تعالى .

    ٢- بعض الناسِ يتساهلُ في الموسيقى المصاحبةِ للأخبارِ وغيرها من البرامج وكلها داخلةٌ في التحريم وليس هناك شيءٌ في الشريعة أن يجوزَ منه القليلُ ولايجوز منه الكثير .

    ٣- بعض الناسِ يسمعُ الموسيقى في سيارته ويرفع صوتُ الغناء ليزعج الناس بها .

    وهذا جمع بين سماع الحرام وبين المجاهرةِ بالمعصية ، والمجاهرةُ هي في ذاتها محرمة حتى قال صلى الله عليه وسلم : " عفي لأمتي إلا المجاهرين ".

    وتسبب ذلك الذي يرفع صوت الغناء من سيارته بأذية الناس ، وأنتم تعلمون حرمةَ أذيةِ المسلمين حتى قال الله تعالى: " وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا " .

    ٤- في بعض المستشفيات والمستوصفات تدخل لتراجعَ في موعد ، وإذ بك تسمع وتشاهد القنوات التي تمتلئ بالغناء ، فيالله العجب متى كان المستشفى مكاناً للغناء والموسيقى ؟

    ٥- ومما يحزنك أن تراجع بعض المكاتب فتسمع الغناءَ في ذلك المكتب ، وهذا لا يجوز ولا يليق بك أيها الموظف .

    ٦- بعض الناسِ قد جعلَ نغمةَ جواله مقطعاً غنائياً وربما رنّ جواله وهو في المسجد، فهل يصلح هذا يا عبد الله ؟.

    يا هذا إن هناك عشراتِ النغماتِ المباحة التي تحوي صوتاً جميلاً فهلاّ غيرت نغمة جوالك ؟

    ٧- ومن الانهزامية النفسية ، أن ترى التشبه بالغرب لدى بعض الشبابِ فهذا يستمعُ للغناءَ الغربي الذي ربما لا يعرف معاني تلك الكلمات ولكنه التقليدُ للكفارِ والانغماسِ في حياتهم وشهواتهم .

    ٨- ومما يؤلمك أن بعضَ الآباءِ قد ترك القنواتِ المحرمةِ في بيته ولايبالي هل شاهد أولاده وبناته تلك المقاطع التي تحتوي على الغناء والرقص الذي يدمر العفاف ؟

    حرامٌ عليك أن تقتلَ الطهرَ والنقاءَ والعفافَ من قلوب أولادك وبناتك الصغار ، يا أخي استبدل تلك القنوات بالقنوات المحافظة والآمنة لأسرتك .

    ٩- لابد من حذف قنواتِ الأطفالِ التي تعجُّ بالموسيقى ؛ لأن الحرام يستوي فيه الصغير والكبير ، والحمد لله فهناك عشراتُ القنوات الخاصة بالأطفال التي لا توجد فيها موسيقى .

    ١٠- ومما يجدرُ التنبيهُ عليه أن نراقبَ الأجهزةَ الذكية التي لدى أولادَنا وبناتَنا وخاصةً الذين دونَ العشرين ، إذ ربما كانت لديهم برامجَ وتطبيقاتٍ فيها الغناءُ والمخالفات التي يشيب منها الرأس .

    سمعتُ أحد الدعاةِ يقول : اتصلت علي امرأة وهي تبكي بكاءً مريراً فقلت: ماقصتك ؟.
    قالت : لقد رأيت جوال ابني وهو في صف أول متوسط وبدأت انظرُ في الصور فرأيت مئات المقطاع المحرمة من غناء وتبرج ورقص وأفلام وغيرها .

    إنها حكايةُ طفل واحد ولكن ربما كان هناك العشرات من أمثاله ممن غفلنا عنهم .

    أيها الأب يجب أن تراقب تلك الأجهزة التي يمتلكها أولادك وبناتك فقد تكونُ محمّلةً بعشرات التطبيقات التي تدمر دينه وعفافه وأخلاقه .

    عباد الله ، ومما انتشر في زمننا سماع الشيلات التي يصاحبها الدف والألحان والتي غلبت على مسموعات الناس اليوم ويظنون أنها ليست بغناء ، ولقد امتلأت سياراتُ بعضُ الرجالِ بها .

    والشيلات والغناء في حكمٍ واحد؛ لأن العبرة بوجودِ المعازف فمتى وجدت فهي حرام سواءٌ سميت شيلات أو أغاني ، وأما الشيلات التي لا تحتوي على المعازف فهي من قبيل المباح .


    معاشر الكرام .

    إن من مفاسد الغناء : أنه يسهل الوقوع في الفواحش ، كما قال بعض السلف : الغناء بريد الزنا ، أي مقدمةٍ له .

    إن الغناءَ يتحدثُ غالباً عن الحبِ والغرامِ والعشقِ وعلاقةِ الفتيات مع الشباب وما يدور في هذا الباب ، 
    وهذا بلا شك يؤثر على نفوس الشباب والفتيات حتى يجعلهم يعيشون في البحث عن هذا الحب المزعوم ويبتعدون عن الحب الشرعي في الزواج .

    وكم من شهوةٍ كانت بدايتُها تلك الأغنية ، وسارتِ الشهوات في قلب ذلك الشاب وتلك الفتاة حتى ربما وقعا في المخالفات الكبرى .


    معاشر المسلمين ، هذه رسائل ابعثها لكل من يستمع الغناء :

    ١- اتق الله واحذر سخطه وعقوبته .

    ٢- اعلم بأن الله يراك وأنت في شهوات الغناء وملهياته ، " أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى " .

    ٣- تذكر أن عليك ملائكةً يشهدون عليك ويكتبون عليك أعمالك " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ " .

    ٤- يا من يستمع للغناء ، ما هو حالك لو قبض اللهُ روحك وأنت تستمع للغناءِ في تلك القناة أو ما شعورك لو نزل بك حادثٌ في سيارتك وأنت تستمع لتلك الأغاني .

    ما هو حالك وأنت في قبرك ، وهل تحبُ في تلك اللحظة أنك كنت من أهل الغناء ؟.

    ويا ترى ماذا ستجيبُ ربك إذا وقفت بين يديه وسألك عن تلك الأغنيات التي قضيت حياتك معها " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " .

    ٥- يا صاحب الغناء إنك تعصي الله بمالك حينما تشتري تلك الأشرطة ، وهذا المال أنت مسئولٌ عنه يوم تلقى الله . قال صلى الله عليه وسلم : " وعن ماله من اين اكتسبه وفيم أنفقه " .

    ٦- يا محب الغناء إنك تعصي الله بأذنك ، ألا تفكرت في حال ذلك الذي فقد السمع ، إنه يتمنى أن يعيدَ الله له نعمةَ الاستماع فما حالك لو فقدت السمع ؟

    ٧- يا صاحب الغناء ، لا تكن قدوةً سيئةً لأسرتك في استماع الغناء في البيت أو في السيارة ، وما ذنبُ أسرتك وأطفالك الأبرياء أن تزعجهم بألحان الغناء .

    ٨- يا محب الغناءِ والألحان لا تظن أنك تجلبُ لنفسك السعادة بهذا الاستماع بل والله إنك تجلبُ الهموم والقلق ، قال تعالى " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا " ، إن لذاتْ الغناءِ ساعة ولكن بعدها حزنٌ طويل وهمٌ لازم .

    إن سعادةَ قلبك ليست في الغناء والألحان بل واللهِ إن السعادةَ في استماع القرآن والعيشَ بين ظلالهِ وهداياتهِ " أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " .

    ٩- يا صاحبَ محلِ الغناء نذكرك بالله في أن تغلق محلك الذي يُصِّدر المحرماتِ للناس ، وتذكر أن عليك إثم كل من اشترى من محلك الغناء ، لأنك السبب في ذلك ، وربنا يقول " وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ "  .

    اللهم اشرح صدورنا بطاعتك واحفظ قلوبنا أن تتعلق بسواك .

    --------------

    الحمد لله ، أيها الفضلاء .

    وبعد هذه الجولة في التحذيرِ من سماع الغناء ، أدعوك للتوبة يا صاحب الغناء ، وأبشرك بأن الله يقبلَ التوبة ويعفو عن السيئات، وأبشر فالله يحب التوابين .

    عباد الله ، إن من عجيبِ شأنِ التوبة أن الملائكةَ تدعو للتائبين.

    قال الله تعالى : " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ " .

    يا الله ، ما أجمل الدعاء " فاغفر للذين تابوا ".

    واعلم يا عبد الله أن من ترك الغناء لوجه الله فإن الله يشرح صدره للقرآن وللهداية .

    وكم رأينا من شباب كان بعضهم يعزف الغناء ، وكان بعضهم من محبي الغناء ولكنه الآن في عالم الهداية والتوبة ، بل أصبح من رواد القرآن وهو الآن يحفظ القرآن كاملاً .

    أخي ، إن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .

    إن السعادةَ في الرجوعِ إلى الله والعيشَ في رياضِ الطاعات وليس في الغناءِ والشهوات " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ".

    أخي أذكرك بهذه الآية " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " .

    همسة أخيرة :
    ما أعظم الفرق بين من كانت حياُته مع الغناءِ والألحان وبين من كانت حياتُه مع القرآن .

    اللهم اشرح صدورنا بالقرآن والإيمان .
    اللهم اغفر لنا ذنوبنا يا غفور يا غفار .
    اللهم إنا نعوذ من فتن الشهوات والشبهات .
    اللهم أصلح شبابنا ونساءنا وردهم إليك رداً جميلاً .
    اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى .
    سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

     


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    رسائل للتعامل مع العاملين والخادمات

    0:00

    باب صلاة الجماعة من كتاب عمدة الأحكام

    0:00

    من مواقف يوم أحد

    0:00

    صلاح القلوب

    0:00

    المرأة والجمال

    0:00



    عدد الزوار

    4138570

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة