إنه الإيثار؛ ذلك العمل القلبي الذي يصرفه كثير من الناس إلى إيثار الخلق في أمور الحياة كالطعام واللباس ونحوها.
ولكن المعنى هنا أكبر والحديث أعظم؛ إنه إيثار الرب تبارك وتعالى وتقديم محبته على محبة غيره.
إن الناس قد يسهل عليهم إيثار الخلق في أمور الدنيا، ولكن قد يصعب على كثير منهم إيثار الرب تبارك وتعالى.
لعل من صنوف البلاء التي قد تخفى على بعض الناس " الابتلاء بالإيثار الرباني ".
والمعنى، أنه قد تتزاحم عندك المحبوبات ويكون داعي النفس لها أكبر، ولكن وفي نفس الوقت يكون مراد الرب غير ذلك.
فيا ترى هل ستؤثر مراد الرب أو ستأخذ مراد النفس؟
والمثال يوضح المقصود:
- عند الرغبة في النوم هل ستحقق مراد النفس في الميل للنوم، أم ستبادر إلى صلاة الوتر التي هي يحبها الله تعالى.
- عندما تكون أنت في مقام الدعوة إلى الله وتكون الأنظار إليك، ولكن داعي الأسرة والأقارب يطالبك بالتوقف أو التأخر، فيا ترى هل ستلبي رغبتهم أم أنك ستواصل الطريق مع مراعاة الحقوق التي لهم؟
إن المتأمل في سبب نزول: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) هو أن الصحابي آثر الضيف بتلك اللقيمات فكانت النتيجة (لقد ضحك الله من صنيعكما بضيفكما البارحة) وفي رواية: (لقد عجب الله) رواه البخاري.
فإذا كان من آثر مخلوق على فتات الطعام نال هذا من الله، فكيف بالذي يؤثر مرضاة ربه على محبة الخلق وشهوات الدنيا؟ لا شك أن ثوابه كبير وعظيم.
إن الذي يؤثر ربه تبارك وتعالى سيجد نوعاً من الصعوبات في بداية الطريق ليتأخر من ليس من أهل الإيثار، فإذا احتملها وتقدم انقلبت تلك المِحن مِنَحاً.
ومن روائع ابن القيم في هذا الباب قوله:
وهذا معروف بالتجربة الخاصة والعامة، فإنه ما آثر عبدٌ مرضاة الله عز وجل على مرضاة الخلق وتحمّل ثقل ذلك ومؤنته وصبر على محنته، إلا أنشأ الله من تلك المِحنة والمؤنة نِعمة ومسرة، ومعونة بقدر ما تحمل من مرضاته، فانقلبت مخاوفه أماناً فيا خيبة المتخلفين ويا ذلة المتهيبين.
وقال: هذا مع أن رضا الخلق لا مقدور ولا مأمور ولا مأثور فهو مستحيل بل لا بد من سخطهم عليك، فلأن يسخطوا عليك وتفوز برضى الله عنك أحب إليك وأنفع لك من أن يسخطوا عليك والله عنك غير راض.
وفي نهاية هذه الجولة في الإيثار لعلك تعرفت على بعض الصور وشيء من الإشارات حول هذا العمل القلبي، فالزم عتبة العبودية وكن بصيراً بمواطن المحن التي ستظهر لك حقيقة محبتك لربك جل وعلا.
مكتبة الصوتيات
فضل قضاء حوائج الناس
0:00
قالوا عن النجاح
0:00
تلاوة من سورة النساء 110-112
0:00
المرأة وطلب العلم
0:00
تأملات في سورة الحديد - 4
0:00

عدد الزوار
5533510
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 33 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1640 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |