نحن في كل يوم نمارس مبدأ اتخاذ القرار، وقد نشعر بذلك، وقد لا نشعر، وللأسف فإن أكثر الناس يقعون ضحية لهذه القرارات.
ومن المقدمات المهمة في هذا الموضوع:
1- أن تعلم أن كل حالة إيجابية تعيشها الآن فهي – بعد فضل الله – نتيجة لقرار ناجح كان قبل زمن، ومن الأمثلة على ذلك:
المثال الأول: قرار إكمال الدراسة حتى حصلت على الدكتوراة، هذا القرار بلا شك أن له أثر إيجابي على مكانتك الاجتماعية والعلمية وله أثر على راتبك والمزايا المالية لديك، وهكذا أنت تعيش الآن في فرحة وسعادة بعد حصول هذا الإنجاز.
المثال الثاني: قرار الزواج من المرأة الصالحة المتميزة بأخلاقها، كان له الأثر البالغ لاستقرارك الأسري ونجاحك في كثير من أمورك، لأن تلك المرأة كانت عوناً لك لتحقيق طموحاتك.
المثال الثالث: قرار التوبة لذلك الشاب الذي كان بعيداً عن الله، كان سبباً في سعادته وتوفيق الله له في حياته.
ومن زاوية أخرى لابد أن تعلم أن أي حالة سيئة تعيشها الآن هي في الغالب نتيجة لقرار فاشل وقع منك قبل زمن، وهنا أمثلة:
المثال الأول: لعلك تعيش الآن في حالة مادية سيئة، والسبب هو أنك استعجلت في ذلك المشروع التجاري الذي اقترضت لأجله نحو 100 ألف ريال، ثم بدأت بالمشروع بدون أي دراسة أو استشارة، مما ترتب عليه أن وقعت منك أخطاء في المشروع.
فكان قرارك هذا سبب لفشل المشروع، والاستمرار في سداد الديون التي ترتبت عليك ربما لعدة سنوات.
المثال الثاني: طريقة تعاملك مع بعض المشاكل عند زوجتك.
فعند التأمل تجد أن بعض الرجال يجهل قواعد حلول المشكلات عند زوجته، فهو لا يعرف إلا الطلاق، فلو رفعت صوتها عليه طلقها، ولو قصّرت في خدمته طلقها، وهكذا يتخذ قرار الطلاق أو التهديد به، ثم تكبر المشكلات بسبب ذلك القرار.
فانظر كيف هو الآن يعيش في أزمة طلاق وقد ترتبت عدة مشكلات عليه وعلى أولاده وزوجته بسبب ذلك القرار الفاشل.
وإذا فهمت ما سبق، فاعلم أن أي قرار ناجح تتخذه الآن فهو بإذن الله سيحقق لك فوائد جميلة في حياتك الأسرية والمالية والنفسية والوظيفية، وأن أي قرار فاشل تتخذه الآن فسوف يتعبك في حياتك، فانتبه لذلك.
أمثلة على بعض القرارات في حياتنا:
1- قرار شراء السيارة؛ في الغالب أننا نحرص على شراء سيارة جديدة وآخر موديل، وقد يكلفنا ذلك مبالغ مالية كبيرة، فقد تكون أقساط شهرية وقد تستمر نحو خمس سنوات، مع العلم أن هناك التزامات مالية أخرى مثل إيجار السكن، ومصاريف الأولاد، وأمور الوالدين إن كان يصرف عليهم، ونحو ذلك.
لهذا تجد ذلك الشخص الذي قرّر شراء سيارة ولم يدرس قراره جيداً إذا به يقع في مشكلة الأقساط والديون، حتى إنه وقع في مصائب وكوارث لم تكن في الحسبان.
ولو أنه درس قراره ونظر في الفوائد من هذا القرار والأضرار ثم استشار أهل الخبرة ثم استخار ربه تعالى لحصل له الخير الكثير.
2- قرار الزواج؛ في الغالب أن الشاب عندما يريد الزواج أو الفتاة التي ترغب في الزواج يغفلان عن القرار الصائب في جودة الاختيار لشريك الحياة.
وتجد الشاب يسارع في قبوله للزواج من تلك الفتاة، بدون أي جمع للمعلومات الكافية عنها، ولعله بعد الزواج وعندما تذهب لحظات الحماس يبحث عن صفات مهمة في زوجته فلا يجدها؛ لأن قراره كان سريعاً، وهو يتحمل هذا القرار الذي إن لم يتداركه الله بعنايته فقد يتخذ قرار الطلاق.
3- بعض النساء تتخذ قرار الطلاق لمجرد مشكلة بسيطة بينها وبين زوجها، وبدون أي تفكير في نتائج الطلاق وأضراره عليها وعلى أولادها، والسبب هو أنها تشعر بألم نفسي لتلك المشكلة وتظن أن الطلاق هو الحل الوحيد، ثم إذا وقع الطلاق إذا بها تتفاجأ بمشكلات نفسية أكبر من تلك الخلافات التي كانت مع زوجها.
4- بعض النساء تريد التحرر من أسرتها، وربما خلعت زوجها، لتعيش بدون زوج وبلا أولاد، وكل هدفها أن تتنقل بين الأسواق والمدن والمقاهي، ثم ماذا؟ ثم تتفاجأ بعد زمن بأن هذا القرار كان فاشلاً من الأساس، مدمّراً لنفسيتها ولأسرتها، ولعل المشاكل قد أحاطت بأولادها في دراستهم ونفسياتهم وتربيتهم، فيا ترى هل كان قرارها صواباً؟
5- قرار الطلاق الذي بدأ ينتشر في الآونة الأخيرة حتى وصلت حالات الطلاق في بعض الأعوام إلى 60 ألف حالة طلاق في السعودية، وكل هذا نتيجة القرار السريع وعدم دراسة الفوائد والأضرار والتأني في اتخاذ القرار.
ولنفترض أن الرجل أراد أن يتخذ قرار الطلاق فليسمح لي بهذا الحوار:
- هل كتبتَ فوائد هذا القرار؟
- هل كتبتَ أضرار هذا القرار؟
- هل أنتَ صاحب أطفال؟ إن كان لديك أطفال فمع من سيعيشون؟ إن كانوا مع الأم فهل هي مؤهلة للقيام بتربيتهم تربية صالحة؟
- هل الأم ستكون عند أسرتها؟ وهل البيئة تناسب أن يعيش فيها أطفالك مع أمهم؟ أم لديهم منكرات ومصائب؟ أم أن هذه الأمور لم تخطر على بالك أصلاً؟
- لو تزوجتْ الأم فبالطبع سيكون الأطفال عندك، وأنت أيها الزوج لو تزوجت امرأة ثانية هل ستكون لأطفالك مثل أمهم؟
- هل لدى الزوجة الثانية القدرة لتربية أطفالك تربية صالحة؟
وهكذا أسئلة كثيرة تدل على خطورة أضرار القرار غير المدروس وخاصة في العلاقات الاجتماعية.
6 - قرار الزوجة الثانية، وهو عند بعض الناس مجرد حماس، ورغبة في التغيير والتجديد في الزواج، ولكن هذا الزواج إن لم يكن على دراسة واستشارة فإننا نجد أن هذا الزوج سيبقى مع الثانية أياماً وبعدها سيتفاجأ بالميزانية المالية الجديدة والمشكلات الكثيرة كالغيرة وبعض التصرفات من كلا الزوجتين.
ثم يبدأ يفكر في الطلاق للخلاص من هذا القرار، فيحتار إما أن يطلق الثانية أو الأولى، وقد يأتيه إلحاح من الأولى بالطلاق، أو تهديد بالذهاب لأهلها، فيستعجل قي قرار تطليقه إما للأولى من باب الحقد عليها والانتقام، وقد تكون الضحية هي الزوجة الثانية لأن الأولى معها الأبناء وهكذا.
7 - قرار البدء في مشروع تجاري، يا ترى هل هو نتيجة للحماس والتأثر بحديث الزملاء والأقارب، أم أنه عن قناعة وتأمل وتخطيط مالي جيد؟
8 - قرار الدخول في تخصص معين في الجامعة، هل سبقته دراسة في أهمية هذا التخصص ومناسبته لك أنت؟
أم أنك اخترته نتيجة لضغط الوالد عليك، وبالتالي ليس لديك قناعة به، مما يترتب على ذلك عدم الاستمرار فيه، أو عدم بذل الجهد في الدراسة.
7 - قرار السفر وخاصة في الإجازات، في الغالب أننا نقرر سريعاً وبدون دراسة لمناسبة الوقت والبلد ومدى الإعداد الجيد للميزانية مما يتسبب في كثير من الأحيان إلى تراكم الديون.
8 - القرار المتعلق بحلول المشكلات، تجد أن بعضنا لا يفكر جيداً في مناسبة الحل لتلك المشكلة، بل إنه يتخذ أسرع الحلول التي يراها بدون دراسة، وبدون استشارة أو استخارة، وحينها تأتي الحلول الغريبة التي مفاسدها أعظم من مصالحها.
9 - قرار البدء في مشروع علمي مثل قراءة كتاب أو حضور دورة علمية في مدينة أخرى أو الارتباط بدرس مع أحد أهل العلم، ولهذا أوصيك قبل البدء في هذا البرنامج أن تفكر في مدى الأنفع لك ومدى مناسبة هذا البرنامج لك في هذه المرحلة من عمرك.
وقد تكتشف يا طالب العلم في أغلب الأحيان أن بعض هذه البرامج تحتاج إلى التأجيل وبعضها يحتاج إلى التغيير وهكذا، والعبرة ليس بوجود البرنامج وإنما العبرة بمناسبته لك أنت، وقد يناسب غيرك ولا يناسبك، وقد يناسبك بعد سنة أما الآن فلا يناسبك، وهكذا يجب التأني في اتخاذ قرارك العلمي.
10 - القرارات الدعوية، مثل: الرحلات الدعوية، إنفاق بعض الأموال لأجل برنامج دعوي، البدء ببرنامج دعوي في المدرسة أو الجامعة أو المسجد.
يا ترى هل نحن ندرس مدى أهمية هذه البرامج ومناسبتها للمكان والزمان والحال، ومدى حاجة المخاطبين لها وماهي مستوياتهم العقلية والعلمية، أم أننا نقدم عليها بمجرد الرغبة في الأجر بدون دراستها والتأمل في قرار البدء فيها.
وختاماً، فإن القرار الناجح هو الذي يمر بهذه القواعد:
1- اجمع المعلومات الكافية التي تساعدك في اتخاذ القرار.
2- اكتب فوائد القرار بكل صراحة ووضوح.
3- اكتب الأضرار المتوقعة من هذا القرار.
4- استشر من تثق به ممن يعرف المناقشة لهذا القرار، ولا بد أن تكون أوراق الفوائد والأضرار لديك وتعرضها عليه.
5- استخر ربك واسأله التوفيق.
6- بعض القرارات تستحق التأجيل، وبعضها يناسبها التعجيل.
7- بعض القرارات تتعلق بك كشخص، مثل التخصص الجامعي، وبعضها لها أثر على أشخاص آخرين كأسرتك، مثل الانتقال للعمل في مدينة أخرى، أو الطلاق، أو التعدد.
8- لا تفكر في العاطفة فقط حينما تتخذ القرار، بل اجمع بين العقل والعاطفة.
9- كن شجاعاً وقت اتخاذ القرار، لأن التردد في بعض الأمور يضرك ولا ينفعك.
10- تأكد أن كل قرار له فوائد وله أضرار، والعبرة بالتأني في الموازنة بينهما بكل حكمة وبدون استعجال.
ومضة: من هذه اللحظة تدرب على التأني في اتخاذ القرار، واستمع للمحاضرات التي تتحدث عنه، أو اقرأ في المقالات التي تتناول هذا الموضوع.
نسأل الله أن يوفقك لاتخاذ القرار المناسب في كل تفاصيل حياتك.
مكتبة الصوتيات
سورة القيامة 1-11
0:00
الفرار إلى الله
0:00
فضل الاستغفار
0:00
تلاوة من سورة الإسراء - 13
0:00
أعظم نعيم
0:00
عدد الزوار
5080587
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 27 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1611 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |