• الخميس 16 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :25 ابريل 2024 م


  • قواعد تربوية في إدارة المشكلات



  • الحمد لله الذي له ما في السماوات ومافي الأرض ومابينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقولِ فإنه يعلمُ السرَّ وأخفى .

    والصلاةُ والسلامُ على النبي المصطفى والرسولِ المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن على آثارهم سار واقتفى .

    أما بعد ، 
    فيا أيها الكرام ، لاتخلو حياتُنا من وجودِ بعضِ المشكلاتِ التي تعكرُ صفو الحياةِ وتجلبُ الحزنَ معها .

    وهذا من طبعِ الحياة التي جُبلت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذاءِ والأكدار ، ولكن ليستِ المشكلة في وجودِ المشكلة ، ولكن المشكلة في الطريقةِ التي نواجهُ بها المشكلة .

    ولك أن تتأمل معي هذه الحالات :

    - ذلك الرجل اكتشف أن ابنه وقع في التدخين ، فما كان من الوالدِ إلا أن قام بضربه بكل قوة وألقى عليه عباراتِ السبِ والشتم ، ولولا تدخل زوجته لطرده من البيت ، فهل هذا هو الحل لمشكلةِ تدخينِ الابن ؟ أليس هناك حلولٌ أخرى ؟

    - مشهدٌ آخر : ذلك الزوج يعاني من تقصير زوجته في البيت وقلةِ عنايتها بنظافته ، فما كانَ منه إلا أخذها وذهبَ بها لأهلها وقال : خذوا ابنتكم وحاولوا إصلاحَ شأنها ، فهل هذا هو الحل الوحيد لتلك المشكلة ؟ أليس هناك حلولٌ أخرى قبل الذهابِ بها لبيتِ أهِلها ؟

    - مشهدٌ ثالث : في تلك الدائرة الحكومية يلاحظُ المدير العام سلوكاً على أحد الموظفين فيقرر ذلك المدير إفادته وإنذاره بأسلوبٍ سيء بعيدٍ عن الأدبِ والحوارِ الهادئ .

    أيها الفضلاء هذه نماذجُ في واقعنا تدلُ على سوءِ الإدارةِ للمشكلاتِ التي تنزل بنا ، وماخفي أعظم .

    ولقد أتيتُ لكم بقواعدَ تفيدُ في إدارةِ المشكلات وتُساهم في حلها .

    والواجبُ علينا هو الثقافةُ في هذا الموضوع لكي نتعرف على أسسٍ المعالجة للقضايا التي تنزلُ بنا قبل أن نتخذَ فيها حلولاً بعيدةً عن الصواب .

    القاعدةُ الأولى : التثبت من وقوع الخطأ عند الطرف المتهم.

    إن مما يؤسف له أيها الكرام أننا أحياناً قد نتهمُ الآخر بالخطأ وهو بريء منه ، وذلك بسبب تقصيرنا في التثبتِ ، مع أن القرآن يؤدبنا ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) .

    كم من زوجٍ رمى زوجته ببعض التهم وهي بريئةٌ منها ، بسببِ أنه سمع والدته أو أخواتَه يتكلمونَ في زوجته .

    كم من مديرٍ أخطأ مع موظفيه بسبب عدم التثبت مما نُقل عنهم .

    كم من صديقٍ هجرَ صديقهُ بسببِ إشاعةٍ انتشرت عنه وهو بريءُ منها .

    أيها الكرام ، تثبتوا وتأكدوا من الأخبارِ التي تُنقل عن الآخرين، حرامٌ عليكم أن ترموا بالاتهامات بلا بينةٍ ولابرهان ، إن الظلمَ جريمةٌ كبرى ، واللهُ قد حرمَ الظلمَ على نفسهِ وجعلهُ بين العبادِ محرماً .

    القاعدةُ الثانية : السماعُ من الشخص وليس السماعُ عنه، وبينهما فرقٌ كبير.

    السماعُ من الشخصِ يعني الجلوسَ مع صاحبِ الخطأ والحوارُ معه والاستماعُ لتفاصيلِ الموضوعِ منه ومعرفةُ تفاصيلِ الحدث ، وأما السماعُ عنه فهو سماعُ الكلامِ الذي يُشاعُ عنهُ من المغرضين والحاسدين .

    وإليكم هذا النموذج ، ذلك الأب جلس يستمعُ لكلامِ ابنتهِ في زوجها ثم قرر أن يأتي ليخاصم الزوج ، ويتفاجأ بكلامٍ آخر عنده بل ويرى الأدلة والبراهين على أن ابنتهُ هي المخطئة .

    القاعدةُ الثالثة : إحسانُ الظن بالآخرين .

    إننا حينما نتثبت من الخطأ ونتأكد من وقوعِ صاحبنا في المشكلة ، يجبُ أن نحسن الظن ، قال تعالى: ( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) .

    يمكنك يا أخي أن تلتمس لأخيك عذراً في تقصيره أو في وقوعه في ذلك الخطأ، ولكن يجبُ أن ندرك أن قاعدةَ حسنَ الظن ليست على الإطلاق .

    بل إن هناك حالات يجب أن نكون فيها حذرين من أخطاء الآخرين وذلك حسب القرائن والبينات .

    القاعدةُ الرابعة : استشارةِ الحكماء في حل المشكلة وعدم التفرد بالرأي .

    فإذا كانتِ المشكلةُ مالية فاستشر أهلَ الاقتصادِ والخبراءِ في المال، وإن كانت المشكلةُ تربوية فاستشر أهل التربية  .

    إن الاستشارةَ أيها الكرام تفتحُ آفاقاً جميلةً في الحلول، وربنا يأمر نبيه ويقول: ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) .

    إن من الخلل أن تتخذ قراراً لحلِ مشكِلتك بدونِ أن تعرِضها على رجلٍ حكيم .

    الاستشارة ياعبدالله ، هي إضافةُ عقولٍ إلى عقلك ، والاستشارةُ تمنحكَ الطمأنينةَ في اتخاذ الحل المناسب لأن الحكماء وافقوك على ذلك .

    القاعدةُ الخامسة : ضع للمشكلةِ حجمها المناسب .

    فلا يصح أن تضخم المشكلة وهي صغيرة، ولا يصح أن تصغر المشكلة وهي كبيرة ، والنظرة الحكيمة للمشكلات تعطيك تصوراً واضحاً حولها، وبعد ذلك تتخذ الحل المناسب لها .

    مثال ذلك : أخطأ أحد جيرانك على ولدك ببعض الكلام السيء .

    فليس الحل أن تضخم المشكلة وتذهب للشرطة ثم تقرر الانتقال من الحي .

    إن الحل هو الحوار مع المخطئ أو مع والدهِ ، وأن يعتذر لك وأن يتحقق الصلح .

    مثال آخر : حينما تختلف زوجتك مع والدتك في موضوعٍ ما ، فهل هذا الخلاف يستدعي الطلاق أو التهديدِ به .

    أيها الفضلاء ، لقد وقفتُ على مشكلاتٍ صغيرة ولكن أصحابَها نظروا لها بشكلٍ أكبرَ من حجمها وخسروا كثيراً . 

    القاعدةُ السادسة : كن جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة .

    والمعنى ساهم في حل المشكلة التي نزلت بصاحبك ، بزوجتك ، بولدك ، ولاتكن بتصرفاتك جزءاً من المشكلة بسببِ نظرتكَ لها وغفلتك عن قواعدِ حلها .

    القاعدةُ السابعة : التزم الهدوء في التعامل مع المشكلة، إن الرفقَ دليلُ التوفيق " والرفقُ ماكان في شيءٍ إلا زانه ولا نزع من شيءٍ إلا شانه ".

    إن الغضبَ والتعاملَ مع المشكلةِ بمنظارِ القوةِ والانتقامِ لايزيدُ المشكلةِ إلا سوءاً، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تغضب ".

    اهدأ قليلاً ولاتفكر في الحل وأنت في حال الغضب والتوتر .

    القاعدةُ الثامنة : لاتتجه للأنظمة إلا بعدَ تعثرِ الحلولِ الأولية .

    وتوضيحُ ذلك : بعضنا يتجه للمحاكم لحل قضاياهُ الزوجية ، وهذا جيد ولكن ليس هو أول الحلول ، وآخر يتجه للشرطة عند أدنى مشكلة في خصومة مع جيرانه .

    إن هناك عدة حلول ، وهناك صلحٌ قبل السير للجهات القضائية والرسمية .

    أيها الأحبة ، نحن حينما نعالج المشكلة بطريقة الصلح والمفاهمة تكون غالباً أيسر من معالجتها بعد وصولها للمحاكم .

    اللهم وفقنا للحكمة واهدنا إلى الصواب في الأقوال والأعمال .

     ----------------

    الحمد لله .

    القاعدةُ التاسعة في إدارة المشكلات : التخلص من أسباب المشكلات .

    إن من العيب أن تتكررَ المشكلةُ عندك في بيتك بسببك أنت، فوالديك دائماً يعاتبونك وأنت تكرر الخطأ ، متى ياترى تتخلص من أسباب خطأك .

    وهذا زوج ينصح زوجته باستمرار في العناية بالبيت وبأولاده ثم تلتزم بالحل يومين وثلاثة ولكنها تعود لمشكلاتها بعد أسبوع .

    كم من موظف يعاتبه مديره في تأخره وغيابه ولكنه لايبالي .

     

    القاعدةُ العاشرة : الثقة بالنفس في حل المشكلة .

    إن المهم علينا أن نكون أقوياء في حلِ مشاكلنا .

    هذا أحدُهم مشكلتهُ في عدم توفيرِ أمواله ، فنقول له : ياهذا كفى لعباً وتضييعاً للأموال ، وكن حكيماً وذا قدرةٍ على إدارة أموالك .

    وهذه زوجة تعترفُ وتعجز عن حلِ مشاكلِ أولادها ، فنقول لها : أختاه لاتيأسي واستمري في البحث عن الحلول واصبري عليها .

    أيها الكرام ، كونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة المشكلة ولاتستسلموا لها وأبشروا فالله معكم بتوفيقه وتيسيره .

    إن الهروبَ من المشكلةِ ليس حلاً، ولو كان الهروبُ حلاً لأصبحتِ الأرض كوكباً مهجوراً .

    القاعدةُ الحاديةَ عشر : هناك حلول وليس حلاً واحداً .

    إن من الخلل أيها الفضلاء أن نفكر في حلٍ واحد للخروج من الأزمة التي نحن فيها، وإني أنصحك بأن تقول لنفسك وللآخرين : هناكَ عدة حلول .

    نعم هناك حلول في إصلاح الخلل عند زوجتك وليس الحل هو الطلاق .

    هناك حلول لإصلاح أخطاء ولدك وليس حلاً واحداً .

    مع موظفيك حينما يخطئون تأكد أن هناك حلول للارتقاء بهم .

    مع المجتمعِ الذي أنت فيه توجد حلول كثيرة لإصلاحِ مايوجد بينهم .

    إذن احفظها جيداً ، هناك حلول وليس حلاً واحداً .

    اللهم سدد أقوالنا وقراراتنا .
    اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا .
    اللهم اغفر لنا واعف عنا .

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    شهادة الجوارح

    0:00

    استمتع بما تملك

    0:00

    فن التفويض

    0:00

    تأملات في سورتي المسد والإخلاص

    0:00

    تأملات في سورة المرسلات

    0:00



    عدد الزوار

    4157698

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة