• الجمعة 19 رَمَضان 1445 هـ ,الموافق :29 مارس 2024 م


  • المجرمون الصغار



  • الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً .

    الحمد لله القائل " المالُ والبنونَ زينةُ الحياةِ الدنيا ".

    والصلاةُ والسلام على من بعثه الله للعالمين سراجاً منيراً .

    بلّغ الرسالة وأدى الأمانة .

    أما بعد ، في عصرِ ذلكَ اليوم قمتُ بزيارةٍ إلى دارِ الملاحظة التي تعتني برعايةِ الصغار والشباب الذين أعمارهم بين التاسعة والسابعة عشر عاماً .

    وهم فئة من المجتمع الذين وُجِدت عليهم بعضُ المظاهرِ السلوكية المخالفة وتتم معالجتهم سلوكياً ونفسياً وتربوياً في تلك الدار .

    قلتُ للمشرفِ عليهم : أحبُ أن أجلس مع بعض هؤلاء .

    فقال : لا مانع .

    فدخل الأولُ وعمره ١٤ وسألته عن قضيته فقال : قضيتي ترويج وتمرير المخدرات بين المدن .

    فسألته ولماذا وقعت في هذا الشيء ؟

    فقال : بصراحة ، مجتمعي القريب مني يتعاطون المخدرات ، والدي وبعض أقاربي ، ونشأتُ في هذا المجتمع .

    ثم خرج ، ودخل الولدُ الثاني ، فسألته عن قضيته فقال : صناعةُ الخمورِ وبيعها ، فقلتُ : وكيف تفعلون ؟

    فقال : نحن مجموعة من الشباب نجتمع ونتعلم صناعة الخمر، ثم نضعها في علب الماء المفرغة ثم نبيعها بسعر مناسب ، تقريباً ١٠٠ ريال للقارورة الواحدة .

    ثم خرج ، فدخل الثالث ، فسألته عن قضيته ؟

    فقال : نحن مجموعةٌ من الشباب نسرق المحلات التجارية وحينما نسرقها نعطيها لرئيس العصابة ثم يوزعها علينا .

    عباد الله ، هذه ثلاثُ قصص ، وهناك عشراتُ القصص لم أذكرها لكم .

    أيها الأب سأكون صريحاً معك هذا اليوم وأقول لك :

    ربما كنتَ السبب في انحرافِ ابنك ، وأتمنى أن تحاسبَ نفسك على هذه النقاط التي سأذكرُها لك .

    فإن كان فيك شيءُ منها فأوصيك أن تبتعدَ عنها، وإن لم يكن فيك شيء منها فاحمدِ الله .

    1- قد يكونُ الأب سبباً لانحراف الابن عندما يعاملهُ بالقسوةِ والشدة، فذلك الابن لا يسمعُ من أبيه إلا ألفاظَ السبِ والشتم ، ولا يرى من والده إلا الشدةَ والجفاء .

    فحينها يصابُ الابنُ بأزمةٍ نفسية ويصبحُ يكرهُ البيت ويكره والده ، ويحاول الهروب من البيت ، ويبدأ في البحثِ عن البديل لذلك البيت فيا ترى أين سيذهب ؟ ومع من سيجلس ؟

    أيها الأب إن قسوتك على ولدك تجعلهُ يسيرُ في طريقٍ تحفهُ المخاطر، فكن رفيقاً بولدك .

    اجعل ابنك يفرحُ بالجلوسِ والخروجِ معك ، وهذا لن يتحقق إلا إذا كنتَ رفيقاً .

    وفي الحديث الصحيح " ماكان الرفقُ في شيء إلا زانه ولانُزع من شيءٍ إلا شانه ".

    2- وقد يكونُ الأبُ سبباً لانحراف ابنه عندما يمنعهُ من مجالسِ الخير مثل حلقات التحفيظ ، والدروسِ العلمية والمحاضرات , والملتقياتِ الشبابية التربوية .

    وهنا لا بد للأب أن يعلم أن من أكبرِ أسبابِ صلاحِ الابن أن يعيشَ في بيئةٍ صالحة ليقوى دينُه .

    وعندما يمارسُ الأب منعَ الابن فإنه بذلك يحرمُ ابنه من مجالسةِ الصالحين الذين هم أقوى وسيلة للثبات وخاصةً في هذا العصر.

    ومن جهةٍ أخرى : فإن الأب إذا منعَ ابنه من مجالسةِ الأخيار فيا ترى هل سيبقى الابنُ وحيداً ؟ بالطبع لا ، بل سيبحثُ عن رفقةٍ أخرى , وقد تكونُ هي بداية الانحراف .

    3- بعض الآباء يحرم ولده من المال مما يترتب على ذلك أن يبحث الابن عن المال بطرق غير شرعية ، وقد تكون تلك الطرق ( المخدرات – السرقات وغيرها ) .

    والسعيد من وُعظ بغيره ، وكم في السجونِ من شبابٍ كان سببُ سجنهم البحثُ عن المال .

    والأبُ الحكيم يتوازن في إعطاءِ ولدهِ المال فيما يحتاجه ، ويربيه منذ نشأته على الحكمةِ في التعاملِ مع المال .

    ٤- بعض الآباء يريدُ من ابنهِ أن يبقى ملازماً للبيت لا يخرجُ للترفيه عن نفسه ، مما يترتب على ذلك الاكتئاب والملل وبعد ذلك الانحراف التدريجي.

    وقد رأيتُ بعضْ هؤلاء الآباء الذين يريدون من أولادهِم ملازمتهُم في كل مكان والبقاء عند محلاتهم وتجارتهم ومنازلهم بدون اعتدال في ذلك مما يجعل الابن يمل ويضجر من ذلك .

    أيها الأب يجب أن تدرك حاجةَ ابنك للاستمتاع بالحياة في جوٍ من المباحات مع مراعاةِ الضوابطَ في ذلك وأن تكونَ عوناً له لا مانعاً له بسبب حرصك الشديد عليه .

    ٥- بعض الآباء يأتي بالمنكرات إلى البيت كالقنوات المحرمة .

    وأنتم تعلمون معاشرَ الفضلاء أن بعض القنوات فيها من الفساد والانحلال الشيءَ الكثير، والضحيةُ هم الأبناء والبنات ، وكم هي القصص التي تؤكدُ خطرَ القنوات وأنها من أكبرِ أسبابِ انحراف الأبناء والبنات .

    والحمد لله فهناك القنواتُ المحافظة التي جمعت بين المتعةِ والفائدةِ والمرح والتوجيه المناسب .

    إن القنوات وسيلةٌ تربويةٌ مهمة يجبُ علينا أن ننتقيها بعناية .

    ٦- قد يكون الأب سبباً لانحراف الابن عندما يغيبُ عن البيت لفترات طويلة .

    ففي الصباح لديه عملٌ في النهار ، وربما غاب في الليل لارتباطه بمحل تجاري هنا وهناك ، وبعض الآباء يغيب لارتباطه ببعض الجلسات والاستراحات .

    وقد يتسبب هذا الغياب في الانحراف التدريجي عند الأبناء والبنات.

    والحل هنا هو التوازنُ في الحضور إلى البيت وعدمُ الغياب الدائم ، والحرصُ على تكوينِ علاقةِ مودةٍ ورحمة مع الأسرة ، مع الحرصِ على تفقدِ الأبناءِ والنظرِ في مصالح دينهم ودنياهم.

    اللهم اجعلنا سبباً لصلاح أولادنا وبناتنا وأقر أعيننا بهم يارب العالمين .

     -------------- 

    الحمد لله ، وبعد .

    معاشر الآباء :

    ٧- إن الجهلَ بطرقِ التربيةِ الصحيحةِ من أكبرِ أسبابِ انحراف الأبناء.

    فبعضُ الآباء يجهلُ مبادئُ التربيةِ الصحيحة ولا يعرفُ وسائل التأثير في أبنائه، ولا يدري ما هي الفروقاتُ التربويةُ والنفسية بين الأبناء والبنات ، ويترتبُ على ذلك الأفعال الخاطئة ، مما يسبب المشاكل والمصائب.

    والحل هنا: هو القراءةُ والسماعُ والثقافةُ في أمورِ التربية حتى يمكنُ لك أيها الأب من سلوكِ القواعدِ التربويةِ في تربيةِ أبنائك وبناتك.

    واعلم أيها الأب أن ذلك ليس عيباً فيك بل هذا والله من الكمال ؛ لأن بعض الآباء قد يكونُ ناجحاً في أمور دينه ودنياه وتجارته ، ولكنه قد يكونُ فاشلٌ في إدارة بيته وتربية أسرته.

    ٨- ليعلمَ الآباء أن الدعاء على الأبناء من أكبر أسباب انحرافهم، فبعض الآباء يدعو على أبنائه أو بناته، وقد يستجيبُ الله له فيترتب على ذلك الخسارةَ العظمى .

    ولهذا ثبت في الحديث: ( لا تدعوا على أموالكم ولا على أولادكم لا توافقوا من الله ساعة فيستجيب لكم ) رواه مسلم .

    أيها الأب ، قبل أن تدعو على أبنائك تذكر أن هذا الدعاء قد يستجاب ، وبعد ذلك قد يكونُ الضياعُ والانحراف لأبنائك.

    أيها المحب ، عود لسانك الدعاء لأبنائك وبناتك بأمورِ الخير والصلاح، لعل هذا يكون مفتاح خير لهم ( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) .

    ٩- أيها الآباء ؛ إن كثرةَ المشاكلَ الزوجية قد تكونُ سبباً لانحراف الأبناء .

    إن وجودَ الخلافاتِ الزوجية وخاصةً أمام الأبناء يسبب اضطراباً كبيراً في نفسياتهم ويجلبُ لهم المزيدَ من التوترِ والقلقِ وغيابِ الأمن النفسي والتربوي ، وقد أثبتت الدراسات أن العنف الأسري والطلاق من أكبر أسباب انحراف الأبناء .

    فاتق الله أيها الرجل واضبط أعصابك وترفع عن بعض الخلافات التي لاتستحق .

    ١٠- لعل من أسباب الانحراف عند الأبناء والبنات هو تأخيرُ زواجهِم مما يترتب عليه الضياع والبحث عن طرق محرمة في قضاء الشهوة.

    أيها الأب ، إن ابنك محتاجٌ إلى العفاف ، وهذا العفافُ لا يكونُ إلا بالوقوفِ معه في ترغيبه في الزواجِ والسعي لتيسيره .

    إن الشبابَ يعانون من تسلطِ القنواتِ والصورِ في الجوالات ومواقعِ التواصل وفتنِ الأسواقِ وغيرها من مواقع الفتن .

    وقد لعبت بعقولِهم وقلوبِهم مما جعلت بعضاً منهم يمارسُ العادة السرية؛ لأجل تفريغ الشهوة الكامنة في جسده , وبعضهم بدأ يبحث عن الحبِ المحرم عن طريق المعاكسات وتصيدِ الفتيات .

    أيها المحب ، لماذا لا تقف مع ولدك لكي تعينَهُ على إكمال نصف دينه وهو الزواج.

    قد تحتج ببعضِ الأمورِ المالية ، فأقول لك : كن صادقاً مع اللهِ في إعفافِ ابنك وستجدُ العونَ من الله تعالى .

    واعلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة حق على الله عونهم ، والناكح يريد العفاف ) .

    اللهم أصلح الآباء والأمهات وارزقهم الحكمة والمعرفة في تربية الأبناء والبنات .

    اللهم أقر أعين الآباء بصلاح الأبناء .

    اللهم احفظ شباب المسلمين وبنات المسلمين من كيد الكائدين والحاسدين، اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا .

    وصلى الله وسلم على رسولنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

     


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    تأملات في سورة محمد - 1

    0:00

    حاجتنا للعفو

    0:00

    الكنز المفقود

    0:00

    ادع إلى سبيل ربك

    0:00

    تأملات في سورة الرحمن - 2

    0:00



    عدد الزوار

    4101097

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 90 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1590 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة